يستمد فن “الحلقة” الشعبي بالمغرب تسميته من طريقة تجسيده في دائرة بشرية عفوية تشكل جمهورا يحف مقدم عرض فني يختبر مواهبه وطاقاته الفنية والاستعراضية مباشرة في فضاء عمومي. حكاؤون ومروضو ثعابين وقردة، موسيقيون ومغنون شعبيون ومحترفو التداوي بالأعشاب، فئات متنوعة توارثت جرأة طلب الرزق واستعراض المواهب في الساحات العمومية وفضاءات الأحياء الشعبية بالمدن وفي الأسواق الأسبوعية بالقرى. هي واحدة من الظواهر الثقافية التي تسم الثقافة المغربية التقليدية، لكن في ظل معطيات جديدة وتحولات جذرية في أنماط الاستهلاك الثقافي الجماعي، ينافح هذا الشكل التعبيري الفطري من أجل البقاء، ولو في مساحات ضيقة تفقد شيئا فشيئا شغف الأجيال الجديدة من المغاربة. إلى جانب فضاءات قليلة، مازالت ساحة جامع الفنا الشهيرة بمراكش، التي اعتمدتها اليونسكو تراثا إنسانيا مشتركا، المهد الحيوي الذي يحتضن رواد فن الحلقة وظلت الحلقة لعقود طويلة عنوان انتماء جماعي لذاكرة مشتركة تقاسمها أجيال من المغاربة، بل وحاولت نخبة من الطليعة المثقفة، أن تستلهم تجربتها وآلياتها في إبداعات مسرحية تتوخى بعث الحياة في شكل فرجوي خصب لا يخلو من عناصر التعبير المسرحي والتفاعل الوجداني والعقلي والتجربة الإنسانية الثرية والإبداعية الفطرية. كان للحلقة نجومها في المغرب، أسماء تجوب ربوع البلاد طولا وعرضا لتجديد الصلة بجماهير حاشدة ألفت إبداعاتها في فنون القول والحركة، وباتت تترقب قدومها مبشرة بالجديد، حكايات من صلب الأسطورة، أو بهلوانيات فريدة أو قدرات سحرية مدهشة. إلى جانب فضاءات قليلة، مازالت ساحة جامع الفنا الشهيرة بمراكش، التي اعتمدتها اليونسكو تراثا إنسانيا مشتركا، المهد الحيوي الذي يحتضن رواد فن الحلقة، الذين يخطبون ود زوار المدينة الحمراء، من داخل المغرب وخارجه، بحكايات عجائبية من التراث الشفاهي المحلي والعربي، أو حركات بهلوانية يؤديها شباب لم يدخل يوما معهدا رياضيا، إلا من إرث حركي تقليدي تختص به بعض القبائل. وفي الساحة الشهيرة يختص آخرون بترويض الأفاعي السامة معتدّين ببركات ولي صالح أو سلف غابر، فيما يروح البعض يطلق العنان لحنجرة لفظتها أصول الغناء داخل الفضاءات الراقية، أو كمنجة متقادمة تعزف مقاطع شعبية من تراث الفنون العربية والأمازيغية. صمود فن الحلقة يبقى معلقا على مبادرات مؤسساتية قوية تنكب على الأوضاع الاجتماعية لرواد هذا الفن وتأهيلهم وتنظيم وضعهم المهني “مبادرات ليست بالقليلة تلك التي سعت إلى الحفاظ على هذا التراث الشفهي المتنوع الذي تدوسه أذواق الجيل الجديد وإيقاعات الزمن الطاحنة، تمثلت في العمل على تنظيم رجال المهنة داخل ساحة جامع الفنا الشهيرة، وتسليط الضوء على أصول وأسرار هذه الممارسة في أطر أكاديمية. وفي هذا الإطار نظمت مسابقات لفن الحلقة على التلفزيون من أجل تشجيع الرواد وتقريب فنونهم من الأجيال الجديدة، لكن على الأرض، تعكس معنويات الممارسين إحباطا يشرف على اليأس من الاستمرار في مهنة تحتضر، لا تدر إلا دريهمات يجود بها المتفرج الواقف، طوعا لا كرها، أمام تغير أنماط العيش واستحالة إعالة أسر وقفا على سخاء المارين. وأمام هذا الوضع، يعتقد الغيورون على جزء ثمين من الذاكرة الشعبية الثقافية في المغرب أن صمود فن الحلقة يبقى معلقا على مبادرات مؤسساتية قوية تنكب على الأوضاع الاجتماعية لرواد هذا الفن وتأهيلهم وتنظيم وضعهم المهني كمقدمي خدمات فنية وتمكينهم من فضاءات ملائمة للتواصل مع الجمهور وإدماجهم ضمن مشاريع التنمية الثقافية والسياحية وصيانة الذاكرة اللامادية للأمة.