لا شك فى أن حرية التعبير من أقدس الحريات الإنسانية وأهمها، فهى الضمانة الحقيقية لتجديد دماء المجتمع وتفريغه من طاقات الهدم وتحويلها إلى طاقات بناء، ولا شك أيضا فى أن السخرية من أهم وسائل التعبير عن الرأى، يتساوى فى هذا الأعمال الدرامية الكوميدية، مع البرامج التليفزيونية الساخرة، أو رسومات الكاريكاتير، أعود وأؤكد أن حرية التعبير «حق إنسانى» والسخرية «حق إنسانى» ومن هنا أتساءل: كيف لمن يجرح الآخرين وينتقدهم ويهاجمهم استغلالا ل«حقه الإنسانى» أن يتجرد من كل إنسانية وأن يشمت فى موت طفل اهتزت لرؤية صورته ملايين القلوب؟ الصحيفة التى عانت، مؤخرا، من إرهاب الإرهابيين، وإقصاء العنصريين، وأريقت دماء بعض أفرادها فى صالات التحرير لم تجد حرجا فى أن تنضم إلى جلاديها بأن تناصب مهاجرى سوريا العداء فى كل مكان، وكأنها اتفقت مع داعش على التنكيل بالشعب السورى فى كل مكان، لم يرفع الرصاص الغشاوة عن عينيها، ولم يستفز الإرهاب فيها مشاعر الأخوة الإنسانية، بين نيران داعش التى هرب منها أبناء سوريا إلى الخارج، وبين نيران داعش التى انهالت على الشعب الفرنسى فى الخارج، وفى وسط العمى والكراهية لم يتورع عاملو المجلة عن التهكم على المآسى الإنسانية المؤلمة، والتى كان من أشهرها هذا العام مأساة الطفل إيلان الذى غرق على الشواطئ التركية أثناء محاولة أهله الهرب من جحيم الحرب، فتجرد العاملون فى الجريدة- لاحظ أننى لم أقل الفنانون- من كل المشاعر الإنسانية، وتنكروا للحق الذى يؤسسون عليه عملهم، وسخروا من هذا الطفل البائس، مدعين أنه لو كان حيا لتحرش بالنساء الألمانيات بعد سنوات. هكذا تكشف الضحية التى اهتز لمصابها العالم أجمع عن وجهها العنصرى، لتثبت أن عنصريتها تخطت كل المبادئ الإنسانية التى جلبت تعاطف العالم كله معها اعتمادا عليها، وقد كان أولى بالصحيفة التى ذاقت نيران الكراهية أن تؤسس للحب وأن تعادى العنصرية فى كل مكان وزمان، لكنها للأسف لم تتخذ سبيل الأسوياء، وأثبتت أنها مثل داعش تماما، فى كل شىء، لا تتورع عن القتل، ولا تخفى روح العداء والكراهية، ولا تتردد فى إلصاق التهم على الهوية، ولا تتوانى فى رجم مخالفيها بما ليس فيهم، ولا تقف لحظة لترى نفسها فى المرآة واضعة نفسها محل من تنتقدهم، ليتأكد العالم من أن الأبرياء فى كل زمان ومكان هم ضحية المتطرفين على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم واعتقاداتهم. هنا لا بد أن يقف العالم مرة أخرى ضد هذه الروح الكارهة لكل ما هو إنسانى، تماما مثلما انتفض من أجل دماء فنانى فرنسا المقتولين فى شارل إيبدو، رافعين شعار كلنا «شارل إيبدو» فيجب أيضا أن ينتفض العالم ضد عنصرية شارل إيبدو برفع شعار «كلنا إيلان» وكما سن العالم كله قوانين لتتم محاصرة داعش ماليا وإعلاميا، يجب أيضا أن نسن القوانين التى تحاصر مثل هذه الافتراءات المسمومة التى تبثها صحيفة «شارل إيبدو» فالكراهية واحدة، والعداء واحد، والعنصرية واحدة، والطيبون هم الضحية فى كل حين.