خديجة الطاهري (ومع) أثارت المؤشرات المقلقة لتطورات الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية العالمية في سياق موسوم بتداعيات جائحة كورونا واشتعال نزاعات بالغة الخطورة (الأزمة الروسية -الأوكرانية)، النقاش في العديد من البلدان ومن بينها المغرب، حول مدى قدرة التدابير الحكومية، التي يشكل قانون المالية عادة الإطار الأساسي لتنزيلها، على التكيف مع المعطيات الاقتصادية المتغيرة ، وبالتالي ضرورة تحيين هذه التدابير وفق الآليات القانونية المتاحة ومن ضمنها اللجوء إلى قانون مالية تعديلي. وفي هذا السياق الدولي المطبوع بارتفاع غير مسبوق في أسعار العديد من المواد الأولية والطاقية والذي اقترن في المغرب بظروف مناخية غير مواتية ترخي بظلالها على الموسم الفلاحي، ارتفعت أصوات العديد من الهيئات السياسية ولاسيما أحزاب المعارضة البرلمانية، مطالبة الحكومة بسن قانون مالية تعديلي في ضوء المؤشرات الاقتصادية التي غيرت بشكل واضح الفرضيات التي بني عليها القانون واضطرت معها الحكومة الى الإعلان عن ضخ موارد مالية إضافية في ميزانية الدولة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ودعم المهنيين لاسيما العاملين في قطاع النقل للتخفيف من وطأة الفاتورة الطاقية. وفي هذا الصدد، أكد رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني (معارضة)، أن دعوة أحزاب المعارضة إلى إعداد قانون مالية تعديلي أملتها عدة أسباب، منها كون الفرضيات التي ب ني عليها قانون المالية "أصبحت اليوم متجاوزة بفعل شح التساقطات المطرية الذي ينذر بسنة فلاحية متوسطة ،وارتفاع أسعار المحروقات في السوق الدولية إلى مستويات قياسية، فضلا عن الصراعات الجيو سياسية والنزاع بين روسيا وأوكرانيا واستمرار تداعيات الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد- 19". واعتبر النائب البرلماني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الاعتماد على فرضيات "غير واقعية" سيؤثر على قانون المالية برمته ولن يمك ن الحكومة من تحصيل المداخيل المتوقعة وهو ما يفرض، برأيه، إعادة النظر في أولويات قانون المالية وأسعار بعض المواد الأساسية، ودعم أسعار المحروقات، مع ضرورة تخصيص دعم إضافي لصندوق المقاصة ينضاف إلى 16 مليار درهم المرصودة . ويرى حموني أن تعبئة موارد مالية كبيرة من قبل الحكومة وضخها في ميزانيتها لا يمكن أن يتم إلا من خلال قانون مالية تعديلي لاستخلاص هذه الاعتمادات سواء عبر فرض الضريبة أو خفض نفقات بعض القطاعات أو إجراءات أخرى. وأكد على ضرورة إقرار قانون مالية تعديلي على غرار قانون المالية المعدل الذي تم اعتماده سنة 2020 جراء تداعيات الجائحة، مشيرا إلى أن نسبة النمو المتوقعة، بحسب المؤسسات المالية الوطنية والدولية، ستعرف انخفاضا يصل إلى أقل من 2 بالمائة. ويبدو أن ما ذهبت إليه المعارضة البرلمانية بشأن ضرورة إعداد قانون مالية تعديلي لم يجد الصدى المأمول لدى الحكومة، حيث أكد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أنه "لا نية للحكومة لوضع مشروع قانون مالي تعديلي"، مسجلا أن الحكومة "لا تظن أن هناك دواع لمراجعة قانون مالية 2022". واعتبر بايتاس، خلال ندوة صحافية عقدها مؤخرا عقب اجتماع لمجلس الحكومة، أن الاقتصاد الوطني يتوفر على هوامش مريحة للتحرك لمواجهة مختلف الإكراهات التي يفرضها السياق الدولي، مشيرا إلى أن الحاجة لوضع قانون مالي تعديلي تبرز "عندما تتضرر مداخيل الدولة على غرار ما وقع سنة 2020 بسبب جائحة كورونا بحكم توقف الحركة الاقتصادية". وأكد أن الحكومة تتوفر على الإمكانيات التي تسعفها لمواكبة مجموعة من القطاعات الاقتصادية، وذلك في سياق ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية نتيجة التغيرات الجيوسياسية المرتبطة بالنزاع بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب تداعيات الجفاف والإكراهات المرتبطة بالجائحة. وعلاقة بالنقاش الم ثار بشأن وضع قانون مالية تعديلي من عدمه، قال جواد النوحي، أستاذ المالية العامة والسياسات العمومية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط، إن أولى التحديات التي تواجه أي حكومة في مسار قانون المالية، هي القدرة على تنفيذ مقتضياته وفق ما توقعته في تحضيرها للمشروع. واعتبر أن فعالية الحكومات "تقاس بمدى النجاح في تحصيل الموارد التي قد رتها، إذ لا يمكن للحكومة أن تفي بوعودها دون التمكن من بلوغ الموارد المقدرة، خاصة وأن أوجه الإنفاق الحكومي مرتبطة بمستوى مداخيل الميزانية". وأوضح أنه من أجل النجاح في هذا الأمر "ترتكز الحكومة، باعتبارها المسؤولة عن إعداد مشروع قانون مالية السنة، على فرضيات متعددة، وفي حال أي تعثر يحصل خلال السنة المالية، تكون ملزمة بإعداد مشروع قانون مالية تعديلي يتم تقديمه ومناقشته أمام البرلمان، لتسري مقتضياته على ما تبقى من السنة المالية". وأفاد بأنه نظرا لأهمية هذين المشروعين، فإنه تم تأطيرهما بالعديد من المقتضيات، حيث يستند إعداد ومناقشة وتنفيذ ومراقبة قوانين المالية، في الحالة المغربية، على كل من الوثيقة الدستورية، والقانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، والنظام الداخلي لمجلسي البرلمان، ثم على قرارات القاضي الدستوري في المادة المالية، مضيفا أن القانون التنظيمي لقانون المالية أكد على إلزامية لجوء الحكومة إلى قانون مالية تعديلي من أجل تعديل مقتضيات قانون المالية للسنة المالية الجارية إذا اقتضت الظروف ذلك. وأكد الأستاذ الجامعي أنه " لا يمكن للحكومة أن تعدل مقتضيات النص الأخير بقانون عادي، كما لا يمكنها تجاوز الترخيص البرلماني إلا وفقا لما يقرره القانون التنظيمي لقانون المالية، والذي حدد حالات لزوم لجوء الحكومة إلى تعديل مقتضيات قانون المالية إذا اقتضت الظروف ذلك في المواد من 58 إلى 63. وفي سياق ذلك، فالنص صريح في أن تعديل قانون مالية السنة لا يمكن أن يتم إلا بموجب قانون مالية تعديلي، وأن أي لجوء إلى غير ذلك يعتبر خرقا للدستور باعتبار القانون التنظيمي للمالية جزء من الكتلة الدستورية". وأضاف أن "إعداد مشروع قانون مالية تعديلي يعود إلى الحكومة باعتبارها المسؤولة عن إعداد مشروع قانون مالية السنة وعن تنفيذه، لذلك فهي الأقدر على تقييم سير توقعاتها من الموارد والنفقات، والحارسة على تطبيق قانون المالية للسنة المالية الذي يعبر عن خياراتها، وذلك استنادا إلى النصوص القانونية والممارسة". في المقابل، فإن مسؤولية البرلمان، بحسب السيد النوحي، "تنحصر في المشاركة في بلورة هذه الخيارات من خلال التعديلات التي يقدمها حول المشروع، وأيضا من خلال امتلاك سلطة التصويت"، مشيرا إلى أن البرلمان له من الصلاحيات والأدوار، لاسيما من خلال ممارسة وظيفة مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، ما يتيح له إمكانية إثارة انتباه الحكومة إلى ضرورة وضع قانون مالي تعديلي في حال إذا ما برز له وجود تغير كبير في الفرضيات التي على أساسها ارتكز إعداد مشروع قانون مالية السنة". وخلص إلى أن القدرة على تخفيف آثار ضعف الموسم الفلاحي والتغير في الفرضيات، ما زالت ممكنة في ظل التساقطات المطرية خلال شهر مارس، وإمكانية ارتفاع مساهمات قطاعات اقتصادية أخرى في الناتج الداخلي الخام. فالأشهر المقبلة هي التي ستثبت الأمر من عدمه. وبين موقف المعارضة الداعي إلى ضرورة إعداد مشروع قانون مالي تعديلي، وموقف الحكومة التي ترى أنه ليس هناك حاجة آنية إليه، يبدو أن المنحى الذي ستأخذه الأوضاع على المستويين الوطني والدولي (التأزم أو الانفراج) سيكون الفيصل في ترجيح كفة هذا الموقف أو ذاك.