قال نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن موقع حزبه الأساسي في المشهد الوطني لا يستمده فقط من نتائج الانتخابات، بل من كوننا قوة تنبيهٍ بناءة، تبحث في معنى الوقائع والأحداث، وتضع الإطار والسياق، وترصد الاختلال، وتفتح الآفاق. وأضاف بنعبد الله من خلال التقرير الذي قدمه خلال افتتاح أشغال الدورة الثامنة للجنة المركزية للحزب، أمس السبت، "ولذلك قراءتنا للأوضاع الحالية، بما فيها ما جرى في الانتخابات الأخيرة، يتعين أن تَنْفُذَ إلى صلب الحقائق، بعمقٍ تحليلي، بعيداً عن أي تشنج أو ردود فعل". وتابع ذات المتحدث، "على هذه الأسس، من حقنا، بل من واجبنا، أن نطرح الأسئلة الحقيقية والعميقة، التي يطرحها شعبنا، وسيتنامى طرحها، بأشكال أكثر حدة، إذا واصلت بلادُنا اجترار نفس المقاربات غير المُجدية على المديين المتوسط والبعيد. وهو ما تدل عليه ردود الفعل المواكِبة لأولى خطواتِ هذه الحكومة". وأفاد بنعبد الله، "فما معنى ومغزى ما يجري من حولنا؟ وهل هناك إرادة حقيقية في مواصلة بناء الديموقراطية؟ أم أن بلادنا بصدد العودة إلى الوراء في هذا الورش الوطني والتاريخي والحاسم بالنسبة لمستقبل وطننا وشعبنا؟". وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، "نعم، لقد عرفت بلادُنا مساراً إيجابياً عموماً، منذُ انطلاق مرحلة التناوب التوافقي وإلى حدود دستور2011، رغم التردد والمد والجزر، ورغم كل الصعوبات الطبيعية في مسار شعبنا وتطلعه نحو التقدم والديموقراطية. وبعد النجاح في اعتماد دستور سنة 2011، في ما يمكن أن نسميه جهاداً أصغر، كان على جميع القوى الوطنية أن تمر إلى الجهاد الأكبر الذي هو بلورة كافة المضامين المتقدمة للوثيقة الدستورية وتفعيلها بشكل قويٍّ وسليم وبتأويلٍ ديموقراطي، وعدم تركها حبراً على ورق. إنما ذلك لم يحدث بالشكل المطلوب والمفروض، للأسف الشديد. إننا، بالتالي، أمام وضع هش، من سماته: ممارسةٌ ديموقراطية شكلية تفتقد إلى المضمون والعمق السياسيين، بالنظر إلى ما أشرنا إليه من اختراقٍ للفضاء الديموقراطي التمثيلي من قِبَلِ أوساطٍ فاسدة؛ وانسدادٌ للفضاء السياسي والحقوقي؛ وضعفٌ في الحضور المؤثِّر للهيئات السياسية ولقادتها في العمل المؤسساتي وفي فضاء الإعلام العمومي؛ وتَحويلُ النظام الانتخابي من نظام بطابعٍ سياسي إلى نظامٍ بطابع نقدي/مالي؛ مع ترسيخ فكرةِ أنَّ الأحزاب سواسية، في محاولةٍ لوأد التعددية والاختلاف الطبيعي بين المدارس السياسية والفكرية، أي محاولة قتل فكرة الديموقراطية باعتبارها فلسفة وثقافة وطريقة للتدبير والحكامة ومجالا للتنافس الحر". وأشار قائلاً: "ولذلك، يُنبه حزبُنا إلى مخاطر هذا المنحى، وإلى ضرورة تغيير الاتجاه. لأن الفراغ الذي يستشري لن يفرز سوى المُغامرة اليائسة". موضحاً، "في نفس الوقت، هذا الواقع الذي أتينا على توصيفه، ليس وليداً اعتباطياً للصدفة، بل إنه أحد فصول الصراع الطبقي المتواصل، في تمظهراته السياسية، والذي وإنْ اشتدت وطأتُهُ أو خَفَتَتْ، فإنَّ حقيقته واحدة وهي الصراعُ حول كيفيات توزيع الثروات؛ الصراع بين من يملك كل شيء ومن لا يملك أيَّ شيء؛ بين المُستَغِلين وبين المُستَغَلين". وفي نفس السياق قال بنعبد الله، "حقيقة أخرى يتعين علينا مواجهتها، وهي أنَّ القوى الديموقراطية والتقدمية لم تستطع، عبر كل هذا المسار، من تغيير ميزان القوى لصالحها، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، من أهمها انكماشُ اليسار وصعوباتُ الديموقراطية التمثيلية عالميا. إنما اعتقادُنا راسخٌ أنها ليست نهاية التاريخ، وأن المُستقبل للديموقراطية وأنَّ المستقبل لليسار". وتابع، "في هذا السياق، لا بد لنا من أن نؤكد على أن البناء الديموقراطي يرتهن فعلاً إلى ما يتعين أن تقوم به الدولة أو الأحزاب السياسية، على الأصعدة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية. لكن المعركة، فعلاً، تهم جميع فئات شعبنا، وخاصة الفئات المتنورة، التي عليها الانخراط القوي في معركة الديموقراطية والدفاع عن الحريات. وهذا الرهان الأساسي هو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن انتصار الديموقراطية والتقدم مرتبط جدا بمعركة ترسيخ الثقافة الديموقراطية في مجتمعنا. لأنه لا يمكن الحديث مثلاً عن تحقيق هدف التصويت السياسي والقطع مع اختلالات المشهد السياسي من دون تشبعِ المواطن بالثقافة الديموقراطية. كما أن انتصار الديموقراطية مرتبط أيضاً بتحقيق الكرامة للمواطنين لحمايتهم وتحريرهم من الإغراءات والبيع والشراء في ذممهم. ذلك أن استعمال المال لا يفسر وحده كل اختلالات المشهد السياسي، فهناك أسباب أخرى ذات طابع سوسيو ثقافي، من قبيل الفقر والحاجة والأمية". وأكد على أنه "في المُحصلة، معركتنا كديموقراطيين وتقدميين ستكون أشد شراسةً في الحاضر والمُستقبل، على كافة الواجهات السياسية المؤسساتية، والجماهيرية، والثقافية، والاجتماعية. وسنواصل طريق خوضها بقوة وعزمٍ أكيدَيْن، رغم التراجعات والصعوبات، بثقةٍ في أفكارنا وتصوراتنا، وفي الوعي المتنامي لشعبنا. سنخوضها بحرص شديد على التوجه نحو المستقبل والاجتهاد في فهمٍ أعمق للواقع المجتمعي وتحولاته المتسارعة، وبإيمانٍ راسخ في أنَّ البديل هو معسكر التقدم والديموقراطية المؤهل لفتح الآفاق أمام وطننا وشعبنا. تأسيساُ عليه، فإننا سنخوضُ هذه المعارك من موقع المُعارضة التقدمية البناءة، طالما أننا أمام حكومة ليبرالية يمينية، ولو أنها بأقنعة اجتماعية لن تلبث أن تسقط أمام امتحان الشعب وتطلعاته. حيث سنعارض، بقوة، كل السياسات اللاشعبية أو اللاديموقراطية، ولن نجد حرجاً في مساندة أيِّ قرارٍ يكون في صالح الجماهير".