ان الرابطة التي تربط الأبناء بالآباء هي من اقوى الروابط الإنسانية على الإطلاق، حيث تمتزج فيها الأحاسيس بأواصر الدم و علاقة النسب و البنوة، و الانفاق و البر و الإحسان. آصرة تمتد قبل الميلاد الى ما بعد الموت. و لاهمية هذه العلاقة اهتمت الشرائع السماوية و الفلسفات الأرضية و القوانين الوضعية بها لتأطيرها و تنظيم الآثر المترتبة عنها. و تختلف درجة العناية بهذه العلاقة تبعا للمعتقدات السائدة و الأعراف المتحكمة، إما سموا او انحطاطا. و قد وقف الإسلام موقف واضحا تجاه رابطة الأبوة و البنوة و النسب و اهتم بالزواج سبيلا شرعيا لنشوءها، و أحاطه بما يليق، و حدد له اركانا و شروطا لانعقاده، رغم ما عليه من خلاف معتبر بين المذاهب.... المهم هو تقريره لقاعدة (الولد للفراش) الواردة في حديثه صلى الله عليه وسلم، و هو النسب الثابت بالفراش كناية على الزواج الناشئ بعقد صحيح، و ألحق به ما شابهه (الشبهة) ثم ترك الباب مفتوحا للاستلحاق مقيدا اياه بشروط يقبلها العقل و العادة. و حصن هذه الرابطة و لم يقبل فيها ادعاء. و حد لها حد القذف حماية لها من العبث و الخوض في أعراض الناس بغير حق. و جعل النسب و الإرث و الحرمة(حرمة الزواج) من الآثار المترتبة عليه. فبعد حمل في ظلمات ثلاث في بطون الأمهات و ما تتحمل الام من ألم الوضع و المخاض و رضاع و فطام.. و تحمل الوالدين لمسؤولية تربية الأبناء، و تحمل للنفقة على المأكل و المشرب و العلاج و دراسة، و كذا توفير السكنى، و العناية بسائر متطلبات الحياة... و حرم على الوالدين قتل ابنائهم لأي سبب من الأسباب بما في ذلك الإجهاض، قال تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ" كما يتكلف الوالدان بالسعي و الكد و الاجتهاد في سبيل رغد حياة الأبناء و لو على حساب شقائهم و التضحية بالغالي و النفيس لبناء حاضر لهم و ضمان مستقبلهم. - فهل يستطيع الابناء رد الجميل ،او جزء يسير منه، لوالديهم؟ لقد حث الشرع الحكيم على وجوب بر الوالدين وقرنه بتوحيده و خص ذلك بكبرها لانهما فيه الى ضعف، و نهى عن اهانتهما و لو بمجرد التأفف، قال تعالى في سورة الإسراء: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما23. و هي قمة تكريم رابطة الأبوة و لهذه الآصرة الجامعة بين الأباء و الأبناء على الإطلاق و التي تتجلى في ارحم صورة و اجل عبارة. و ان لهذه الآية تبصرة لاولي الألباب لاكرام والديهم. و الأكيد أن هذا لن يجد له في ايداعهم دور العجزة سبيلا، لما فيه من اخراج و طرح من دفئ العائلة، و اقصاء من حضن و كنف الأسرة، و هو ما يزكي الشعور بالتخلي و الإقصاء و الحرامان من بيت كانا سببا لوجوده، و من بعد عمر قضوه في خدمة و رعاية الأبناء. قال تعالى في سورة الرحمن: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" 60. و للابناء التماس كل الأسباب التي تجعل الوالدين سعداء قريري العين بخلفهم و فخورين بذريتهم. روى البخاري في كتابه المفرد في الأدب مختصر فقال حدثنا ابن أبي إياس حدثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن ابنه أن ابن عمر كان يطوف بالبيت فرأى رجلا يمانيا يطوف وهو حاملا أمه ويقول إني لها بعيرها المذلل إذا ذعرت ركابها لم أذعر ثم قال يا أبن عمر أتراني جزيتها قال لا ولا بزفرة"" هذا الاثر دليل على أن رد الجميل للامهات كما الآباء أمر يتطلب المحاولة رغم صعوبته.و قد تكفي فيه لرسم الإبتسامة على وجههما و ادخال السعادة لقلبيهما كلمة طيبة، او قول لين، او زيارة في وقت معلوم، او هدية بمناسبة، او قضاء دين، او عون على نوائب الدهر... من غير تكلف لان سيمتهما القناعة. و تحتفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم بأحد سبل قضاء ما على المرء تجاه والديه، و هو سبيل اخراجهما من ذل العبودية الى نور الحرية كما اخرجاه من ظلمات العدم الى نور الوجود.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَجزي ولدٌ والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).