قفز سعد من فراشه بهلع شديد من صوت منبه ساعة "الدجاجة" الذي انطلقت رناته الحادة والمزعجة وكأنه صوت إعلان حالة الطوارئ، نظر إلى الوقت، اعتاد على السرعة في كل شيء، ارتدي ملابس المدرسة على عجل وكأنه إطفائي في حالة تأهب، ارتشف رشفة سريعة من قهوة الصباح التي أحرقت لسانه، وضع الفنجان جانباً بتأفف وخرج مسرعاً وهو يحمل حقيبة المدرسة على ظهره، صاحت والدته إلى أين أنت ذاهب يا سعد؟ لازال الوقت مبكراً تناول فطورك على مهل، لم ينتبه سعد لما قالته والدته وخرج غير آبه وبدأ بالجري كعادته في اتجاه المدرسة، كان الوقت مبكراً كما قالت والدته، ولكنه اعتاد الجري دائماً، تابع جريه السريع، وصل إلى باب المدرسة، تذكر أنه آخر يوم للتخرج… توقف للحظات سلام على زملائه ثم تابع الجري، وصل لمكان عمله الذي قضى فيه سنين عمره… كان ينتظر الموظف ليعد له ملف تقاعده، غادر مكان عمله وهو يمشي ببطيء شديد، لقد تقدم به العمر وما عاد بمقدوره الجري كما في السابق، وصل إلى بيته وبدأ يصعد الدرج الذي أتعب قدميه طوال سبعين عاماً، حاول الجري على الدرج كعادته ولكنه لم يفلح، اتكأ على فراشه متعباً محاولاً استرجاع أنفاسه المتقطعة، نظر حوله فوجد أبناءه محيطين به والحزن يعتصر فؤاده، تذكر أنهم أبناؤه، لكنه لم يتذكر أنه لعب معهم في طفولتهم وبذل الجهد في تربيتهم في شبابهم وأسدى لهم النصح في كهولتهم، كانت حياته كلها جري مستمر، كان دائم الجري وراء سراب خادع، يؤجل كل عبادته وطاعته لله وتواصله وعيشه مع أسرته إلى أن يبني لهم مستقبلاً كما يزعم، فلا هو عاش بينهم ولا بنى لهم مستقبلاً كان يتخيله، لم ينل رضى ربه ولا رضى أسرته ولا حتى رضى نفسه عن ذاته، ترك الحياة المتوازنة التي أمره الله تعالى بها وركض خلف أحلام نسجها له الشيطان، وانتهى الركض ولم يصل إلى أي غاية… إياكم أن تركضوا في هذه الحياة خلف الوهم والسراب، العمر بيد الله والرزق بيد الله والمستقبل بيد الله، رضى الله تعالى وطاعته هو المستقبل وهو الحياة وغايتها، اسعوا كما أمركم الله ولا تظنوا أن بوسعكم تحصيل نتائج لم يقدرها الله تعالى لكم.