هرع الفقراء إلى أكشاك الصحف بحثا عن الجرائد الدولية، والفضائيات الأجنبية التي نشرت القوائم المفصلة بأسماء مالكي الحسابات البنكية والأموال المهربة، إلى باناما لعل وعسى يجدون أسماء الشعوب المنهوبة أرزاقها مدرجة على القائمة. الفقراء ليسوا واهمين، لأنهم يعرفون قبل و بعد تسريبات "أوراق باناما" أن ملايير الأوراق النقدية من كل العملات الصعبة يتم تهريبها بطريقة سهلة من المغرب إلى الخارج منذ سنين ولم تتوقف هذه العملية اللصوصية في يوم من الأيام. إن تلك الأموال المودعة في الحسابات السرية بأبناك باناما وغيرها من البلدان باسم حكام متسلطين على شعوبهم ووزراء و رجال أعمال ومجرمين عتاة ومتاجرين بالسلاح والبشر وبكل شيء يخطر أو لا يخطر على البال، هي في الواقع أموال ملايين الفقراء المنهوبة من دمهم و عرقهم، وكدهم المرير، من أن يظلوا على قيد الحياة، فهم وقود المصانع والمعامل و الأوراش، وباسمهم تحصل الحكومات الظالمة على الهبات الدولية التي لا تصل أبدا المعنيين بها بل تحول مباشرة "من تم لتم" إلى المراقد الدافئة في سويسرا وفرنسا وأمريكا وباناما والجزر العذراء إلا من الجشع و الفساد. و كم كان بودنا أن تنشر صحافة الاستقصاء بالإضافة إلى أسماء ناهبي المال العمومي، لائحة ثانية بأسماء ضحايا النهب من الشعوب المكلومة و المضطهدة من حكامها الدكتاتوريين الذين يتلقون الدعم و المساندة من بلدان الغرب و على رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية (التي خرجت منها أوراق باناما) ، الفقراء الضحايا الموجودون في كل مكان من هذا العالم الذي اتضح أكثر أنه محكوم من قبل مافيا و " عرابون" ينهبون شعوبهم باسم الشرعية السياسية المزعومة (النهب باسم الشرعية أو شرعية النهب)! أو صناديق الاقتراع أو الديمقراطية المفترى عليها. يحق لفقراء العالم إذن و منهم فقراء المغرب أن يعلنوا على رؤوس الأشهاد أن لهم حسابات بنكية في سويسرا وباناما و أمريكا وغيرها من الجنات الضريبية، لكنهم يفتقدون فقط إلى الرقم السري الذي يمكنهم إلى إعادة هذه الأموال المهربة سرا وعلانية إلى موطنها و شعوبها و أصحابها الحقيقيين من الفقراء والكادحين. وأتمنى أن يدرك المظلومون المعذبون في هذه الأرض أن الرقم السري يتمثل في قدرتهم على كسر أغلال الخوف، والتخلص من علة تقديس الديكتاتوريات العاتية والديموقراطيات المزيفة التي تجعل من الناس عبيدا. ولعل الفقراء الذين بحثوا في "أوراق باناما" عن أسماء الشعوب المنهوبة ولم يجدوا لها أثرا، قد وجدوا مكانها أسماء من يسرق أموالهم في غفلة منهم وأحيانا ينهبها في واضحة النهار، على اعتبار أن أموال الشعب سائبة، والمال السائب يعلم السرقة، خصوصا إذا كان حراس بيت المال أنفسهم لا يؤتمن جانبهم، فحتى الرقيب يحتاج إلى من يراقبه، و رقيب الرقيب حتى هو "خاص اللي يحضيه"، وهكذا دواليك في دول شعوبها لا تحصل على تأشيرة للسفر و من حصل عليها فبشق الأنفس، أما أموالها المنهوبة و المسروقة فتغادر أرض الوطن نحو الأصقاع البعيدة معفية من التأشيرة و التفتيش الدقيق في المطارات و نقط الحدود، و الناهبون تعدوا كل الحدود.