ذ. عبد الواحد الأثير قرأت بعناية بالغة مقالة للأستاذة المحترمة مريم جمال الإدريسي منشور في جريدة هسبريس بتاريخ 20 يونيو 2019، تحت عنوان “هكذا ينتهك الوزير الرميد حقوق الضحايا في ملف بوعشرين”. وقد استندت الأستاذة المحترمة في مقالها على ما ورد في مداخلة للأستاذ المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، تحت عنوان “حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية بين التشريعات الوطنية والمعايير الدولية على ضوء اجتهادات آليات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان”، قدمها في ندوة نظمت بمدينة الدارالبيضاء بتاريخ 14 يونيو 2019 حول “مشروع قانون المسطرة الجنائية وسؤال حقوق الإنسان”. . وقد اعتبرت الأستاذة المحترمة أن السيد وزير الدولة أقحم في مداخلته ملفا رائجا أمام القضاء، وبعد أن ذكرت بالعناصر التي اعتمدها في مداخلته لتبيان المعايير الدولية لحقوق الإنسان وأدوار الآليات الدولية في هذا المجال وتفاعل الدول معها ومن بينها المغرب، توقفت الأستاذة الإدريسي عند عمل فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، واعتبرت أن الأستاذ الرميد “فصل فيه ولم يبخل القول ولم يقصر بل كان دقيق البلاغ واضح المعاني والمرامي”، مشيرة إلى ما تم تقديمه في المداخلة بخصوص الأسس التي يعتمدها فريق العمل وطرائق عمله، قبل أن تتوقف عند الأرقام وتنسب لوزير الدول القول بأن “مجموع البلاغات التي تلقاها الفريق والبالغ عددها 225 بت في 94 شكاية منها تسعون منها كان رده فيها سلبيا وأربعة فقط قبلها وبت فيها إيجابا وهو القول المفعم بتبشير المستمعين الحاضرين بأن من بين الأربعة المذكورين ملف (ت ب)”. وأضافت أن الأستاذ الرميد أشار إلى أن “المغرب ومنذ انخراطه في منظومة حقوق الإنسان، وبالتحديد منذ 1992 عرض 22 بلاغا كان قرار الفريق ف 21 منها سلبيا وواحد فقط هو ما تم التجاوب معه إيجابا، متسائلة لما لم يخبر السيد الوزير بأن البلاغ الوحيد المقبول هو بلاغ صديقه (ت ب)؟، ولماذا تم التحايل على المعلومات القانونية في باب تعميم المعرفة في موضوع الآليات الأممية ليتم اختزال النقاش في آلية وحيدة وذات ارتباط بملف يروج أمام المحكمة الوطنية؟ بل آلية تهم متهما بجرائم جنسية؟ وله ضحايا نساء يتألمن وهن ينظرن لما يمثلهن وباقي أفراد الأمة يتحيز بخطاب مبطن وبرسالة تحمل مقصد القول بإلزامية الإفراج الفوري عن السيد ت ب بل وتعويضه ماديا؟…”. وإذا كانت الأستاذة الإدريسي قد اعتمدت في تقديم معطياتها على متابعتها لأشغال هذه الندوة، فإنني بدوري تابعت أشغالها، واستمعت لمداخلة الأستاذ الرميد تعقيبه العام، كما استمعت لرد الأستاذة الإدريسي، ولتعقيب زميل آخر عليها بسبب عدم احترامها لقواعد النقاش التي حددها مسير الجلسة. وحيث أن المداخلة التي قدمها وزير الدولة، وهي مسجلة ومنشورة، لم تتضمن بعض الوقائع والمعطيات التي اعتمدتها الأستاذة الإدريسي لتقدير موقفها والوصول إلى استنتاجاتها التي لم يكفها ما قدمته خلال تلك الندوة واختارت تقاسمه مع من لم يحضرها، فإنه من باب الشهادة والواجب تقديم التوضيحات التالية: أن هذه الندوة لم تكن ترمي، لا في أهدافها ولا في مضامينها ومخرجاتها، إلى إثارة مواقف سياسية أو نقاشات بشأن حالات فردية، كما أن كل العروض التي تفضل بها الأساتذة المتدخلون والتعقيبات التي تفضل بها السيدات والسادة الحاضرون لم تركز على أي شيء من ذلك، ما عدا ما تفضلت الأستاذة الإدريسي، وحيدة، في تعقيبها خلال الندوة وفي مقالها المذكور. أن الأستاذ الرميد عندما تحدث عن المعطيات المتعلقة بالبلاغات الفردية المقدمة لفريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي خلال سنة 2018 والتي حصرها في 225 شكاية مقدمة من مختلف دول العالم والتي بت الفريق في 94 شكاية، منها 90 شكاية كان رده فيها سلبيا، بنسبة 96 في المائة، وأربعة كان رأيه إيجابيا بشأنها، حيث كان يعني في قوله أن موقف الفريق كان سلبيا تجاه مختلف دول العالم بنسبة 96 في المائة، وليس المغرب لوحده كما جاء في المقال، قاصدا القول أن الاتجاه الغالب في قرارات هذه الآلية الأممية هو إدانة الدول بمختلف مواقعها ووضعياتها. كما أن الأستاذ الرميد لم يذكر لا بالإشارة ولا بالتوضيح ولا بالتلميح ولا بالتسمية ولا بالتفصيل أي حالة خاصة بالمغرب، وأنه عندما استعرض الحالات 22 التي تخص المغرب والمعروضة على فريق العمل منذ 1992 والتي كان قرار الفريق في شأن 21 حالة منها سلبيا تجاه المغرب، وذكر حالة واحدة اعتبرها إيجابية بالنظر لكون الفريق لم يتخذ فيها موقفا، فإن المقصود ليس تماما ما ذهبت إليه الأستاذة التي فهمت “الحالة الإيجابية” بأنها حالة مقبولة من فريق العمل، والمقصود بذلك لدى الأستاذ الرميد هو أنها حالة إيجابية لصالح الدولة، علما أن الحالة المشار إليها في تدخل الأستاذ الرميد لم يبت فيها فريق العمل لعدم توفره على المعطيات التي تمكنه من ذلك، وأنه لا علاقة لها بالحالة التي كانت محط تحرك وتعقيب من الأستاذة بلغ بها حد تخصيص مقالتها للدفاع عنها. أن القول بأن الأستاذ الرميد ركز في مداخلته على آلية أممية وحيدة هي فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، ليس صحيحا تماما لأن الأستاذ الرميد قدم معطيات وافية عن كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والآليات التعاهدية وغير التعاهدية وأدوارها وركز على الآليات التي تشمل ولايتها موضوع الندوة، وهي لجنة مناهضة التعذيب واللجنة الفرعية لمنع التعذيب وفريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي وفريق العمل المعني بالاختفاء القسري، بل إنه توقف عند توصياتها جميعها، واحدة واحدة، في علاقة بموضوع المسطرة الجنائية، وبالخصوص الحق في مؤازرة المحامي ومدة الحراسة النظرية. إن استنتاج الأستاذة الإدريسي بأن الأستاذ الرميد لم يحترم واجب التحفظ وكان يرمي من وراء مداخلته الدفاع عن ملف معروض على القضاء والتموقع إلى جانب أحد الأطراف لا يوجد له سند ولا مؤشرات لا في المعطيات المقدمة والعبارات المستعملة ولا في الأطروحة التي دافعت عنها المداخلة والتي تنبني على خلاصة أساسية مفادها أنه ينبغي مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان واجتهادات وتوصيات الآليات الأممية لحقوق الإنسان في التشريعات الوطنية التي بذل بشأن ملاءمتها جهد محمود ينبغي تعزيزه ليصبح متوافقا مع تلك المعايير والتوصيات، وأنه ينبغي اغتنام مناسبة إعداد مشروع قانون المسطرة الجنائية لتقديم المقترحات الكفيلة بتطويره ولاسيما ما يتعلق بتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وبالخصوص حماية حقوق المتهم. نتمنى أن نكون قد بينا ما يستدعي البيان وأجبنا على ما لم يكن في الحسبان.