قرات ان العقول ثلاثة : عقول كبيرة تناقش الافكار ، عقول متوسطة تناقش الاحداث، وعقول صغيرة تناقش الاشخاص . تبعا لذلك، فان الامة لا بد ان تكبر بنسبة اعلى في عقولها، مع اهمية تواجد عقول متوسطة تحول الافكار الى احداث . حاورت نفسي في هذا الامر ، فوجدت ان حاجتنا ملحة لتضييق الدائرة الثالثة ، ورايت ان ذلك ليس طموحا لمن يمسك بالخيوط المحركة . اعرف جيدا ان هذا الكلام مشاع بين الجميع، شعبنا سيد العارفين ، لكن ، لماذا نقبع في الدرك الاسفل من مقياس التنمية بما اننا كذلك ؟ ازمة مجتمعنا ، ليست ازمة معلومة نتملكها ، ولا ازمة فكر نوجه به مساراتنا ، بل ازمة طريقة تفكير… ولذلك فنحن نحتاج قبل كل شيء ان نتعلم كيف نفكر . ولا ارى لسياستنا التعليمية اذا ارادت ان تقلع بالمنظومة التربوية الا ان تعلم ” كيفية التفكير “. ذلك ان التفكير مسؤول ابدا عن حياة او موت العقل ، عقل يراد له ان ينمو ليكبر ، او يراد له ان يبقى صغيرا. في صغره ضمان لاستمرار الاشخاص في التحكم بصناعة القرار . ان تكبر العقول سبيل للتوحد والتقارب ودمقرطة بلورة واتخاذ القرار . وهذا لعمري موطن داء الامم السائرة في طريق “النمو”. من صفات هذه الامم ، تناقض في سياسات دولها ، وسلوكات افرادها وجماعاتها . وهل التناقض الا سلوكا ارادت الحضارة ان يسكن ذواتنا وان نطبع معه ؟ فليس عيبا اليوم ان يكون الفرد كما الجماعة متناقضا او متناقضة في ذواتيهما في قانون اللعبة ، جبلت النفس على الجدل ، بل إن تطبيع التناقض عند النفس البشرية جعلها تجد تبريرات تناقضاتها بكل العفوية المطلوبة في بساطة السوي المنسجم الصادق مع نفسه وذاته ، ومع الجماعة المحيطة . لذلك نعيش اليوم توترا ظهرت اعراضه المتعفنة في الجماعات التي تظن انها محتوية للافراد وحامية لهم . فلا غرو ان يتم تدجين الازمنة وتدجين التاريخ والحضارة ، فيطال التناقض زوايا الرؤى والتناول ، ويتم انتاج ثقافة تتنصل من تاريخها ، بل من ذاتها ونفسها ، وتفرز كائنات تسبح في دورة الزمان ، تتمرد على ملكوت الخلق ، فتحدث انفجار القيم والقناعات ، وتجهض كل نمو فطري طبيعي ، وتشكل بذلك الاحساس لدى الافراد كما الجماعات ، وفق بصمة عالمية ضاربة في العمق . هل نعي باننا نعيش ازمة تناقض ؟ ان الازمة الحقيقية التي تعيشها الامة اليوم ليس ازمة كينونة او ازمة وجود ، بقدر ما هي ازمة فكر … بالتالي ازمة قضية ، حتى لا اقول ازمة عقيدة . معضلة اجيالنا معضلة فكر وفقر لمهارة التفكير ، ولذلك فان البعد القيمي المرتبط بوجود الفرد يضمحل امام سرابية التفكير وشتاته . وتبقى انسجة المرجعيات الفكرية والايديولوجية سيدة زمانها ، تحاول ان تهيمن على كل الطيف باحتواء استئصالي ، في وقت ارتفعت الحاجة الى التكامل من اجل بعد وحدوي كلي . احمد بوستة ، حوار الداخل ، اكتوبر