لا يتعلق الأمر هنا بمسائلة المجهودات التي تقوم بها المصالح الوقائية والأمنية، فمجال هذه المسائلة مكفول للمؤسسات المعنية ومنها مؤسسة البرلمان بمجلسيه والذي، للأسف الشديد، ما زال في عطلة طويلة وطويلة جدا، في الوقت الذي كان عليه أن يسرع بمباشرة مهامه الرقابية والتقييمية، طبقا لما حدد له دستور 2011 من صلاحيات جديدة وغير مسبوقة، لتدارس ما يقع في شمال البلاد وفي مناطق أخرى، في وقت يستعد فيه المغرب لاحتضان المؤتمر الدولي للمصادقة على الميثاق العالمي من أجل هجرات آمنة ومنظمة ومنتظمة يومي 10 و 11 دجنبر 2018 بمراكش.. لا يتعلق الأمر هنا أيضا بمسائلة المجتمع المدني، فهو رغم محدودية مؤهلاته يقوم بعمل لا بأس به في مجال ضمان إعمال مقاربة إنسانية لقضايا الهجرة وحكامة الهجرات مبنية على مرجعيات حقوق الإنسان الضامنة للكرامة.. كما لا يتعلق الأمر هنا بمسائلة دور الإعلام بمختلف مكوناته في إبراز أسباب وتداعيات أخطر ظاهرة تواجه العالم في الآونة الأخيرة ألا وهي ظاهرة الهجرة.. الأمر يتعلق بما يلي: ما هو موقف حكومتنا الموقرة مما يقع حاليا من تداعيات موجات متتالية ومتعاظمة من الهجرات أغلبها موجه من قبل مافيات عابرة للأوطان وللقارات ومتحالفة مع مافيات الاتجار في المخدرات والسلاح والأعضاء البشرية وباتت تنسج ارتباطات مع التنظيمات الإرهابية والحركات الانفصالية خاصة بمنطقة الساحل والصحراء..؟ الحكومة المغربية، وعلى بعد أشهر معدودة عن المؤتمر الأممي بمراكش، يبدو أنها لا تعطي الأهمية المناسبة لتداعيات الهجرة السرية والاتجار بالبشر التي تنخر منطقة شمال البلاد في هذه الأثناء ولا تعير أدنى إهتمام لمعانات عائلات ضحايا الاتجار في البشر والهجرة السرية.. لقد تحولت الشواطئ الشمالية للمملكة في الآونة الأخيرة لما يشبه مقبرة جماعية تدفن فيها جثت عشرات اليافعين والشباب الذين ضاقت بهم سبل العيش الكريم واختاروا الاختيار الأفضع : أن يغامروا بحياتهم من أجل الهروب من أوضاع إجتماعية سماتها الأساسية هي الفقر والبطالة والتطرف والتهميش… ما يقع الآن في شمال البلاد فضيع وفضيع للغاية، بشهادة من عاش ولازال يعيش فاجعة أسرية بكل المقاييس.. شابين يافعين: أشرف ونبيل سلمي، حفيداي، وهما أخوين مفقودين منذ ليلة 8 و 9 غشت الماضي بعد رحلة هجرة سرية في مكان ما بشاطئ الريفيين بمدينة الفنيدق يفترض أن الزورق المهترئ الذي كان يقلهما إلى جانب مهاجرين سريين آخرين في إتجاه فردوس مفقود قد انقلب على مشارف أوروبا التي تستعد اليوم لتسليم السلطة لليمين المتطرف قصد إستقبال هؤلاء المهاجرين بالرشاشات.. اليمين المتطرف بأوروبا إكتسح إيطاليا والنمسا، ومن المفترض أن يكون قد اكتسح اليوم الإنتخابات في السويد.. فماذا أعدت حكومتنا الموقرة لمجابهة كل هذه التحديات الخطيرة..؟ أكاد أجزم أن لا شيء أعدته هذه الحكومة العجيبة والغريبة التي تعمل جاهدة لتأكيد أن لا سلطة لديها على أي شيء … نحن نتجه، بكل تأكيد، صوب كارثة حقيقية.. * من عائلات ضحايا شبكات الاتجار في البشر