تلاشت وشائج الامل ، تبخرت في السماء احلام جميلة كعصافير ملونة ، تبدلت احوالنا كثيرا ولم نعد نحن _ هذا الضمير الجمعي _ الذي كان يوحدنا الى غاية الامس القريب .. كل شيء فقد رونقه ولونه الاصلي ، هكذا صرنا او صيرنا طريقا بلا بوصلة وسفينة تمخر عباب البحر من غير منارة … من المحزن ان تصبح قلقا بدون سبب ومن المخزي كثيرا ان تحس بالضياع وانت وسط جيش عرمرم من الناس .. الكتابة لم تعد ماتعة كما كانت من قبل ، والقراءة اصبحت مرهقة غير مسلية والحب هذا الرباط المقدس صار مجرد خطايا ، تمثلات ، وتراتيل مقززة . نحن في حاجة الى غسيل جديد ، الى سفر طويل الى هناك ، ربما الى جزر بعيدة منسية لم يطأها انسي او جني الى الان … نحن احوج ما يكون الى ان ننأى بانفسنا عن انفسنا ان نبتعد عنا ، ان نفر من جلودنا وان نهرب من ذواتنا وان نجرب العيش باساليب اخرى … في هذا الوقت بالذات الافضل ان تعيش في ديجور متهالك او في سرداب عميق كما فعل حي بن يقظان ذات ليل بهيم ، الافضل ان تعيش كما عاش الكلبيون ذات عهد ، كما جرب ديوجين حياة المشردين والعيش في سطل للقمامة .. في هذا الزمن بالذات الذي كثر فيه النعيق والنباح وتعالت في اجوازه اصوات شبيهة باصوات البوم والطيور السوداء ، وماتت الحميمية على رصيف بارد ، وتصدر المشهد العابثون ومروجو الضحالة ، الاروع ان تكون اميا جاهلا غير مستوعب للاشياء والشخوص والعالم ، هو بعبارة ادق ان تكون حمارا لقيطا منقطا بالابيض والرمادي …