في هذا الحوار يتحدث عمر الشرقاوي الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم السياسية، عن "سقوط" شعبية حزب العدالة والتنمية وأسباب ذلك، وأيضا عن كون سبب تراجع "البيجيدي" هو حملة المقاطعة التي بدت فيها الحكومة التي يسيرها متذبذبة من حيث الموقف منها؟، أم أن التراجع هو مسألة طبيعية بعد تخلي الحزب عن قيادة "الزعيم" الشعبوي عبد الإله بنكيران، كما يوضح الشرقاوي ما إن كان هذا التراجع سيؤدي على أداء الحزب في الانتخابات المقبلة؟ يبدو أن حزب العدالة والتنمية دخل في سيرورة السقوط شعبيا، مع الأحداث المتسارعة التي عرفها الحقل السياسي في الأسابيع القليلة الماضية مع حملة المقاطعة، لماذا في رأيك دخل الحزب بكل هذه السرعة في مسلسل التراجع ؟ في الحقيقة لا أدري سبب كل هذه الإستماتة من قبل وزراء "البيجيدي " في الدفاع عن شركات خاصة تملك كل المؤهلات للدفاع عن نفسها بأساليب السوق والماركوتينغ وليس بعصا التهديد بالقانون أو السخرية. المؤكد أن وزراء البيجيدي يحاولون إبعاد شبهة تورط حزبهم في المقاطعة ولو بطريق بهلوانية تؤدي إلى عكس مراميها وتزيد من تأكيد فرضية التوظيف السياسي للمقاطعة من طرف حزب العدالة والتنمية. طبعا هذه الخفة في تدبير الأزمة كانت على حساب شرعية وشعبية البيجيدي الذي نجح في تبديد الكثير من رأسماله السياسي في زمن قياسي مقارنة مع معارضات سابقة وصلت لسدة التدبير الحكومي كما حدث مع الاتحاد الاشتراكي الذي نجح في مقاومة السقوط النهائي خلال ثلاث حكومات. وهناك وهم كبير يحاول أن يربط بين إخراج بنكيران وتدهور شعبية البيجيدي، صحيح ان بنكيران ليس كغيره من إخوانه وأنه كان ظاهرة سياسية، فكما ساهم في صعود نجم حزبه فبالقدر نفسه ساهم في بداية أفوله بسبب نتائج خياراته السياسية التي اتخذها أو دفع إلى اتخاذها. لن ينسى المغاربة لبنكيران جرأته على مكتسبات الطبقة المتوسطة والفقيرة في التقاعد ورفض الزيادة في الأجور، وفي المقابل تسامحه أمام الأغنياء ولو باستعمال لغة الاشارات والرموز فقد نجح بنكيران في تمرير قرارات لم تكن الدولة والحكومات تجرؤ على القيام بها، لتجد سياسيا يملك شعبية ظرفية وحزبا منتخبا للقيام بالكثير بدون عناء أو تكلفة كبيرة. ومع ذلك، ألا يرجع تراجع الجزب فعلا إلى تخلي الحزب على شخصية بنكيران "الزعيم" الشعبوي، الذي يتواصل مع الشعب والذي يمكنه أن يبرر بالخطاب "الشعبوي" مجموعة من القرارات اللاشعبية؟ لست متفقا لأن تدهور الحالة الصحية للبيجيدي مرده إلى النتائج السلبية لوصفة الإصلاح الشعبوية التي قدمتها حكومة بنكيران. اليوم حكومة العثماني تؤدي ضريبة التداعيات غير المرغوب فيها للقرارات التي سوقت على أنها شعبية قبل أن تظهر أنها اتخذت بموافقة جزء من الشعب للإضرار بكل الشعب. ما نعيشه اليوم من حملة مقاطعة وجشع رجال الأعمال هو بدون شك نتيجة شيك بياض الذي وضعته الحكومة السابقة في أيدي رجال الأعمال وامرتهم بملئه بالمبلغ الذي يشاؤون ويسحبونه متى شاؤوا من أرصدة وجيوب الضعفاء. لقد ظهر جليا أن عدد من الاصلاحات التي ربحت بها حكومة بنكيران معركة الانتخابات لا تعدو أن تكون وهما تحول إلى كابوس يقض مضاجع الفقراء وأن تلك البشائر الإصلاحية قادت فقط إلى إغناء الأغنياء وبمزيد من إفقار الفقراء. هل في رأيك سيؤثر هذا التراجع، الذي ظهر على الأقل، على مستوى مسيرة نصرة فلسطين التي دعا لها "البيجيدي"، على الانتخابات المقبلة؟ بدون شك سيسجل تراجع العدالة والتنمية خلال الانتخابات المقبلة، بوادر ذلك ظهرت خلال الانتخابات الجزئية الأخيرة حيث تعرض الحزب الإسلامي لعقاب انتخابي صارم ويبدو أن هاته الرياح التي تواجه سفينة البيجيدي ستبقى مستمرة إلى غاية الانتخابات المقبلة. قد ينجح الحزب في تصدر المشهد ويحتل المرتبة الأولى نظرا لانضباط زبنائه والاستقرار النسبي لقاعدة منتخبيه بالإضافة اتساع رقعة العزوف وغياب بدائل سياسية مغرية لكن المؤكد انه لن ينال مثل المقاعد التي حصل عليها خلال الاستحقاقين الآخيرين وسيعود إلى حجمه الطبيعي الذي كان عليه خلال انتخابات 2007.