ليس الإكتئاب هو ذلك المرض المعروف، أو ذلك النوع الذي تمر به المرأة بعد الولادة، ولا ذلك الذي يصاب به الناس في فصل الشتاء بسبب قلة الأمطار، هو ذلك الإكتئاب السياسي الذي يصل لحد فقدان الأمل بأي تغيير إيجابي للواقع البائس الذي وصل بنا إلى مرحلة الإستيئاس، الكل أصبح يعرف تمام المعرفة أن هذا الواقع لن يتغير بالأمنيات ما لم يترافق نضج الفكر السياسي والتشمير على السواعد… لكن سواعدنا اليوم مكبلة أو مشغولة بالتحسس على الجيوب، أما نضج الفكر السياسي فقد غاب في السنوات الأخيرة مع غياب قيادات منظّرة ومفكرة سياسياً وتنظيمياً قادرة على إنتاج وإخراج فكر سياسي جديد متطور يضاف إلى الإرث القديم وغياب عنصر الثقافة في الصف الأول من قيادات الأحزاب، حيث كانت في الماضي المكاتب السياسية واللجان المركزية للأحزاب تعج بمختلف التيارات والأفكار السياسية، أما اليوم فلا نرى إلا أصحاب المصالح والتجار وركّاب أمواج الأحداث، فهؤلاء أصبحوا عناوين هذه المرحلة مما ترتب عليه انهيار الديمقراطية مع انهيار الفكر السياسي والتنظيمي وحتى الأخلاقي… لا يمكن الحديث عن الديمقراطية ما دامت وسائل الإعلام وصناعة الرأي يملكها ويؤثر فيها أصحاب المال والسلطان، غالبية من يفوزوا في الإنتخابات ليسوا الأكثر وطنية ونزاهة، بل الأكثر دعماً من قبل أصحاب المال والإعلام والقوى الخفية، فعندما يسجن المطالبون بالإصلاح والشرفاء ومعلمو الناس الخير ويضيق عليهم، فتوقع أن تنطلق الوحوش البشرية من عقالها وتفعل الأفاعيل، حب المال حقيقة إنسانية وواقع بشري، لكن يبدو أنه فاق عند البعض كل التقديرات وتعدى كل الحدود.