تُوفي عشرات من الأطفال و3 أمّهات داخل جناح تابع للهيئة الوطنية للصحّة NHS في أحد مستشفيات في بريطانيا، في حوادث وُصفت بأنها أكبر فضيحة حضانة في تاريخ هذه الخدمة، تكشف عنها صحيفة إندبندنت. فقد تمّ السماح بسوء تصرّفٍ سريري على مدى 40 عاما، مع ارتكاب إخفاقاتٍ متكرّرة من جانب الأطباء والقابلات ورؤساء المستشفيات، وفق تقرير داخلي تم تسريبه. وتحدّث تحقيقٌ أجري في شأن تلك الحوادث عن مقتل 42 طفلاً على الأقل، و3 أمهات في مستشفى “شروزبري أند تيلفورد ترست” SATH في الفترة ما بين العام 1979 والعام 2017. وتبيّن أن أكثر من 50 طفلاً أيضاً أصيبوا بتلفٍ دائمٍ في الدماغ بعد حرمانهم من الأوكسجين أثناء الولادة، كما ذكر التحقيق، إضافةً إلى تحديد قرابة 47 حالة أخرى من الرعاية المتدنّية. وقال مصدر رفيع المستوى في الهيئة الوطنية للصحّية لإندبندنت: “أعتقد أنه يمكنك القول بثقة تامّة إن هذه الفضيحة هي الأكبر في أقسام الولادات تعرفها المملكة المتحدة. إنها أكبر بكثير من فضيحة موركامب باي، فالنتائج الأولية للتحقيق تظهر وقوع عشرات الوفيات التي كان يمكن تجنّبها”. ويتمّ الآن التدقيق إجمالاً في أكثر من 600 حالة، ومع وجود مئاتٍ من الحالات الأخرى التي ما زالت في وضع الانتظار، يُتوقّع أن يرتفع العدد. وعلمت إندبندنت أن الوفيات والإصابات ظلّت تتوارد على اللجنة حتى نهاية العام 2018. وكانت فضيحة موركامب باي، التي شهدت وفاة 11 طفلاً ووالدة نتيجة ممارساتٍ كان يمكن تجنّبها في مستشفى فورنيس العام في كامبريا في المرحلة الممتدة ما بين العام 2004 والعام 2013، هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الهيئة الوطنية للصحّة في أقسام الولادات. وأوضح التحقيق في شأن مستشفى شروزبري أن الأخطاء السريرية المتكرّرة تفاقمت بعد إجراء تحقيقاتٍ كانت ما دون المستوى المطلوب، وفشلت في تعلّم الدروس المستقاة، في حين تمّ التعاطي مع العائلات المفجوعة “بنقص فادح في اللطف والاحترام”. وأشار الموظّفون إلى الأطفال المتوفّين بصيغة It (كأنهم أشياء)، أو أخطأوا في أسمائهم، في حين قيل لكثير من الأهالي المحزونين إن قضيتهم ليست الوحيدة من نوعها. وفي إحدى المرّات، تُركت جثة طفلٍ تتحلّل على مدى أسابيع بعد إجراء فحص الوفاة، وبلغت نقطة من التحلّل بحيث حالت من دون تمكّن الأم من إلقاء النظرة الأخيرة على طفلها قبل دفنه. ويكشف التقرير المتعلّق بمستشفى “شروزبري أند تيلفورد ترست” أن المنظّمين كانوا على معرفة بالمشكلات التي تعود إلى العام 2007، عندما سلّطت “لجنة الرعاية الصحية” السابقة ل “لجنة جودة الرعاية”، الضوء على المخاوف بشأن الإصابات التي لحقت بالأطفال. ومع ذلك، فإن ثقة اللجنة بالتحسينات اللازمة التي ستُنفّذ كانت “في غير محلها”، كما يستنتج التقرير. ويدرج التقرير المسرّب النقاط الآتية: عدم تقديم معلومات كافية تساعد في تكوين موافقة معرفية للأمهات اللواتي يخترن ولادة أطفالهن في وحدات تشرف عليها القابلات، حيث يمكن أن تكون المخاطر أكبر إذا حدثت مشاكل. هذا الأمر حصل لمدة طويلة “وما زال مستمراً حتى يومنا هذا”. غياب طويل الأجل للشفافية والصدق والتواصل مع الأسر عندما تسوء الأمور. وقد أرسى ذلك ممارسةً “غير محترمة” للعائلات التي “تضررت” نتيجة لذلك. عدم الاعتراف بالحوادث الخطيرة. وقد قيل لعددٍ من العائلات التي خضعت لتجارب مروّعة إنها الوحيدة التي حصلت معها مشكلة، وإنه سيتمّ تعلّم الدروس. ويؤكد التقرير أن “من الواضح أن هذا غير صحيح”. فشل طويل الأجل في إشراك الأسر في التحقيقات التي كانت في الغالب متواضعة، ووُصفت بأنها “قصيرة للغاية” و”مفرطة في الدفاع عن الموظّفين”. افتقار إلى اللطف والاحترام للآباء والأمّهات والأسر، مع أمثلة متعددة عن أطفال متوفّين أعطوا أسماء خاطئة في الكتابة أو أشير إليهم ب it (كأنهم أشياء). عدم مشاركة خلاصات التجارب، بمعنى “الأخطاء المتكرّرة التي غالباً ما تكون متشابهة ما بين حالة وأخرى”. وظلّ الفشل في التعلّم حاضراً من أول حالة وفاة حديثي الولادة في العام 1979 إلى حالات أخرى حصلت في نهاية العام 2017. قلّة الدعم للأسر التي “عانت من خسارة كبيرة ومأساوية”. ثقافة طويلة الأجل داخل وحدة الولادات “أثبتت أنها مسمّمة لجهود التحسين”. وتنبع خلاصات التقرير اليوم من تجارب عائلة ستانتون – ديفيز، التي فقدت ابنتها الرضيعة كيت، في وحدة لودلو التابعة لمستشفى “شروزبري أند تيلفورد ترست” في مارس من العام 2009، بعدما فشلت القابلات في مراقبة حالتها، ضمن قائمة من الإخفاقات الأخرى. واتّضح في ما بعد أن الطفلة ما كان يجب أن تكون هناك أصلاً لأن الأم ريانون ديفيز كان يجب أن تُصنّف ضمن حالات الحمل شديدة الخطورة. التصميم على الكفاح لدى عائلة الطفلة الذي استمر عقداً من الزمن لضمان تعلم الدروس، أدّى إلى إثارة استفسار جديد. فقد اضطُر الأهل أولاً إلى القتال فقط من أجل إجراء تحقيق في القضية. بعد ذلك، بمجرد أن أكدت لجنة تحقيق من هيئة محلفين أن وفاة ابنتهم كان من الممكن تجنّبها، تحدّوا الهيئة الوطنية للصحّة أن تعاود النظر في الطريقة التي أجرت بواسطتها التحقيق السابق في الظروف المحيطة بالوفاة. وحدّدت المراجعة اللاحقة أوجه القصور المعتمدة في نظام التعامل من جانب الرئيسة السابقة للقابلات كاثي سميث، والقابلات اللواتي غيّرن الملاحظات بأثر رجعي. ومن خلال العمل مع والدي طفلة ثانية، بيبا غريفيث، التي تُوفيت في العام 2016، بعدما تجاهل العاملون علامات التهابٍ خطير، وجّهوا رسالةً إلى وزير الصحّة آنذاك جيريمي هانت، الذي أمر بإجراء تحقيق مستقل في العام 2017. في البداية، اقتصر نطاق التحقيق على حالاتٍ حصلت مع 23 أسرة في وحدة الولادات التي تشرف على ولادة 4700 طفل في السنة. لكن عشرات الحالات الأخرى، بما فيها الوفيات، كشفت عنها “مجلة الخدمات الصحّية” Health Service Journal العام الماضي. وتم توسيع نطاق المراجعة التي قادتها القابلة دونا أوكيندن، من قبل وزير الصحة مات هانكوك، في حين تم وضع مستشفيي “شروزبري أند تيلفورد ترست” و”برينسس رويال” في تيلفورد تحت تدابير خاصّة. وأوضحت الوالدة ديفيز أن النتائج التي توصّلت إليها والتي كُشف عنها في التقرير الذي تمّ تسريبه، أظهرت أن العجز المزمن لدى وحدة الولادات عن التعلّم من أخطاء الماضي قد “حكم على إبنتي بالموت”. وتساءلت: “كيف تمّ التسامح مع هذا الوضع لفترة طويلة؟ إنه لأمر مروّع”. صحيفة إندبندنت سلّمت نسخة من وثيقة التحقيق إلى بيل كيركوب الذي كان قد ترأس لجنة التحقيق في فضيحة مستشفى “موركامب باي”. وبعد الاطّلاع عليها قال إن قراءتها “مروّعة”، وأظهر “أوجه تشابه لا لبس فيها” مع الفضيحة في “مستشفى فورنيس العام”. وقال: “لقد شعرت بخيبة أمل شديدة عند مراجعتها. كانت الحقائق في موركامب باي سيئة للغاية، لكن رؤيتها تتكرّر في مكان آخر خلال العامين التاليين هي أسوأ، لأنها تظهر أننا لم نتعلّم.” وأضاف: “الفشلان السريريان التنظيميان لم يحدثا مرّة واحدة، فإنهما يشيران إلى مشكلة أساسية في النظام قد تكون موجودة وكامنة في وحدات أخرى. ومن المهم جداً أن ندرك السبب وما الذي يمكننا القيام به حيال ذلك. هناك أدلة جيدة على أن بعض الإجراءات الواضحة ولكن بعيدة المدى ستفيد جميع وحدات الولادات، إضافة إلى تقليل فرص حدوث كارثة أخرى كبيرة الحجم مثل الكارثتين اللتين وقعتا”. وخلصت أوكيندين في التقرير، إلى أن عدداً من الحالات شمل فشلاً سريرياً واضحاً في “المعرفة والعمل الجماعي والمقاربة المتّبعة في مواجهة المخاطر”، وكذلك فشل رؤساء المستشفى في التحقيق في الأخطاء وتحديد المخاطر الرئيسية، والتواصل بشكل صحيح مع العائلات. وكتبت في التقرير: “إنها روايات حقيقية عن المعاناة والحزن اللذين يعيشهما الأفراد والأسر. كان يُفترض أن تكون تجربة هؤلاء مع خدمة الرعاية التي تقدّمها وحدات الولادات، ذات مردود إيجابي في حياتهم، لكن بدلاً من ذلك، أسفرت في كثير من الأحيان عن مأساةٍ استمرت آثارها العميقة وطويلة المدى حتى يومنا هذا. ونتيجة لإصرار تلك العائلات على التقدّم إلى الأمام، أصبحت هذه المراجعة الآن إحدى أكبر التجارب على الإطلاق، التي تقوم بها الهيئة الوطنية للصحّة NHS في أمراض الولادة والوفيات لدى الرُضّع والأمّهات ضمن خدمة واحدة”. ويقول جيمس تيتكومب الذي تُوفّي ابنه جوشوا نتيجة سوء الرعاية في وحدة الولادات في “موركامب باي” في العام 2008، والذي كان له دور فاعل في دفع التحقيق في الحالات التي حدثت، إنه شعر “بحزن شديد” لدى أخذه علماً بحوادث شروزبري. ورأى أن “هذا دليلاً أكبر على أن خدمة الرعاية الصحّية الوطنية تحتاج إلى أن تواجه حقيقةَ وجود مشكلة منهجية في خدمات الولادات. وقد تطلّب الأمر مرّةً أخرى من العائلات أن تكون هي المحفّز لكشف هذا الخلل.” وأشارت القابلة دونا أوكندن في بيان لها، إلى “أن المستند المشار إليه في تغطية اليوم، يبدو تحديثاً لحالة داخلية انطلقت اعتباراً من فبراير (شباط) 2019. فقد تم وضعه بناءً على طلب “قسم التحسين الهيئة الوطنية للصحّة” NHS Improvement، ولم يكن مخصّصاً للنشر. في ذلك الوقت، استمعتُ إلى العائلات المشاركة في مراجعة حوادث وحدات الولادات، وقد كانت واضحة جداً بأنها تريد تقريراً محدّداً وشاملاً ومستقلا، يغطّي جميع الحالات المعروفة التي يُحتمل أن تكون مصدر قلق خطيرٍ داخل تلك الوحدات. ونعمل أنا وفريقي المستقلّ الخاصّ بالمراجعة جاهدَين على تحقيق ذلك”. وقالت بولا كلارك الرئيسة التنفيذية الموقّتة في “شروزبري أند تيلفورد ترست”: “إننا نعمل ونواصل العمل مع المراجعة المستقلة لخدمات الولادات. ونيابةً عن تلك الوحدات، أعتذر بلا أيّ تحفّظ للعائلات التي تضرّرت. أودّ أن أطمئن جميع الأسر التي تستخدم خدمات الولادات الخاصّة بنا، إلى أننا لم ننتظر التقرير النهائي لدونا أوكندن كي نعمل على تحسين خدماتنا. لقد تم فعلاً القيام بالكثير لمعالجة المشكلات التي أثارتها الحالات السابقة.” وأنهت قائلة: “إن تركيزنا ينصبّ على جعل خدمة الولادات لدينا أكثر أمانا. لا يزال أمامنا الكثير من العمل، لكن بدأنا نلمس بعض النتائج الإيجابية من الجهد الذي قمنا به حتى الآن”.