لوتوقف الزمان بنا يوم سقطت أنظمة الإستبداد العربي تباعا،من تونس الى اليمن، وتصورنا عالمنا العربي بعد أربع سنوات . لقال أقلنا تفاؤلا و أكثرنا موضوعية،أننا سنكون على الأقل قد بدأنا في إرساء قواعد بناء الدولة، وفصل السلطات، وتطبيق القانون، وتولي الإعلام مهمة السهر على مراقبة أداء الحكومات ولا يجرؤ مسؤول ايا كان مقامه،أن يدوس على طرف المواطن العربي،وزمن الإذلال والقهر ولا الى غير رجعة. لكن صدق أو لا تصدق، لم يحدث أي شيئ مما سبق ذكره ، فقد عادت الدولة العميقة في تونس «بالصناديق»وآثر الشعب التونسي باجي قايد السبسي أحد أعمدة النظام السابق ،على منصف المرزوقي الذي قضى حياته في المنفى معارضا للنظام؟ بل وإستاء البعض منه لشدة بساطته وتواضعه ، ورأى البعض الآخر أن في تواضعه ذلك إهانة للدولة التونسية؟ فالرجل له خلفية إشتراكية تجعله ينفر من كل مظاهر البذخ، ولا يرى نفسه إلا مواطنا كبقية المواطنين وإنما بمرتبة رئيس، وتذكرت المرزوقي منذ أيام عندما شاهدت الرئيس الأندونيسي «جوكو ويدودو»على محطة تلفزيونية ،وهو يجول في المدينة بدراجته الهوائية، ويلبس أبسط أنواع الثياب،بل ويأخذ صور السلفي مع أبناء وطنه؟ فهو ابن الشعب ورئيسه ، نشأ في بيت من خشب الخيزران لأب نجار،ويكفيه في نظر شعبه أنه منهم ولا يوجد في تاريخه ملفات فساد. وصدق أو لا تصدق، الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في السجن ؟لأن العسكر إنقلب على الشرعية بحجة الوقوف الى جانب الشعب المصري الذي خرجت فئة منه يوم 30 تموز/يوليو تريد إزاحته عن الحكم !والمخلوع حسني مبارك وإبنيه،وجهاز إستخباراته وكل من ألقي عليهم القبض بتهمة إستعباد الشعب المصري، وسرقته وقتله، هم الآن طلقاء أحرار مبرئين من كل التهم المنسوبة إليهم، وعادت أوضاع مصر أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة. وصدق او لا تصدق، ليبيا دمرت ،ويتقاتل رفقاء السلاح ايام إسقاط القذافي فيما بينهم على غنائم الحرب ،واصبح البترول نقمة على الليبيين، وجلب لهم كل مشتر وبائع، وتكالبت عليهم ضباع الداخل والخارج ليزداد الوطن غرقا، فالإستقرار في الدول العربية له أعداء لا يمكننا حصرهم! وأصبحت مدن ليبيا تقصف بالطائرات الحربية وكأن الصهاينة إستوطنوها! وصدق أو لا تصدق،اليمن السعيد بات تعيسا،حيث إنتقم علي عبدالله صالح لخلعه ووضع يده في يد الشيطان ،وأصبح هناك مايسمى ب»الحوثيين»؟!وهم قلة تريد الحكم ،إلتهمت اليمن شبرا شبرا حتى وصلت صنعاء،بل هي الآن تنصب وتقيل وتؤسس على مزاجها ومقاييس اليد الخفية. وصدق أولا تصدق،لايزال بشار الأسد رئيسا لما تبقى من سوريا، وسوريا شبه مدمرة كليا، ومقسمة بين فصائل عدة، والشعب السوري بين لاجئ ومحاصر ومقتول، ولايزال المجتمع الدولي يندد ويضع الخطوط الحمر التي تحولت بعوامل المصلحة، إلى خطوط خضر حتى بعد قصف الغوطة بالكيماوي، تلعب عليها إيران ومن دار في فلكها لقضاء مصالحها مع الغرب. وصدق أو لا تصدق، الموصل تحت قبضة ما يسمى داعش! فقد أصبحت دولة «داعش» تمتد من العراق الى الشام ، وداعش هذه التي أوجدتها مظاهر التعرية الأخلاقية،مارست ما لم يمارسه هولاكو يوم دخل بغداد، ذبحت أهلها قبل غيرهم ، وسفكت دماء العرب والعجم ، وسبت نساء أهل السنة والجماعة خاصتها، وقطعت الأعناق وأقامت حدودا لم يقمها الفاروق،حرقت الأحياء وأقامت حد السرقة أيام الجوع! وصدق أولا تصدق، أن امريكا بكل قوتها و ترسانتها واقمارها الصناعية ،ووقوف حلفائها الى جانبها، لم تستطع إيقاف تمدد داعش، أو تقوم بعملية نوعية تحد بها من تغول هذه الدولة التي نشأت بين عشية وضحاها واصبح لها مال وإعلام ترهب به اعداءها. وصدق أو لا تصدق، أن الصحافة التي درسونا في الجامعة بأنها مرادف الحقيقة ، وأنها كل ما ينغص على المسؤول عيشته، فهي اداة يراقب بها الشعب مسؤوليه، لم تعد سوى دعاية للأنظمة، تنقل الكذب والإفتراء ، تنوم الشعب وتميع الحقائق ، بل أصبحت سلاحا في يد الظلم ،تشيطن أعداء الحاكم ،وتطلق صفة الملائكة على شياطين الأمس القريب. وصدق أولا تصدق،أن ايران إستولت على الأرض وبقيت لأمريكا السماء،وضاع العرب بين الأرض والسماء،لقلة زادهم وعتادهم الفكري والعسكري والاستراتيجي والأخلاقي. وصدق في الأخير وعليك أن تصدق ،أننا سنظل على حالنا ما لم ننهض من جديد ، ونعلنها ثورة فكرية أخلاقية،تجتث براثن التخلف من جذوره، وتقول للمستبد هنا وهناك قف مكانك،كفى،سنقتلعكم هذه المرة الى غير رجعة.