بعد أن حققت كرواتيا انتصارات صعبة في ثلاث مباريات متتالية إقصائية مباشرة من كأس العالم، تواجه يوم غد الاحد في المباراة النهائية ، تحديا صعبا ضد منتخب فرنسي شاب ،من أجل الدخول الى تاريخ الساحرة من بابه الواسع. وبعد أن تميز الكرواتيون باستماتتهم في كسب المباريات في الأوقات الإضافية مختومة بالانتصارات الصعبة و ترقب النتيجة الى آخر لحظة في كل مرة، أضافوا الى سيرتهم الخاصة انجازا من خلال تقديم أفضل ما لديهم بعد سنة 1998، وفرضوا الاحترام كمنتخب لا يتنازل عن الانتصار. وكرواتيا، التي لم تنهزم خلال دور المجموعات و أثبتت قوة جماعية خارقة ومثيرة للانتباه قبل أن تستخرج من دوافنها قوة ذاتية لتخلص نفسها من جميع الصعوبات، التي واجهتها قبل التأهل الى مباراة النهاية، أثبت أنها تعرف كيف تتخطى المعاناة قبل أن تعيش الفرح والابتهاج ونشوة الانتصار . ويمكن للدانمارك وروسيا وإنجلترا أن تشهد على ذلك ،بعد أن كانا ضحايا هذا المنتخب الذي له قدرة خارقة على مواجهة الصعاب وتحقيق الفوز من خلال لعب جماعي وإرادة وعزيمة جيل جديد من الكرواتيين الاستثنائيين ، ولاعبين على أعلى المستويات الأوروبية لا تنقصهم التجربة الفردية ولا الثقة، وهي مكتسبات تم تحويلها إلى قيمة مضافة في خدمة الجماعة. والأهم في معادلة المواجهة المرتقبة ،التي سيحتضنها ملعب لوجنيكي ، هي معرفة الحالة البدنية للوكا مودريتش ورفاقه ،خاصة وأن الجهود التي بذلوها لم تكن يسيرة ، مع استحضار أن إيفان بيريسيتش قد أصيب في الفخذ ومن غير المؤكد أن يشارك زملاءه في مباراة النهاية وهو نفس حال الظهير الأيسر ايفان سترينك ، الذي يعاني بدوره من إصابة. وعلى الجانب الآخر، استفاد اللاعبون الفرنسيون من يوم إضافي من الراحة ،بعد أن أجروا مقابلة نصف النهائي يوم الثلاثاء فيما أجرى خصمهم في النهاية مقابلته الحاسمة يوم الأربعاء . وأثبتت دورة روسيا ، إذا كان هناك من يحتاج الى التأكيد ، أن قيمة اللعب الجماعي كانت مهمة وحاسمة وهو ما بينه بجلاء لعب "تيركولور" (منتخب فرنسا) و"فاتريني" (المنتخب الكرواتي) ، فقد تحولت مجموعة اللاعبين من فرديات متميزة إلى كتلة جماعية بارعة الأداء ،و "المونديال لا يحترم المواهب الفردية ، بل فقط الفرق بصورتها الجماعية " ، كما أبرز روبرتو مارتينيز ، المدرب الإسباني للمنتخب البلجيكي. وسواء في حالة الدفاع أو في حالة الهجوم ، أظهر الفرنسيون تألقا متميزا ولم يعرفوا الهزيمة إلا في دقائق معدودة لا تتعدى 9 دقائق فقط منذ بداية المونديال وحتى دور الربع وذلك أمام الأرجنتين قبل أن يعادلوا الكفة من طرف اللاعب بافارد في (57 د) بتسجيله واحد من أحسن أهداف البطولة. وأوضح مدافع المنتخب الفرنسي رافائيل فاران ،بعد انتهاء مباراة دور نصف النهائي ، أن منتخب بلاده "متكون من الشباب ولكن لديه العزيمة والثبات والتميز في بلورة استراتيجيات اللعب بنجاح ،وانجاز خطط لعب مختلفة تمزج التحكم في الدفاع مع شن هجمات سريعة وايضا تمريرات بين اللاعبين في مساحات ضيقة وصغيرة" ،مبرزا أن منتخب الديكة لديه "قدرة كبيرة على الجمع بين مختلف طرق اللعب ". وامتلاك الكرة ليست أولوية بالنسبة لمدرب المنتخب الفرنسي ديديي ديشان، فهو يفضل الهجمات المضادة السريعة، كاستراتيجية أثبتت نجاعتها ونجاحها مثل قطار فائق السرعة الفرنسي، وقد قام اللاعب المتألق كيليان مبابي باندفاعات هجومية باهرة وبسرعة الريح وترك وراءه الكثر من لاعبي دفاع الخصوم، بل أكثر من ذلك أن بعض زملائه في الفريق كانوا غير قادرين على مجاراته واللحاق به في بعض الأحيان، واستقبال الكرات العرضية التي يمررها بعلو كعب. وعرفت تشكيلة المنتخب الفرنسي مفاجآت برزت خصوصا في طريقة لعب واندفاع الظهيرين بينجامين بافارد ولوكاس هيرنانديز، وكلاهما في ربيعهما 22، واللذين سرعان ما فرضا حضورهما ضمن مجموعة الديكة وبرزا بشكل ملفت وشكلا قطعا أساسية من الأسلحة الهجومية، كما أن زميليهما أنطوان غريزمان وخصوصا أوليفيه جيرو ،الذي مازال عداده في نقطة الصفر في جدول الأهداف، ساهما في الأدوار الدفاعية وكانت لهما قيمة مضافة. وفيما ستكون مباراة يوم غد الأحد بالنسبة لعناصر المنتخب الفرنسي مناسبة لتكرار ما أنجزه أسلافهم قبل عشرين عاما، فإنها ستكون بالنسبة لعناصر المنتخب الكرواتي مباراة ثأرية ورد الاعتبار لهزيمة منتخب بلادهم أما الفرنسيين في نصف نهاية مونديال 1998 الذين تمكونوا آنذاك من التأهل للنهاية التي حازوا خلالها على الكأس الذهبية. وسينال شرف حمل الكأس الذهبية إما عميد وحارس مرمى المنتخب الفرنسي هوغو لوريس، للسير على خطى جيل مدربه ديديي ديشان، أو اللاعب المتألق لوكا مودريتش، كأول كرواتي يعانق الكأس ويرفعه عاليا لأول مرة في تاريخ بلاده. وخلال هذه المواجهة، التي تعد بالكثير بين منتخبين تميزا معا بلعبهما الجماعي، قد تكون الكرات الثابتة وسيلة لكسب النتيجة من إحدى الفريقين وأحد الأسلحة الفتاكة والقاتلة بالمفهوم الكروي ،وكيف لا وقد عرفت نهائيات كاس العالم الجارية بروسيا تسجيل العديد من الأهداف بهذه الطريقة ،فقد سجل 68 هدفا في 62 مباراة من الكرات الثابتة ،وهو رقم قياسي جديد تخطى رقم مونديال فرنسا 62 هدفا، رغم أن المنتخب الكرواتي لم يستغل هذا النوع من الكرات ما فيه الكفاية ولم يسجل إلا أربعة أهداف منذ بداية كأس العالم.