أثبت تقرير الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هاكا) ما كانت المعارضة الاتحادية تنبه من خطورة حصوله في حياتنا الوطنية. فقد ورد في تقرير الهاكا أن الحكومة وأغلبيتها استحوذت على مداخلات الحصص الأربع (أي الحكومة والأغلبية البرلمانية والمعارضة البرلمانية والأحزاب غير الممثلة في البرلمان) إذ بلغت حصتها نسبة 80.68 %في القنوات العمومية، و87.77 % في الإذاعات العمومية، و68.53 % في الإذاعات الخاصة ذات التغطية الوطنية، و82.75 % في الإذاعات الخاصة ذات التغطية المتعددة الجهات. ويتضح من هذا الدليل الساطع أن هم الحكومة هو إغلاق الفضاء العمومي، من بوابة وسائل الإعلام في وجه المخالفين، سواء كانوا معارضة مؤسساتية أو معارضة من خارج البرلمان، وتكريس الصوت المنفرد والفكر الوحيد، كما تؤمن به الحكومة. وقد ضربت الوسائل التواصلية التي هي في ملك الدولة وفي ملك الشعب مبدئيا، مبدأ الإنصاف المفترض دستوريا وأخلاقيا في ما بين الحكومة وأغلبيتها من جهة ، ومعارضيها ، الذين لم تتجاوز حصتهم، كلهم 19 % من جهة أخرى. وبالرغم من وضوح الإطار القانوني للإنصاف ، كما حددته المادة السادسة من قرار المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري 46-06 ، فإن الهيمنة الحكومية عطلت هذا القانون نفسه، وضربت روح الدستور، الذي أفرد للمعارضة دورا مركزيا في البناء المؤسساتي المنبثق من الوثيقة السامية الجديدة، وداست على مبدأ العملية الديموقراطية التي لا تقوم لها قائمة بدون نقاش عمومي، يكون الفصل فيه للرأي العام. وهذا الرأي العام حرمه النزوع الاحتكاري للجهاز التنفيذي وأغلبيته من حقه في المتابعة والإنصات إلى الآراء التي تخترق الساحة السياسية والثقافية ، حتى يتمكن بالفعل من أن يمارس دوره الحيوي في إصدار الأحكام الديموقراطية في الوقت المناسب. لقد قطع المغرب مع الاحتكار السلطوي للإعلام، منذ الفترة الانتقالية مع حكومة التناوب، وكان ذلك القرار بإلغاء الاحتكار من أكبر القرارات استراتيجية في التوجه نحو الديموقراطية، لكن الحكومة تعيد زمن الهيمنة إلى ما قبل الانتقال والتناوب ، لتدخل البلاد في نفق الفكر الوحيد. وتكتسي الهيمنة الحالية كل معناها عندما نربطها، كما هو واقع الحال بتعطيل فضاءات أخرى، تعد مدرسة في التسييس وبناء الثقة بين المواطن والفاعل السياسي، وعلى رأسها مؤسسة التشريع (البرلمان). وبذلك، فإن الحكومة هيمنت على الإعلام، وسعت إلى احتكار الزمن الإعلامي كما هيمنت على التشريع واحتكار الزمن البرلماني، ولا يمكن أن يكون هذا الترابط محكوما بالعفوية أو بالصدفة، بل هو يومئ إلى تفكير الحكومة وإرادتها في غلق الفضاءات التي تتيحها الديموقراطية، للفاعلين السياسيين ولعموم الرأي العام. وهو ما يفرض على القوى الوطنية الحقيقية التوجه إلى فضح الاستحواذية الحكومية وخطابها الاستعلائي، وتفويتها للفضاء العمومي لأغلبيتها ولمسانديها، ضدا على التعددية السياسية التي اختارها المغرب في تشييد نموذجه السياسي والفكري والثقافي.