بتاريخ 14 يونيو 2019، انعقدت أشغال ندوة علمية تحت عنوان "مشروع قانون المسطرة الجنائية وسؤال حقوق الإنسان". وقد حضرت هذه الندوة لاهتمامي بموضوعها، لأفاجأ بمداخلة للسيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، وهو يقحم موضوع ملف السيد توفيق بوعشرين في مداخلته التي اختار لها عنوان "حماية حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية، خاصة خلال فترة الحراسة النظرية"؛ بعد أن أبرز أهمية الموضوع في علاقته باجتهادات آليات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان ودور المحامي، وكيف أن المنظومة الدولية لحقوق الإنسان متشعبة وأصبحت معقدة ولا يمكن للباحث خوض غمارها بسهولة. كما أشار الرميد إلى كون المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان خرجت من نطاقها التقليدي الذي كان يقتصر على الشرعة الدولية، لتصبح متسعة وشاملة لمجموعة من الآليات؛ وذلك كله تمهيدا للدخول في موضوع آليات المراقبة الأممية، مفرقا في حديثه بين الآليات التعاهدية وتلك التي تعتبر غير تعاهدية، ومشددا على أهمية الأخيرة على اعتبار أنها تتأسس على ما تقرره الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي فإنها تعني جميع أعضاء المنظمة، ولها طابع إلزامي بقوة معنوية، ولها حق تفحص المنظومات الوطنية تشريعا وواقعا، كما أنها تصدر التوصيات والملاحظات وتتلقى التقارير والبلاغات؛ وكل هذا تمهيدا للقول بدور فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، الذي اعتبره مهما وذا قيمة محورية في مجال التزامات الدول بالمنظومة الكونية لحقوق الإنسان. وفي تخصيص الحديث حول عمل هذا الفريق، أسهب الوزير وفصل، ولم يبخل في القول ولم يقصر، بل كان دقيق البلاغ واضح المعاني والمرامي، وقال عن الفريق إنه آلية شبه قضائية موازية للمنظومات القضائية الوطنية، له حق محاكمة المنظومات القانونية وتقييم السياسات العمومية المرتبطة بالموضوع. بل إن للفريق، حسب قول الوزير، حق تقييم القرارات القضائية ومدى احترامها للمعايير الدولية، وفي ظل عمليات فحصها وتقييمها هذه، لا تسند اعتبار للقوانين المحلية إلا إذا كانت تستجيب للمعايير المرتبطة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. وشدد الوزير على أن استنفاد سبل الانتصاف المحلية وإن كان ذا أهمية في قبول البلاغات أو الشكاوى الفردية التي تقدم لبعض الآليات ذات الطبيعة التعاهدية، فإن الأمر غير مطلوب ولا مشروط بالنسبة للفريق العامل في الاعتقال التعسفي، الذي له حق البت والنظر رغم كون القضية لازالت رائجة أمام القضاء الوطني، ولم يبخل في التوضيح والتفسير للحاضرين بالندوة كيف أن للفريق العامل المذكور حق البت في ما يعرض عليه من بلاغات دون النظر في جوهر الشكاية ولا موضوع الدعوى، بل إنه يحصر النظر في مدى احترام المعاهدة الدولية ذات الصلة بالمسطرة التي طبقت في حق الحالة المعروضة ويقرر مدى اعتبار الاعتقال تعسفيا أم لا، بغض النظر عن مدى تورط المعني بالأمر في الجرائم موضوع المتابعة. جميل جدا أن نسمع السيد الوزير الحامل لحقيبة تهتم بالمناخ الحقوقي للمملكة المغربية وهو يناشد المخاطبين بمداخلته ضرورة الاهتمام بموضوع الآليات الدولية ذات الطابع الرقابي وملاءمة النصوص الوطنية مع المواثيق الدولية، لكن الأجمل والأبلغ هو تفسيره لما لهذه الآليات من دور في رسم ملامح الصورة الحقوقية سلبا أو إيجابا للبلد المعني بآرائها؛ ثم انتقل للغة الأرقام، التي تحمل من المعاني والمقاصد ما يفيد رسم المعالم الحقيقة لمداخلته المؤيدة للسيد توفيق بوعشرين، ليقول لنا نحن الحاضرين إن الفريق العامل بالاعتقال التعسفي تلقى سنة 2018 مجموع بلاغات بلغ عددها 225 بتا في 94 شكاية، تسعون منها كان رده فيها سلبيا وأربعة فقط قبلها وبت فيها إيجابا، وهو القول المفعم بتبشير المستمعين الحاضرين بأن من بين الأربعة المذكورين ملف الصديق السيد توفيق بوعشرين. هكذا استمر خطاب الوزير، بل زاد طين حديثه بلة عندما أشار إلى أن المغرب ومنذ انخراطه في منظومة حقوق الإنسان، وبالتحديد يقول منذ سنة 1992، عرض 22 بلاغا كان قرار الفريق في 21 منها سلبيا، وواحد فقط هو ما تم التجاوب معه إيجابا. لماذا سيدي الوزير، لم تخبرنا بأن البلاغ الوحيد المقبول هو بلاغ صديقك بوعشرين؟..لماذا سيدي الوزير تحايلت على المعلومات القانونية في باب تعميم المعرفة في موضوع الآليات الأممية؟ لتختزل النقاش في آلية وحيدة وذات ارتباط بملف يروج أمام المحكمة الوطنية؟ بل آلية تهم متهما بجرائم جنسية؟ وله ضحايا نساء يتألمن وهن ينظرن لمن يمثلهن وباقي أفراد الأمة يتحيز بخطاب مبطن، وبرسالة تحمل مقصد القول بإلزامية الإفراج الفوري عن السيد توفيق بوعشرين، بل وتعويضه ماديا؟.. لماذا اخترتم الحديث عن هذا الموضوع الذي كان للقضاء الجنائي المغربي فيه رأي، عنون فيه الحقيقة المفترضة من خلال قرار ابتدائي يدين من انتهك حرمة أجساد نساء كان كل طموحهن العيش بكرامة؟ من بينهن امرأة حامل لم يعر لا لحملها ولا لزوجها وللقيم الدينية والأخلاقية أي اهتمام، وهو يصر بأوامره على استغلالها وقد كانت وشيكة الوضع....وأنينها قد لا يسمع مع أنين الأخريات. لماذا سيدي الوزير اخترتم الحديث عن آلية طرحت الجدل والحديث حول ملف كثرت فيه محاولات التأثير على القضاء، بين من له مآرب سياسية، ومن يعين صديقا أو حليفا على الإفلات من العقاب، ومن يبرر السلوك بفحولة الرجل واستسلام النساء؟. ألم تعلم سيدي الوزير، وأنتم تبررون للحضور كيف أن للفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي حق البت في ما يعرض عليه من بلاغات، رغم كون موضوعها لازال معروضا على القضاء الوطني، قد تناقضتم مع زميلكم وزير العدل فيما أدلى به من توضيح وكذا الناطق الرسمي للحكومة، وأسأتم إلى السلطة القضائية، بل أسأتم إلى أنفسكم وخرقتم واجب التحفظ...؟. أكيد أن السيد الوزير نسي ما له من أدوار دستورية، ونسي أنه ممثل للحكومة التي قصرت في الرد على فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، حينما راسلها الأخير ابتغاء الرد على ادعاءات المصدر، وانتظرت منه إتاحة الفرصة لتقديم البيانات حول الملاحظات التكميلية..دون التحسب لما قد يسفر عنه قرار مثل الذي صدر عن الفريق من مآسي للضحايا ولروح العدالة. يا سيدي الوزير، إن كان الفصل 23 من دستور المملكة المغربية يعتبر الاعتقال التعسفي من أخطر الجرائم، فكيف قبلتم الرد بلا سند وثائقي على فريق العمل؟ وكيف قبلتم على السلطة القضائية تهمة تحمل وصف الجناية وأنتم المجبرون على احترام الفصل الأول من الدستور القائل بوجوب توازن السلط وتعاونها؟.. غريب جدا أن نسمع منكم اليوم أن الفريق المذكور له حق البت في البلاغات من جانبها الحقوقي ولو كانت القضية لازالت رائجة أمام القضاء ودون شرط استيفاء سبل الانتصاف المحلية؛ فبماذا تفسرون قول الفريق في رأيه رقم 85/2018 بشأن السيد توفيق بوعشرين وهو يناقش قراره في الفقرة 59 بالنص على ما يلي: "وللبت في ما إذا كان سلب السيد بوعشرين حريته تعسفيا، يأخذ الفريق العامل في اعتباره المبادئ المكرسة في اجتهاداته بشأن تناول قضايا الإثبات. فإذا أقام المصدر أدلة كافية على احتمال وجود إخلال بالمقتضيات الدولية يشكل احتجازا تعسفيا، وقع عبء الإثبات على الحكومة إن هي أرادت دحض الادعاءات، ولدى دحضها الادعاءات، يحق لها تقديم الأدلة التي تراها ضرورية لإقامة الدليل على ما تذهب إليه، علما أنها كثيرا ما تكون في وضع أفضل لإصدار الوثائق الإجرائية".. ثم الفقرة 60 من الرأي المذكور، والتي تنص على الآتي: "وفي القضية محل النظر، ردت الحكومة بدحض كل الادعاءات إلا اعتقال السيد بوعشرين واستمرار احتجازه والجرائم المزعومة المنسوبة إليه. غير أن الحكومة لم تدحض على وجه التحديد ادعاءات المصدر. فقد سبق أن ذكر الفريق العامل في الماضي، في قضايا تتعلق بالمغرب أن الدحض الرسمي لا يكفي للطعن في ادعاءات المصدر ذات المصداقية، ولاسيما عندما يقدم هذا الأخير أدلة كثيرة تدعم أقواله، سواء أكانت مستندات قضائية أم وثائق أخرى تندرج ضمن الملك العام، بما فيها ترجمات عندما تكون الوثائق باللغة العربية. ولذلك فإن من الواضح أن الحكومة اختارت الاكتفاء بطعن رسمي دون توثيق روايتها للوقائع، وفي هذه الحالة سيرجع الفضل إلى المصدر من حيث المبدأ ما لم توجد أسباب أخرى تدعو إلى الشك فيه". وبماذا تفسرون السيد الوزير ردكم كحكومة للفريق العالم ، والمدون في الفقرة 43 من الرأي، والذي سطر فيه ما يلي: "وتشير الحكومة، إضافة إلى ذلك، إلى أن المصدر قدم شكواه مع أن القضية كانت لا تزال معلقة أمام المحكمة وقبل صدور أي حكم. ولذلك فإن هذا الإجراء قد يكون محاولة من الدفاع للتلاعب قصد التأثير على المجرى العادي للإجراءات القضائية"؛ فكيف تردون هكذا جواب وأنتم أدرى وأعلم كما تعلموننا اليوم بأن لهذا الفريق حق البت والنظر في الاعتقال ولو كان ذا ارتباط بملف رائج أمام وسائل الانتصاف الوطنية؟ فأنتم الحكومة وكلم مسؤول، كيف تتناقضون بين مواقفكم الأكاديمية في رحاب قاعات الندوات والمؤتمرات وبين مواقفكم الحكومية والرسمية في رحاب وزارتكم في حقوق الإنسان، وزارة أسقطت من الاعتبار الإنساني أنين الضحايا، وآلامهن ومعاناتهن اليومية، مع مخلفات الجرائم البشعة على أجسادهن ونفوسهن، بل وعلى محيطهن العائلي والاجتماعي، أنين يرتفع صداه في آذان من ينصت بقلوب رحيمة تدرك أننا في مجتمع لا يرحم النساء متى تعلق الأمر بالجنس، آلام تزداد حدتها حين تصرح إحدى الضحايا بأنها تحرم من حق الولوج للعمل بسبب سيرتها التي لطخها جرم بوعشرين بمداد أسود لم يترك لآدميتها اعتبار؟. عبارات اكتفاء الحكومة بالصمت طبعت رأي الفريق العامل، ليجعلنا نخلص إلى أنكم كحكومة التجأتم للرد السلبي الذي استحضر مصلحة بوعشرين، دون مصلحة الضحايا التي فرطتم فيها بالعصف بسمعة القضاء المغربي وجعل الأمر هينا في اتهامه باعتقال متهم اعتقالا تعسفيا رغم علمكم أنه اعتقال احتياطي مباشر من قبل السلطة القضائية، ولكم في تفسير ذلك نصوص من دستور ومواد من قانون المسطرة الجنائية. سيدي الوزير، ألم يكن أمر كشف أكاذيب المصدر يسيرا وهو يفتري على قانون المسطرة الجنائية بالقول إن مدة الحراسة النظرية بالمغرب هي 24 ساعة تمدد إلى 24 ساعة أخرى؟ وتركتم الرأي المذكور يقول في فقرته 63 ما يلي: "ويدعي المصدر، أساسا، أن الاحتجاز لدى الشرطة في المغرب لا يجوز أن يتجاوز 48 ساعة (24 ساعة في الأصل، مع إمكانية تمديد هذه المدة بمدة مساوية)، لكنه استغرق 72 ساعة في القضية موضوع النظر...". كيف قبلتم مثل هذه المغالطات وأنتم أدرى وأعلم بمضمون المادتين 66 و80 من قانون المسطرة الجنائية، وبأن المدة الأصلية للحراسة النظرية هي 48 ساعة، تمدد إلى 24 ساعة كما هو الحاصل بملف توفيق بوعشرين. بهذا فقط كان يسهل عليكم كشف الأكاذيب وإبعاد ثقة الفريق في المصدر. وكيف تركتم للمصدر حق وصف المحاكمة بكونها غير عادلة، بناء على خرق العلنية، وأنتم لكم في الجواب نص ومنطق، فبين النص القائل بحق المحكمة في إصدار مقرر لجعل الجلسة سرية متى كانت العلنية تشكل خطورة على الأمن أو على الأخلاق..(المادة 302 من ق م ج) (ونص المادة 6 من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والمنشور بالجريدة الرسمية).. وبين المنطق القائل إننا مجتمع محافظ زادنا علمكم في التدين تحفظا أنه لا يجوز عرض أجساد النساء عارية على عموم الناس، بل وحتى جسد المتهم، الذي له حرمته كذلك؟. تركتم للرأي حق الاعتماد على ادعاءات المصدر الواهية، وتركتم للفريق العامل حق الاحتكام لمنطق اجتهاداته في الإثبات لما غابت حجتكم في الدفاع عن السلطة القضائية، لأن في الدفاع عنها دفاع عن مصلحة الضحايا اللائي أرهقهن الاعتداء على حقوقهن، وتغييب سبل انتصافهن، وقد تأكد ذلك بعدم التواصل معهن أو مع دفاعن، وأجبتم الفريق في مدة خمسة أيام (من 28 /9/2018 إلى 03/10/2018) وأنتم تملكون حق الرد في أجل 60 يوما كفترة لإجراء التحريات اللازمة قبل تزويد الفريق بالمعلومات، بل ولكم حق طلب مهلة زمنية أخرى طبقا لأساليب عمل الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي المنشورة بموقع الأممالمتحدة (انظر المادة 15 و16). شكرا لكم سيدي الوزير، شكرا هي عبارة أنطق بها نيابة عن الضحايا اللائي وضعتموهن في هامش اهتماماتكم الحقوقية، بل وحتى في هامش إيديولوجياتكم المحافظة، شكرا لأنكم تخوضون معركة ضد الحقيقة في هذا الملف، وشكرا لكم حين ذكرتم الحاضرين للندوة بأهمية الآليات الأممية، وأسقطتم منها الكثير الذي كرس لحماية النساء عموما وضحايا الجريمة خصوصا، وضحايا الاتجار بالبشر بشكل أخص. *محامية بهيئة دفاع ضحايا بوعشرين