منذ اندلاع الأزمة الخليجية الراهنة، كان واضحاً أن إفشال مشاريع المونديال كان أحد الأهداف الخفية للحصار المضروب على قطر من قبل جيرانها لمدة شهر، ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تكثر الأقاويل والإشاعات ومعها تساؤلات الشارع الرياضي، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بمشاريع كبرى تتعلق برؤية دولة لمستقبلها من خلال تنظيم حدث بحجم كأس العالم. وإذا كان من المتاح للجميع أن يدركوا تأثير الحصار، خصوصاً في جانبه الاجتماعي والاقتصادي، فإن مشاريع كأس العالم تظل بعيدة عن عيون المتابع العادي باستثناء الخبراء والمختصين والمشرفين المباشرين على سير الإنشاءات في مختلف مواقع العمل. لذلك كان من الضروري زيارة غانم الكواري المدير التنفيذي للمنشآت الرياضية باللجنة العليا للمشاِريعِ والإرث لنقل تساؤلات الشارع الرياضي وإرضاء الفضول الصحفي من جهة وطمأنة الجميع، بعيداً عن الإثارة المفتعلة المجانبة لحقيقة الوضع الميداني من جهة أخرى. بداية نود أن نعرف كيف يسير العمل في المشاريع حالياً؟ – تم ترسية معظم ملاعب كأس العالم على مقاولين، والعمل يسير بصورة طيبة بدون تغيير.. أعلنا عن مشاريع البطولة وافتتحنا ملعب خليفة وفي 2018 سنحتفل بافتتاح ملعب البيت في الخور.. المشاريع تسير وفق للخطة المرسومة بصورة جيدة، ولا يوجد أي تغيير أو تأخير في الملاعب والعمل جار بالطريقة المعتادة. هل تأثر أي مشروع من المشاريع بالأزمة الأخيرة؟ – الخطط كانت محكمة قبل الأزمة وفق برنامج عمل دقيق، فنحن نتحدث هنا عن مشاريع استراتيجية تهم الدولة بالدرجة الأولى.. مشاريع ملاعب المباريات والتدريبات توليها الدولة كل الاهتمام، لذلك أثناء إعداد العقود المطلوبة للتوقيع عليها مع المقاولين الرئيسيين، وضعنا خططاً في حالة وجود أي أزمة دبلوماسية كانت أو اقتصادية أو كوارث طبيعية أو غيرها، وذلك بوضع الخطط البديلة، وما قمنا به هذه الأيام فقط هو تفعيل الخطط البديلة التي وضعت مسبقاً في العقود، وكل مقاول رئيسي لديه خطة بديلة.. مثلاً فيما يخض المواد الأولية التي نحتاجها للبناء عليه يتعين على المقاول تجهيز البديل بالاتفاق المسبق، وهي عبارة عن مواصفات معينة يتفق عليها مع المقاول، مثل أعمال الخرسانة أو الحديد أو الأعمال المدنية، والأمر يتعلق كذلك بالمواد المكملة لتجهيز الملاعب مثل المواد الكهربائية والتبريد كلها موجودة ومصادرها متنوعة، فقد وصلنا مرحلة وجدنا كثيراً من المواد من مصادر ثانية ذات جودة أعلى بأسعار مناسبة وأقل.. وهذا من واقع احتكاكي بالمقاولين وبحكم عملي في اللجنة. ما هو عدد الشركات التي تتعامل مع الدول التي فرضت الحصار؟ – بعد الأزمة أعدنا النظر في كل المنتجات التي تأتي من هذه الدولة ووجدنا أنها قليلة جداً، ونحن نتحدث عن مواد موجودة في الأسواق العالمية. على الجميع معرفة ما هي المواد التي نأتي بها وهل هي أشياء فريدة ونادرة أو موجودة في قطر والعالم كله، الواقع أننا لم نكن نجلب من هذه الدول مواد نادرة أو لا تصنع إلا في دول الحصار، بل مواد أولية و مواد مكملة مثل التي تستخدم في أعمال الجبص، فالمواد العازلة كنا نحضرها من السعودية والسؤال: ألا توجد مواد عازلة في قطر أو عمان أو روسيا أو غيرها؟.. ولو كنا نجلبها من السعودية بسعر الآن نستطيع الذهاب إلى دول أخرى واقتنائها بأسعار أقل بكثير وبجودة أعلى، نتيجة لمعرفة هذه الدول أن قطر منفتحة على الاستيراد، وهذا هو ما حدث في ملعب الريان، فبعد ترسية العقود كانت هناك اثنتان من الدول المحاصرة تورد لنا المواد المستخدمة في بناء سقف الملعب والغطاء الجانبي الخارجي للملعب نفسه، فطبقنا الخطة البديلة وقمنا بترسية الأعمال على مقاولين بجودة عالية والآن كل الأعمال تسير في ملعب الريان بطريقة جيدة. هذا يعني أنكم كنتم تمنحون دول الجوار الأولوية ولو على حساب الجودة والأسعار؟ -كان هدفنا كدولة خليجية مشاركة أشقاءنا الخليجيين لتكون لهم بصمة في بناء ملاعب المونديال وباقي البنية التحتية، فقد كنا نأخذ منهم هذه المواد كشركاء حتى تكون لهم بصمة، ولكن هذا لا يعني أنهم المصدر الوحيد لجلب هذه المواد، فالمواد موجودة في دول كثيرة تتمنى المشاركة في الإعداد لهذا الحدث، لأن مشاركتهم كمقاولين في تشييد أي ملعب يعتبر مفخرة يضاف إلى سجلهم المهني ويرفع أسهمهم في السوق، هم مستفيدون أكثر لأننا نأخذ المواد منهم لضمان مشاركتهم في ملاعب البطولة واكتساب الخبرة، لكننا وصلنا لقناعة بأن المواد التي كنا نستوردها ليست اختراعات نادرة وفريدة من نوعها فهي مواد متوفرة وبجودة عالية في العالم بأسره. هل هناك شركات خليجية انسحبت بعد الأزمة؟ – كانت المبادرة منا نحن حينما اتخذنا القرار نتيجة الحصار الغاشم على دولة قطر، فهم فرضوا حصاراً لا يخضع لمنطق، فلماذا أشاركك وأنت المستفيد.. هناك توجيهات عليا للمشاريع والإرث بإيقاف التعامل مع هذه الشركات، وبعد الجرد تبين أن هذه الشركات تعمل في المشاريع بالباطن وأنهاء كافة العلاقات بالباطن واستبدلوا بشركات من دول صديقة وشقيقة. لا يوجد أي مقاول رئيس من دول الحصار، لأننا اشترطنا في ترسية العقود أن يكون المقاول الرئيسي الذي نوقع معه قطرياً مع شريك أجنبي، ولا يوجد شريك من دول الحصار. وكل الموجودين كانوا مقاولين بالباطن في حين أن المواد يستوردها المقاول الرئيسي من هذه الدولة أو تلك. فسخ العقود يطرح السؤال بخصوص الشروط الجزائية؟ – نفتخر أن لدينا إدارة للعقود في اللجنة وضعت في عين الاعتبار حقوق اللجنة العليا للمشاريع والإرث وحافظت عليها بالتنسيق مع المحامين، حيث وضعنا بنوداً تحمي اللجنة، ليصيح لدولة قطر الحق في إنهاء العقد لأي منشأة خاصة بكاس العالم دون أي شروط أو التزامات على اللجنة. وإن فكر أحد المقاولين في اللجوء للقضاء سيصطدم ببنود تحمي حق الدولة. قطر يجب أن تنهي هذه الأعمال في توقيتها المحدد، لأنها مشاريع استراتيجية وتحرير العقود منحنا الأريحية للتحرك لأننا وضعنا خططاً بديلة. كيف تصل هذه المواد الأولية إلى قطر؟ – ما أعرفه أن أغلب المواد التي كانت تصل من السعودية غذائية، ونحن لا نحتاج إلى مواد غذائية للتجهيز لكأس العالم، وكل المواد التي كنا نستخدمها كانت موجودة في قطر وفي دول كثيرة عبر العالم ولم تكن مواد ذات أهمية لكي تؤثر على سير العمل. ما هي هذه المواد بالتحديد؟ – على سبيل المثال: الرمال والإسمنت، ومواد الصباغة والمكملات والحديد، وهي كلها موجودة في الدوحة بكميات كبيرة، كنا ننتظر افتتاح ميناء حمد البحري، وعندما افتتح زرناه لمعرفة المواد التي سنجلبها عن طريق البحر، مثل الإسمنت والحجر الجيري (GABROU) وهذه المادة الأخيرة كنا نجلبها من الإمارات، لكنها ليست الدولة الوحيدة التي تتوفر فيها، فالمصدر الثاني هو عمان، ولو تعذر هناك مصدر ثالث هو إيران، وهما بلدان قريبان من قطر. اتخذنا خطوات جادة وتعاقدنا مع ميناء عمان وعندما اندلعت الأزمة لم نتوقف.. فالبيتومين (BITUMEN) مثلاً متوفر في قطر وإذا طرأ مشكل فهو موجود في إيران والعراق. الخطط موضوعة للطوارئ من قبل وعند اندلاع الأزمة الأخيرة لم نبحث عن حلول، بل فعلنا فقط الخطط البديلة، فنحن مقدمون على أعمال كبيرة واستراتيجية، لذلك ليس من الذكاء الاقتصادي الاعتماد على مصدر واحد. فهذا غباء.. لأننا نتحدث عن 8 ملاعب وما يزيد عن 40 ملعب للتدريب، إضافة للبنية التحتية الخاصة بأشغال والريل، ولا يمكن أن نعتمد على مصدر واحد. لدينا سوق مفتوح وبدائل حتى في حالة عدم وجود أزمة، لذلك فالمقاولون الأساسيون في كل ملعب لديهم استراتيجية للعمل في حال حدوث أي مشكلة. كم عدد العمال الحاليين في ملاعب المونديال؟ – في الخور لدينا 3500 عامل يشتغلون بنظام التناوب، وعندما رفعنا إيقاع العمل في ملعب خليفة بلغ العدد 4000 عامل، ويعمل في ملعب الوكرة حالياً 2000 عامل، وفي المجموع لدينا في الوقت الراهن ما يناهز 8000 عامل بنظام المناوبة على مدار الساعة. طبعا كل ذلك بالتواصل مع الشركاء؟ – تنسيقنا كامل و بنسبة 100% بواسطة لجان بين الإرث وقطر ريل وأشغال، ونحن نتعاون معهم حتى في اختيار المقاولين والمواد بناء على خبرتهم و درايتهم في مجالات معينة. فجميع المشاريع هي مشاريع دولة. هذا يجرنا للحديث عن المناقصات والمشاريع المتبقية: – قبل العيد طرحنا مناقصة بخصوص ملاعب التدريب، وقمنا بترسية المقاول الرئيس أثناء الحصار، ولم نكن نفكر في أمور أخرى، وبالأمس فتحنا العروض الخاصة بالملعب الرابع وهو ملعب رأس أبوعبود لتحديد المقاول الرئيس. يروج أن دول الحصار خيرت الشركات الأجنبية بينها وبين الاستمرار في مشاريع المونديال. – لا أدري شيئاً عن الموضوع، لكننا مرتبطون بعقود مع المقاولين الذين وصلوا مراحل متقدمة ولا أعتقد أن أي مقاول وصل هذه المرحلة سيترك المشروع بسبب الابتزاز، لأن مشاريع المونديال تمنح سمعة لهذه الشركات، بالعكس حتى المقاولون الحاليون في حال طرحنا أية مناقصة جديدة لكأس العالم يدخلون فيها كمنافسين، وأعتقد لو كان لديهم أي اعتراض لما دخلوا في المناقصة. مستقبلاً كيف سيكون التعامل مع هذه الدول؟ – أرسيت مشاريع كأس العالم والأشغال تمضي بوتيرة عادية لتجهيز المطلوب من ملاعب وبنية تحتية، لذلك فنحن نجهز للاحتفال فقط. هل من المتوقع أن يكون للأزمة تأثير مستقبلاً؟ – لا يوجد ما يقلقنا أو يمنعنا من الاحتفال. ميناء حمد يستوعب طاقة كبيرة من المواد الأولية التي تحتاجها الدولة لعمل بنية تحتية لكأس العالم، والأهم أنه يحافظ على هذه المواد بالتخزين الجيد، والتسليم السريع للمواد، وكيفية وصولها إلى المواقع وسلاسة الإجراءات. فهو يوفر علينا الكثير مقارنة بالنقل البري. هل هناك مواد وصلت فعلاً من دول بديلة؟ – حصلنا على مواد بديلة للغطاء الجانبي والسقف لملعب الريان من عمان، وهناك شركة هولندية بإمكانها توريد البقية فعمان قريبة والمواد تصل بسهولة من مينائي صحار وصلالة. الأزمة أكسبتنا خبرة وفتحت لنا أبواباً وجعلتنا نطبق الخطط التي وضعناها وأثبتت نجاحها، والتجربة خير برهان.. حيث تمت مواصلة العمل، وأكثر ما تعلمناه هو أن وضع الخطط البديلة والبنود في العقود أفادتنا كثيراً، وأعتبره أهم درس مستفاد. تعلمنا ألا نعتمد على مصدر واحد حتى لو تعلق الأمر بالأصدقاء، يتوجب توزيع الأعمال. صرنا اليوم الأقوى. لا يوجد ما يعرقل مشاريع المونديال ومن يراهن على ذلك فهو خاسر بنسبة مليون في المائة، والمجال مفتوح لمشاهدة ما يحصل في الملاعب وفي مساكن العمال التي تتوفر على جميع متطلبات الراحة والرفاهية للعاملين في مختلف مواقع المشاريع. المجال مفتوح للجميع لزيارة مواقع العمل والتأكد من سير الأشغال كما هو مخطط لها. نحن نحترم جميع العمال ونحترم ثقافاتهم ودياناتهم وخصوصياتهم، لأننا نؤمن بالاختلاف وتعدد الثقافات، فمثلاً المسيحيون يمكنهم أداء شعائرهم الدينية في الكنيسة دون مشاكل أو عراقيل، وقد لمست انبهاراً من بعض الصحفيين الأجانب الذين زاروا مواقع العمال واطلعوا عن قرب عن ظروف اشتغالهم وعيشهم. احتفلنا بافتتاح ملعب هذه السنة خليفة ونجهز بعده للاحتفال بملعب البيت في مدنية الخور ثم ملعب الوكرة وملعب المدينة التعليمية وهكذا. كل الأمور تسير كما خطط لها بصورة طبيعية، ومن يريد أن يشاهد فليذهب ليرى حجم العمل والمراحل المتقدمة التي وصلنا إليها. الكواري.. خبرة السنوات في خدمة المونديال لم يكن اعتباطياً اختيار المهندس غانم الكواري، المدير التنفيذي للمنشآت الرياضية باللجنة العليا للمشاِريعِ والإرث للحديث عن مشاريع المونديال التي تروج الإشاعات بشأن تأثرها بالحصار، فالرجل يملك تجربة كبيرة راكمها على امتداد سنوات في مجال الملاعب والمنشآت الرياضية وتصاميم البناء والصيانة وإدارات التشغيل. عندما التحق غانم الكواري باللجنة العليا للمشاريع والإرث فقد جاء محملاً بإرث كاف من الخبرة راكمها على امتداد السنوات التي اشتغل فيها في اتحاد الكرة أو اللجنة الأولمبية، إلى درجة خولت له رئاسة لجنة المهندسين الخليجين الخاصة بكأس الخليج قبل سنوات. الكواري كان يرد على مختلف الأسئلة بابتسامة عريضة تعكس بجلاء وثوقه من نفسه والمعلومات التي يقدمها لمحاوريه لطمأنة الرأي العام على مشاريع المونديال، ضارباً موعداً للجميع للاحتفال بانطلاق كأس العالم بعد خمس سنوات وقبل ذلك الاحتفاء بافتتاح كل ملعب على حدة.