قابيل: على الآباء أن يتعلموا كيف يجعلون أطفالهم فخورين بذواتهم - شاركتم أخيرا بمراكش في اللقاء الثالث لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول قضايا جودة التربية والتعليم وكذلك الصحة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ووقفتم على ما قلتم إنها «نماذج ناجحة» في مجال التعليم، ما هي أهم الخلاصات التي خرجتم بها خلال الزيارة واللقاءات التي أجريتموها؟ في البداية، يجب توضيح نقطة مهمة جدا، وهي أنني أتحدث الآن بصفتي سفيرا للنوايا الحسنة بمنظمة «اليونيسيف» في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فحديثي إلى «المساء» سيكون بناء على وظيفتي، وهي بعيدة عن السياسة، وسأركز على المنحى الإنساني. لقد جئت إلى المغرب وحضرت مع "دو كلوبال فان " في حملة شارك فيها وزراء الصحة بالبلدان العربية، ووزير الصحة الفرنسي، وبعض الدول الأوربية. ونظمت أيضا حملة لتوعية العالم. وللمغرب تجربة رائدة في التعامل مع فيروس «الإيدز» و«الملاريا»، وكانت زيارة سريعة لمدة 24 ساعة، لامست خلالها الوعي الكبير لدى الشعب المغربي. وقد قابلت في الزيارة سيدة من هولندا، تنتمي إلى العائلة الملكية هناك، وروت لي حكاية عجيبة ورائعة وهي أنها رأت جلالة الملك محمد السادس، وزوجته الأميرة للاسلمى يزوران المستشفيات ويتعاملان مع مرضى «الأيدز»، وهذا بالنسبة لي سابقة، ليس في الوطن العربي فحسب، ولكن أيضا بالنسبة لي كإنسان، بالنظر إلى قلة الوعي بهذا الوطن العربي، مما يخلق نوعا من الخوف لدى المرضى. الزيارة الثانية كانت سنة 2008، عندما حضرت إلى المنتدى الإعلامي بالرباط. كان المنتدى حول مشاكل الأطفال وعلاقاتهم بالإعلام، وفاز بعضهم بعدة جوائز، وعرضنا في المنتدى مقاطع من مسلسل كبير اسمه «قمر 14»، من إخراج الدكتورة سوسن الشماع، وموضوعه كيف تتعامل الدراما مع بعض المشاكل التي تخص الطفل. - ما هي أبرز هذه القضايا التي تناولها المسلسل؟ في مصر نحن عندنا مشكل الختان، والمطلوب توضيح كيفية تعاملنا مع المشكل، كذلك تعاملنا مع ظاهرة أطفال الشوارع، والعنف الأسري، وتناولنا كذلك الرفاهية الزائدة، وغياب الرقابة على الأطفال، التي تؤدي بهم إلى الإدمان وتعاطي المخدرات. هذه الزيارة أيضا خلقت لي الإحساس بالطاقة الموجودة بالمغرب. ملاحظة مهمة لمستها خلال هذه الزيارة وهي أنه لديكم في المغرب نوعا من الحرية المقيدة، وقد لمستها من خلال محادثتي مع الصحفيين. وهناك مشاكل شائكة فضلوا ألا يتحدثوا فيها، لكن نحن تعنينا مشاكل الأطفال في شقها الإنساني، ومنهم الأطفال في الصحراء. أنا في الزيارة الثالثة التي قمت بها للمغرب، لا أخفيك أن الاجتماع الذي عقدته مع العديد من المسؤولين بمراكش، والمداخلة التي تفضلتم بها باسم جريدة «المساء» حول قضايا الطفولة بالمغرب، أعطتني الأمل في أنه يوجد هناك ضمير حي، لكننا نحتاج إلى الشجاعة في التوصيل، إننا نحتاج إلى شباب إعلاميين وصحفيين لهم الشجاعة لكي يتكلموا في صالح الشعب والوطن، فمثلا ما مصلحة جريدة «المساء» في الكشف عن العديد من الملفات والظواهر غير مصلحة الوطن، وما مصلحتكم في أن تكشفوا خلال زيارة قمتم بها إلى بعض المدارس وكشفتم عن أوضاع سيئة يدرس فيها التلاميذ والأطفال غير خدمة وطنكم. هذا سبق صحفي بلا شك؟ لكنه قد يأتي لكم بالمشاكل. هذا الأمر موجود في المغرب كما باقي البلدان العربية، وهذا ما يدعني أقول إن أهم سلاح لأي مشكل يخص الطفولة هو الإعلام. دوركم أن توصلوا كل شيء. - ما هو أبرز ما أثار انتباهكم خلال الزيارة التي قمتم بها إلى بعض المدارس بمراكش؟ زرت بعض مدارس مراكش رفقة زملائي في «اليونسيف»، هذه الزيارة قد يكون حضر لها المسؤولون بشكل جيد، لكنهم لا يمكنهم تحضير الابتسامة التي لاحظتها على وجوه الأطفال وهم يتحدثون عن التلوث المناخي، وعن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. إنني أحس أنه على مستوى الوطن العربي نحتاج إلى إعادة تثقيف وتعليم أولياء الأمور والمدرسين كيفية التعامل مع الأطفال من أجل بناء مستقبل الأمة. وأول شيء نحتاج إليه هو «الاحترام»، وهذا هو عنوان تقرير «اليونيسيف» الذي اتخذ المغرب نموذجا. فمدرسة «الاحترام» تشمل حاجات كثيرة، منها أولا، أني يجب علي أن أحترم ابني وهو جنين، أحترمه كروح ونعمة من ربنا، روح لها استقلاليتها، وأحترمه يوم يولد، أعامله كإنسان حقيقي ضعيف يحتاجني، وأنا ملزم بإعطائه كل شيء كأب. الاحترام أن تجعل الطفل في هذا السن يبني احترامه لذاته، فمثلا الحماية الزائدة تضعفه، دعه يجرب ليتعلم ويتحمل نتيجة عمله، حتى يبني عنده الاحترام الذاتي، من اللازم على أولياء الأمور والمدرسين أن يتعلموا اللغة الصامتة للأطفال. فالطفل يتكلم لغة صامتة، كأن يوحي بأن أشياء تأخذ اهتمامك منه، فهو يطلب منك جرعة حب. لو أخذته حتى ولم تنظر إلى عينيه وحضنته وأنت تتعامل مع الأشياء المحيطة بك، فإنه سيصمت. الأطفال لهم لغة صامتة في التحدي، فعندما يقوم الطفل بشيء فيه تحد لابد أن نتعلم كيف نتعامل معه، عندها سيتغير سلوكه. قد يصاب الطفل بالملل فيعبر عن ذلك بطريقة معينة، لا بد من معرفة كيفية التعامل معه. الطفل أيضا عندما يكون في سنته الثانية يقول دائما «لا»، عندما تطلب منه شيئا وينظر إليك، هنا لابد من التعامل مع «لا»، التي تصدر منه. لو أدركنا هذه الأمور واستجبنا لرغبتهم في التعلم فإنهم سيصبحون فخورين بأنفسهم. هناك نظام جديد اسمه "سستيم منيتور" او "ديكوفري سكول" يتم فيه في أول سنة تعليم الطفل كيف ينظف المكان، وليس الكتابة والقراءة. كيف يصبح في كل يوم طفلا مسؤولا عن زملائه في عمل معين. وهذا بغرض تحسيسهم بأن معنى الاحترام الحقيقي يبدأ ببناء الاحترام الذاتي. المدرس والوالدان ملزمون بمعرفة هذا الأمر والتعامل مع الأطفال باحترام. فهناك عائلات تترك أطفالها في حالات متخلفة، وتتكلم معهم بلغة غالبا ما ينزل معها الآباء ليخاطبوا أبناءهم في حركة أشبه بالحمق، لابد من رفع المستوى والتكلم بشكل عادي، بدل الهبوط إلى مستوى أقل. لا تقل له عند قيامه بعمل إنك فخور به، حتى لا يصبح هدفه البحث على القيام بأشياء ترضيك، ولكن قل له إنه لا بد أن يكون فخورا بنفسه، لأنه يقوم بهذا الأمر حتى يحس أنه يعمل شيئا لنفسه. وبهذا تعلمه أن يكون فخورا بين زملائه، بعيدا عن كل ضغط نفسي. حمله المسؤولية، لاتضربه، لكن اجعله يفكر في الأمر وحده، لا يجب أن نبني علاقاتنا مع أطفالنا على الخوف والتهديد، حتى وهم يتصرفون خطأ، لابد من قول ذلك لهم، وتشجيعهم على التفكير في الاتجاه الصحيح. فأكبر عذاب للطفل أن تدعوه إلى التفكير في غرفته فيما قام به، وهكذا سيقلع عن خطئه اقتناعا، وحبا في والديه، وليس خوفا من العقاب، وهذا يحيلنا على دور الحب في الإقناع. هذه النماذج تُدرس وأنا لا آتي بشيء خاص بي. والمغرب له ريادة في كلمة «الاحترام»، وفي بلاد عربية ثانية هناك نماذج ناجحة جدا في مصر والأردن وتونس، في اليمن أيضا نماذج جيدة. في هذا الأخير، اندهشت بنماذج الأطفال الذين حضرت معهم، كان هؤلاء الأطفال في البرلمان يسائلون المسؤولين عن قضاياهم الحقيقية. ففي مؤتمر هناك كنت حاضرا فيه عن حقوق الطفل، لما جئت إلى اليمن أخذني القائم بأعمال «اليونيسيف» هناك مباشرة إلى الإذاعة، وكان هناك رئيس المجلس الأعلى للطفولة والأمومة، إلى جانب بعض الأطفال، وبدؤوا يتحدثون عن حقوق الأطفال، وتواجد معنا أطفال من أعمار الخمس والسبع والتسع والإحدى عشرة سنة، واستمعنا إلى أحدهم من برلمان اليمن، وقال كلاما لا زلت أتذكره إلى الآن، قال بالحرف «إن الاحتفالات في الشوارع، وهذا البرنامج التلفزيوني هل المقصود منه زيارة اليونيسيف ثم بعد مغادرة ممثليها ستزول هذه المظاهر أم ماذا؟ ومن سيدفع أموال هذه الاحتفالات والمدعوين»، فأجابه مدير «اليونيسيف» أن المنظمة هي من يتكفل بسفرائها، فقال بدل أن تدفعوا هذه الأموال في هذه الاحتفالات ادفعوها لإصلاح المدرسة الفلانية، وقالها علنا على التلفزيون، وكان هذا الكلام على الهواء مباشرة، وهذا ما دفعني لأحضر الجلسة الثانية من برلمان الطفل. الأطفال هم المستقبل، وإذا لم نعاملهم بالاحترام الواجب لن نصل إلى أي شيء. - هل الاحترام بالمعنى الذي أعطيتموه، الاحترام البعيد عن منطق العقاب والردع، هل له وجود في المغرب؟ كل بلاد العالم محتاجة للاحترام، لأنه حتى الآن وعلى جميع المستويات، لا يستطيعون معاملة الطفل المعاملة السليمة الصحيحة، لأن هناك فرقا في المستويات، لحد الآن حقوق الطفل غير محترمة في جميع دول العالم، ونحن كعرب، لما نرجع إلى التراث العربي نجد فيه كل شيء. نحن نتعلم ذلك من الكتب السماوية، والقصص الموجودة فيها، والتي تتضمن نماذج رائعة للاحترام. إذن نحن محتاجون جميعا إلى هذه الصفة، حتى يصبح أطفالنا رجال الغد، فهذه قضية قومية والتعامل معها قضية قومية. وهو الأمر الذي يجعل بلدا متقدما أو لا، يعيش رفاهية أو لا يعيشها. لابد أن نعلم أطفالنا معنى الحرية، نعلمهم معنى الديمقراطية، نعلمهم كيف يتصرفون داخل البيت، وهذا ما ألححت عليه في كلمتي بمراكش، عندما قلت في مداخلتي: السلام يبدأ في الأسرة. - على ذكر الأطفال المغاربة المحتجزين بمخيمات تيندوف مع ذويهم، هل لديكم معطيات حول هذا الموضوع؟ وهل وقفتم على أوضاع معاناتهم هناك بالمخيمات؟ أنا سمعت عن هذا الوضع، ولدينا تقارير عن وضعية الأطفال هناك، الوضع لا يرضي أحدا من الناحية الإنسانية، فلدى الأطفال هناك احتياجات كثيرة، وخصاص في حملات التطعيم لابد من إنجازها، إضافة إلى مشاكل في التغذية، ناهيك عن غياب المناخ الآمن بالنسبة للطفل. نود أن تحل هذه المشكلة سلميا، إنما بصفتنا ممثلي «اليونيسيف» فوضع الأطفال هناك يعنينا بشكل كبير. فإحدى الزيارات القادمة ستكون إلى تلك المنطقة. - هل ستنظمون زيارات إلى هناك؟ نعم، سنعد لزيارات، مثلما أعددنا لزيارة العراق، فالأمر مرتبط بالمناخ المناسب لذلك، ونحن رجعنا لتونا من زيارة لموريتانيا، واعتبرناها قصة نجاح لليونيسيف، لأنها تمكنت في سنة 2005 بنجاح أن تتعاون مع سلطات الإمارات العربية المتحدة وتمكنت من منع استخدام الأطفال حتى سن الثامنة عشر في سباقات الهجن. ونحن طبعا لا نهاجم السباق كرياضة شعبية جدا بالبلد، لكن نهاجم استغلال الأطفال الذين يقومون بإحضارهم والذين يبلغ عمرهم خمس سنوات من بلدان فقيرة (موريتانيا، باكستان، بنغلاديش، السودان) عبر التحايل على والديهم، بالقول لهم إننا سنأخذهم لكي نعلمهم في الإمارات، ومن ثمة يعملون في تنظيف الجمال والعيش معها بدون تغذية، حتى يكون وزن الطفل خفيفا على ظهر الجمل في السباق بدون وسائل أمان، وقد يقع الطفل النحيف ويدوسه الجمل في السباق ويموت. «اليونيسيف» استطاعت أن تمنع ما يحدث، وقصة النجاح تتلخص في أننا ونحن في سفر إلى موريتانيا كان من ضمن ملفاتنا أن أطفالا من موريتانيا رحلوا إلى الإمارات. وقد كانت الرحلة تبدأ من موريتانيا، ثم نتجه إلى الإمارات لكي نحضر مؤتمرا خاصا بأناسي، جئنا بأحد الذين استخدموا في هذه العمليات وتتبعناه إلى بيته بعد عودته من الإمارات وهو في الثانية عشر من عمره، بعد أن رحل وسنه خمس سنوات لما أخذوه إلى الدولة الخليجية، واليوم هو متفوق جدا في المدرسة، بعد أن قضى هناك سنوات في رعب، وقد قامت الإمارات العربية المتحدة بتعويض أهله، وأمه اشترت دكانا للبقالة تصرف منه على العائلة والطفل ناجح بامتياز. وما استطعت فعله كإنسان أو كأب هو أن أعتذر له باسم الإنسانية. عن هذه المعاملة الشنيعة له في سن الخامسة. هذه قصة من أعمال اليونيسيف بالمنطقة. بعد موريتانيا اتجهنا إلى الإمارات وشكرنا وزارة الداخلية على هذا المجهود، لأنه لابد أن نعطي لكل ذي حق حقه. وطلبنا منهم أنه في حالة وجود مشاكل خاصة بالطفولة فاليونيسيف موجودة لكي تساعد وتتعاون. - من حين لآخر تظهر حالات الاستغلال الجنسي للأطفال بالمغرب وتحديدا بمدينة مراكش، خصوصا من قبل الأجانب. هل عندكم تقرير في هذا الموضوع؟ لقد اشتركت مع سيدة مصر الأولى السيدة سوزان مبارك في مؤتمر عقد بالبحرين، شاركت مع السيدات الأوليات من جميع بلدان العالم، وتمحور المؤتمر حول التجارة في البشر، ومنهم الأطفال، إنما لم يمر علي مثل هذا الملف بالذات، وسأسأل عنه جيدا، لأنه خطير جدا، وهو بلا شك يعتبر اتجارا في البشر. - تعتبر مراكش مركزا لاستقطاب الأطفال بالنسبة للأجانب وهذا الأمر رصدته بعض التقارير الحقوقية؟ الكل يعلم ما يحصل في العالم ككل، وحتى بالنسبة للفاتيكان، ذات مرة تفجرت في أمريكا حكاية كبرى، فكان الهجوم قويا على الرهبان الذين استغلوا أطفالا يتراوح سنهم ما بين 5 و6 سنوات، وطبعا هذا يسبب إحراجا للفاتيكان وللبابا نفسه، فالظاهرة يجب إيجاد حل لها وحماية أطفالنا في هذا السن. وسنعود للمرة الثانية لنؤكد بأن أهم الأسباب التي تجعلهم ضحية لهذا الأمر هو الفقر والجهل. وبعد ذلك أطلب من ممثلي «اليونيسيف» بالمغرب إن كان لديهم جديد حول الموضوع أن يمدونني به لأطلع عليه.