تعاظمت الشكوى من الإعلام " العمومي" إلى أن أصبحت مؤسسة قائمة الذات. لذلك فكروا في أن يضعوا لها قوانين تؤطرها و تضرب من حولها سياجا من المساطير الشائكة حتى لا تخرج الشكوى عن السيطرة المخزنية التي تسيطر على كل شيء، لذلك تقدمت المحكومة الموقرة بمشروع قانون يتعلق بإعادة تنظيم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ( الهاكا، أو هاكا المناصب الريعية ، هاك وارا ) حتى تتمكن الهيئة العليا من النزول إلى التحت لتستقبل شكايات المواطنين من تجني و احتقار وسائل الإعلام "العمومي" في حق الجمهور، لكن المواطن المغربي البسيط يدرك بأن الشكوى "خاوية" إذا تم توجيهها لمؤسسة وهمية و هي مذلة تنضاف إلى مذلات أخرى لإعلام سلطوي مخدوم لا يرى في مستهلكيه سوى كائنات غير ناضجة و غير راشدة لها الحق كباقي الشعوب الأخرى في إعلام يحترم ذكاء الجمهور عوض التلاعب بالمعلومة و منعها عنهم في غالب الأحيان، و إذا سألت أصحاب الهاكا وارا يقولون لك : هذا عطب خارج عن إرادتنا. لكن الشعب بذكائه الفطري أصبح بفعل القمع الإعلامي ماهرا حرايفيا في البحث عن الحقائق و الأخبار بوسائله الخاصة ووفر لنفسه بدائل للإعلام الرسمي الذي فقد كل مصداقية منذ زمن بعيد. و من سوء حظ قنوات المخزن الإعلامي أو الإعلام المخزني الظالم و المتخلف و صاحب الرأي الوحيد، أن ثورة الاتصالات في العالم هدمت آخر القلاع التي شيدها لتحيط و تحاصر المواطن المغربي من كل جانب و تحوله إلى مخلوق استهلاكي لا رأي له، كما تمنع عنه حرية الاختيار سواء تعلق الأمر بالخبر او بالبرامج السياسية و الثقافية أو الترفيه و كانت النتيجة أن الإعلام المخزني المتحجر دخل فيما يشبه عزلة قاتلة بعد أن فقد "زبائنه" الذين رفضوا و عزفوا عن استهلاك مواده المغشوشة و بضائعه الفاسدة. الجمهور اختار المقاطعة عوض الشكوى، و التحليق بأعينه في فضاءات أخرى بعيدا عن الوصاية و الإملاءات و غسل الدماغ بالإعلام الملوث، و كأنه يردد مع أبي فراس الحمداني : "إذا لم أجد في بلدة ما أريده *** فعندي لأخرى عزمة و ركاب". و قد راهن الكثيرون على أن الشعوب ستكون ضحية العولمة المفترسة، لكن حدث العكس على المستوى الإعلامي على الأقل، حين فقد الاستبداد سيطرته و تحكمه و هيمنته الديكتاتورية المطلقة على الإعلام.