تشكل الانتخابات، بالإضافة إلى كونها دعامة صلدةدعامات الصرح الديمقراطي مسارا حقيقيا من مسارات تكريس البنيان السياسي لأية دولة من الدول، مع مايرتبط بذلك من تفاعل مع مختلف المكونات المجتمعية وانصهار رهاناتها المستقبلية وتطلعاتها الإستشرافية. ومن ثم، تبلور محطة الانتخابات كفعل تواصلي متميز يؤكد المغزى الحقيقي لها، باعتبارها سياسة تتسم بمدخلات ومخرجات وتغذية إرجاعية، تتماهى فيها تدخلات فاعلين مختلفين من دولة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ومواطنين –مكونات وعناصر الحكامة- وتمثل الحملة الانتخابية القناة الفضلى لتجسيد هذا الفعل التواصلي / التفاعلي- وفق علاقة ترابطية ناخب / مرشح- حيث تتوطد فيها كل أشكال التواصل : التقليدي/ الحديث، الضمني/ الصريح، العنيف / السلس، العقلي/ العاطفي … كما تتبلور عبرها كل تمظهراته: اللقاءات المباشرة، استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، استخدام الوسائل السمعية البصرية، توزيع المنشورات والبرامج الانتخابية والجرائد والمطويات، التجمعات والمهرجانات والمواكب والمسيرات الخطابية، الندوات الصحفية، المناظرات والإعلان الانتخابي… ويمثل هذا الأخير، إحدى أهم تجسيدات لمبادئ الحكامة الانتخابية من مساواة وتكافؤ الفرص والفعالية والكفاية والحياد والنزاهة والشفافية. على هذا الأساس،حرص المشرع المغربي، في أفق استحقاق السابع من أكتوبر، على التأطير القانوني المستمر لهذا التمظهر البارز للتواصل الانتخابي إبان فترة الحملة الانتخابية، من خلال عدة مقتضيات تشريعية وتنظيمية، ومنها ما يمكن أن نستخلصه من الظهير الشريف رقم 1 .11.165 الصادر في 14 اكتوبر2011 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، وكذا من خلال ماوضحه مرسوم رئيس الحكومة رقم 2.16.669 الصادر في 10 غشت2016 والمتعلق بتحديد الأماكن الخاصة بتعليق الإعلانات الانتخابية بمناسبة الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب ( والذي نسخ أحكام المرسوم رقم 2 .11.606 الصادر في 19 اكتوبر2011) . إن هذا التأطير القانوني كثيرا ما ترصد عدة حالات لخرقه، وهوما يمكن الوقوف عليه في كل مناسبة انتخابية، خاصة خلال فترات الحملة الانتخابية. تعتبر الحملة الانتخابية، تلك المرحلة التي يخول فيها القانون للمتنافسين في الإستحقاقات الانتخابية –مرشحين وأحزاب سياسية- العمل على إقناع الناخبين بالتصويت لصالحهم . وبالتالي، هي تلك الفترة التي يمكن فيها للمرشحين العمل على الظفر بأصوات الناخبين، من خلال التوسل باستعمال وسائل الدعاية المسموح بها قانونا، والتي تكمن أبعادها الوظائفية في إقناع الناخب من أجل إستمالة رأيه، عبر تحفيزه "النفسي" على الإدلاء بصوته لصالح المرشح- أو الحزب- الأكثر إقناعا، فكرا وبرنامجا وتصورا والأكثر إغراءا لنوايا تصويت الناخبين. وتتبلور عبر ذلك الدعاية الانتخابية، كجملة الأنشطة التواصلية/ الإتصالية المباشرة أو الغير المباشرة – الإخبارية /الإقناعية أساسا – التي يمارسها مرشح أو حزب خلال مرحلة انتخابية معينة، وتتوخى في نهاية المطاف تحقيق الفوز بالانتخابات عن طريق الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الكتلة الناخبة. وبحكم هذا البعد التواصلي/ الإتصالي ،سنجد أن المشرع المغربي في الفقرة الأخيرة من المادة31 من قانون27.11،ينص على أنه : " تطبق على الدعاية الانتخابية أحكام التشريع الجاري به العمل في شأن الصحافة والنشر". هذا من جهة، من جهة أخرى تجعل مختلف التشريعات الانتخابية فترة الدعاية الانتخابية التي تسبق عمليات الاقتراع محدودة زمنيا، بغية تقنين وضبط الفعل الانتخابي : " تبتدئ الفترة المخصصة للحملة الانتخابية في الساعة الأولى من اليوم الثالث عشر الذي يسبق تاريخ الاقتراع وتنتهي في الساعة الثانية عشرة ليلا من اليوم السابق للاقتراع" (الفقرة الأولى من المادة31 من قانون27.11) . ومن شأن هذا التحديد للمدة أن يوفر المزيد من الضمانات القانونية الضرورية للعملية الانتخابية، وأن يجعلها في منأى عن كل خرق قد يمس من نزاهتها أو مصداقيتها. في نفس السياق، يأتي – وتكريسا لمبدأ المساواة بين المرشحين وتفاديا لأشكال الفوضى- إلحاح المشرع على التأطير القانوني للإعلانات الانتخابية، خاصة الجانب المرتبط بتحديد الأماكن المخصصة بتعليقها، حيث تنص المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 27.11 :" تقوم السلطة الإدارية المحلية في كل جماعة أو مقاطعة خلال اليوم الرابع عشر السابق لليوم المحدد لإجراء الاقتراع بتعيين أماكن خاصة تعلق بها الإعلانات الانتخابية وتخصص في كل من هذه الأماكن مساحات متساوية للوائح أو للمترشحين. يحدد عدد الأماكن الواجب تخصيصها في كل جماعة أو مقاطعة بمرسوم يتخذ باقتراح من وزير الداخلية". هنا، سنجد مرسوم رئيس الحكومة رقم 2.16.669 الصادر في 10 غشت2016 والمتعلق بتحديد الأماكن الخاصة بتعليق الإعلانات الانتخابية بمناسبة الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب والذي يؤكد في المادة الخامسة منه على أنه : " تتولى لجنة إقليمية يرأسها العامل أو ممثله، وتضم ممثلي الأحزاب السياسية، تحديد الشوارع التي سيتم تعليق الإعلانات الانتخابية على أعمدة الإنارة العمومية المتواجدة بها، وذلك بناء على إقتراح يتقدم به العامل أو ممثله. تضع اللجنة المذكورة بإقتراح من العامل أو ممثله معايير استعمال هذه الأعمدة وكيفية تعليق الإعلانات دون إلحاق أضرار بها. تتولى السلطة الإدارية المحلية على كل مستوى كل جماعة أو مقاطعة توزيع هذه الأعمدة بين لوائح الترشيح أو المترشحين عن طريق القرعة". كما أن المادة السادسة من نفس المرسوم، تنص على أنه : " تحدد اللجنة الإقليمية المشار إليها في المادة الخامسةأعلاه، باقتراح من العامل أو ممثله الأماكن المرخص بها تعليق الإعلانات الانتخابية وفق البند 4 من المادة الأولى من هذا المرسوم . تقوم السلطة الإدارية المحلية بتوزيع هذه الأماكن بين لوائح الترشيح أو المترشحين عن طريق القرعة، أخذا بعين الإعتبار مساحة هذه الأماكن " كما أن نفس المرسوم، هو الذي يعمل على تحديد الجوانب الكمية والكيفية والقياسية والتيمية لهذه الإعلانات. فالمادة 33 من القانون التنظيمي الآنفالذكر تنص على ما يلي : " يحدد عدد الإعلانات الانتخابية التي يجوز وضعها في الأماكن المشار اليها في المادة 32 أعلاه وحجمها ومضمونها بمرسوم يتخذ باقتراح من وزير الداخلية. يحظر تعليق إعلانات انتخابية خارج الأماكن المعينة لذلك ولو كانت في شكل ملصقات مدموغة" . هكذا عمل المرسوم على تحديد الإعلانات الانتخابية وأماكن تعليقها. فالمادة الثالثة منه، ترى أنه :" يمكن اعداد الإعلانات الانتخابية في شكل لوحات من الورق المقوى أو غيره من المواد أو في شكل ملصقات أو لافتات . يجب أن لا يتعدى حجم الإعلانات الانتخابية أو الملصقات 84 .1 على.9 118 سنتيمترا (حجم A0) لاتعلق اللافتات المتعلقة بالإعلانات الانتخابية إلا في الأماكن التالية : -مقر فرع الحزب السياسي الذي منح التزكية للائحة الترشيح أو للمترشح(ة) – الأماكن المعدة في كل دائرة انتخابية من لدن وكلاء لوائح الترشيح أو المترشحين كمقرات لحملتهم الانتخابية. ويتحدد عدد هذه الأماكن في كل جماعة أو مقاطعة في أربعة (4) أماكن، مع زيادة مكانين إثنين عن كل 15.000 نسمة بالنسبة للجماعات التي يوجد بها أكثر من 10.000 نسمة، على ألا يتعدى مجموع عدد هذه الأماكن في كل جماعة أو مقاطعة ثلاثين (30) مكانا ." كما عمل المرسوم على تحديد المتضمنات التي ينبغي توافرها في الإعلانات الانتخابية، فالمادة الرابعة، تنص على مايلي : "تتضمن الإعلانات الانتخابية، التي يجوز لوكلاء لوائح الترشيح أو المترشحين تعليقها البيانات التالية، كلا أو بعضا : – البيانات التي تعرف بالمترشحين أو ببرامجهم الانتخابية أو إنجازاتهم أو برامج الأحزاب السياسية التي ينتسبون إليها – صورة المترشحين – الرمز الانتخابي – شعار الحملة الانتخابية – الإخبار بانعقاد الاجتماعات الانتخابية ". إنه، ولإضفاء المزيد من الضمانات على التأطير القانوني المرتبط بتعليق الإعلانات ولتكريس الحس الرقابي، وبالتالي تمتين أسس حكامة الفعل الانتخابي، كان لزوما تبني ترسانة من العقوبات الزجرية، عن كل مخالفة أو خرق، قد يمسا مسارات الإعلانات الانتخابية، واللذان غالبا ما تبرزهما الممارسة العملية المتواترة . هكذا، سيعمل المشرع، تعزيزا لحقوق المرشحين المتنافسين وضمان المساواة بينهم، على تعداد المخالفات المرتكبة في هذا الشأن مع تحديد العقوبات المقررة لها. في هذا السياق، سنجد أن المادة 35 من القانون التنظيمي 27.11، تؤكد على أنه : " لا يجوز أن تتضمن الإعلانات غير الرسمية التي يكون لها غرض أو طابع انتخابي، وكذا برامج المترشحين ومنشوراتهم اللونين الأحمر أو الأخضر أو الجمع بينها". ولتوضح المادة 41 العقوبة المقررة عن الإخلال بهذا المقتضى : " يعاقب على مخالفة أحكام المادة35 من القانون التنظيمي بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهما، إذا صدرت المخالفة من أحد المترشحين، وبغرامة قدرها 50.000 درهم، إذا صدرت المخالفة من صاحب المطبعة". كما نص القانون التنظيمي في المادة 39 ، على أنه " يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم، كل شخص قام بنفسه أو بواسطة غيره في يوم الاقتراع، بتوزيع إعلانات أو منشورات انتخابية أو غير ذلك من الوثائق الانتخابية. يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم، كل موظف عمومي أو مأمور من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية، قام أثناء مزاولة عمله بتوزيع برامج المترشحين أو منشوراتهم أو غير ذلك من وثائقهم الانتخابية ". وتجدر الإشارة إلى أنه في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة، والمتعلقة بتوزيع الإعلان الانتخابي يوم الاقتراع، نجد أن من الممارسات المستجدة على هذا الصعيد، اللجوء إلى ما يمكن تسميته بالتوزيع الإلكتروني للإعلان الانتخابي، عبر التوسل المكثف بالتقنيات الحديثة للتواصل، مما يطرح إشكالية قانونية مستجدة، على المشرع مستقبلا التفكير على وضع آليات لتأطيرها. من جهة أخرى، ودفعا للمترشحين المتنافسين على إحترام المقتضيات المؤطرة لمسألة الإعلانات الانتخابية بكل صرامة، سنجد أن المادة 40 من قانون27.11، تنص على ما يلي : " يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم كل من علق إعلانات انتخابية خارج الأماكن المشار إليها في المادة 32 من هذا القانون التنظيمي أوبمكان يكون مخصصا للائحة أخرى أو مترشح آخر ". وغالبا ما يتم خرق المقتضى المنصوص عليه في المادة32 ،حيث غالبا ما ترصد في هذا الصدد جملة من التجاوزات من قبيل، تعليق الإعلانات الانتخابية في السيارات الخاصة وكذلك في علامات التشوير الطرقي … وهنا، سنجد أن مرسوم 2.16.669 ،والمتعلق بتحديد الأماكن الخاصة بتعليق الإعلانات الانتخابية بمناسبة الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب سيعمل في المادة الأولى على تحديد الأماكن التي يمنع فيها تعليق الاعلانات : " أماكن العبادة وملحقاتها، الأضرحة والزوايا وأسوار المقابر، المباني الحكومية والمرافق العمومية والمؤسسات العمومية ومصالح الجماعات الترابية مع مراعاة البند4 أدناه، الفضاءات الداخلية للجامعات والكليات ومرافقها والمعاهد والمدارس العمومية والمؤسسات العمومية للتكوين المهني والمرافق الاجتماعية والرياضية والثقافية غير الإدارية، المآثر التاريخية والأسوار العتيقة، محطات الربط بشبكات الهاتف النقال، أعمدة التشوير الطرقي،اللوحات الإشهارية التجارية، الأشجار. يمنع تعليق الإعلانات الانتخابية في كل مكان تعرض فيه السلامة العمومية للخطر " . ولتبرز المادة الثانية من المرسوم، الجهة التي تسهر على ضرورة الإلتزام بمقتضيات المنع السالف الذكر وإجراءات تتبعه وكيفيات فرض إحترامه، " في حالة خرق المنع المشار إليه في المادة الأولى أعلاه، تقوم السلطة الإدارية المحلية من تلقاء نفسها أو بناء عل شكاية بتوجيه تنبيه لوكيل (ة) اللائحة أو المترشح (ة) المعني (ة) بجميع الوسائل القانونية من أجل إزالة الإعلان أو الإعلانات المعنية داخل أجل أقصاه أربعة وعشرون ساعة من تاريخ التنبيه أو عند الإقتضاء من تاريخ تقديم الشكاية. في حالة عدم قيام المعني بالأمر بإزالة الإعلان أو الإعلانات المعنية داخل الأجل المشار إليه في الفقرة أعلاه، تقوم السلطة الإدارية المحلية بإزالتها على نفقته . في حالة الإستعجال، تقوم السلطة الإدارية المحلية من تلقاء نفسها وعلى نفقة المعنيين بالأمر، ودون توجيه أي تنبيه إليهم بإزالة الإعلان أو الإعلانات المعنية ". وتفاديا لكلأشكال الفوضى التي قد تسم عملية تعليق الإعلانات، وللضرب بيد من حديد، على كل من سولت له نفسه، العبث بالمقتضيات التنظيمية لهذه العملية، ستعمل كل من المادة 42 من القانون التنظيمي 27.11على التنصيص :" يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم على القيام باعلانات انتخابية للوائح غير مسجلة أو لمترشحين غير مسجلين أو بتوزيع برامجهم أو منشوراتهم. يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم، إذا كان مرتكب المخالفة المشار إليها في الفقرة أعلاه، موظفا عموميا أو مأمورا من مأموري الإدارة أوجماعة ترابية "، وكذا المادة 43 :" يعاقب بغرامة من 10.000 الى 50.000 درهم : – كل مترشح يستعمل أو يسمح باستعمال المساحة المخصصة لإعلاناته الانتخابية بغرض غير التعريف بترشيحه وببرنامجه والدفاع عنهما – كل مترشح يتخلى لغيره عن المساحة المخصصة له لتعليق إعلاناته الانتخابية بها – كل مترشح يضبط في حالة تلبس، وهو يستعمل المساحة غير المخصصة له لتعليق إعلاناته الانتخابية بها، سواء قام بذلك شخصيا أو بواسطة غيره ". الشيء الذي سيساهم لامحالة، وبشكل قوي ، على جعل عملية تعليق الإعلانات الانتخابية – وفق هذه الإواليات القانونية- مؤشرا إيجابيا من مؤشرات التنافس الانتخابي الشريف، الشفاف والنزيه . إن مختلف المقتضيات السابقة الذكر، والتي عمل فيها المشرع على تأطير عملية تعليق الإعلانات الانتخابية، باعتبارها قطب الرحى في الدعاية الانتخابية، ومن منظور أن هذا التأطير القانوني يشكل ضمانة من ضمانات الفعل الانتخابي "المحوكم"، ستظل بلا شك ،مقتضيات "فارغة الروح" ، مادامت الممارسات المرصودة إبان المسارات الانتخابية، خاصة خلال مرحلة الحملة الانتخابية، كثيرا ما تعري عن " وهن" الجانب الرقابي المرتبط بهذا التأطير. وذلك بالرغم من أهمية المقتضيات الزجرية ذات الصلة في هذا الشأن. بقلم ذ محمد البكوري الدكتور في القانون باحث في الحكامة و المجتمع المدني