يستمر ميزان المواجهة العسكرية على أرض الشام مع بداية الشهر العاشر من سنة 2016 في الميل بقوة لصالح الجيش العربي السوري الذي يتمتع منذ 30 سبتمبر 2015 بدعم عسكري روسي مباشر، مركز أساسا في سلاح الطيران وأجهزة الإستطلاع والدفاع الفضائي والجوي، والذي إنضاف إلى المساندة التي تتمتع بها دمشق من جانب حزب الله اللبناني وأطراف أخرى منذ بداية الصراع المسلح في مارس 2011. هذا التحول المتواصل في موازين الصراع الدولي والإقليمي المتعدد الأطراف على أرض الشام، ولد مواجهة متصاعدة بين روسيا وعدد من حلفائها من جانب، والولاياتالمتحدة الأمريكية والأطراف المساندة لها من جانب آخر، حيث تشكل الحرب السورية بالنسبة للبيت الأبيض جزء من مشروع أمريكي أوسع يشمل كل الشرق الأوسط ويهدف إلى إعادة رسم حدود دوله على أسس عرقية ودينية وطائفية، وإستكمال طوق حصار حلف الناتو على موسكو من واجهتها الجنوبية الغربية. التدخل العسكري الروسي وما تمخض عنه من نكسات للقوى المسلحة التي تسعى منذ زهاء ست سنوات لإسقاط سلطات دمشق، أصبح يهدد مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الكبير وبالتالي إلى جزء أساسي من مشروع النظام العالمي الذي يقوم على قاعدة هيمنة القطب الواحد الذي تصور ساسة واشنطن أنهم سيحتفظون به بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي. عدد من السياسيين والمحللين قدروا أن الإشتباك الروسي الأمريكي في سوريا وبسبب أبعاده وإسقاطاته الإقليمية والدولية أصبح يتأرجح من حين لآخر إلى مرحلة تهدد بفتح الباب على مصراعيه على أخطار مواجهة عسكرية مباشرة بين موسكو وواشنطن قد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة. وزير خارجية ألمانيا أقر خلال الثلث الأول من شهر أكتوبر بأن التوتر بين موسكو وواشنطن لم يصل إلى هذه الدرجة من الحدة منذ عقود. بموازاة مع تقدم الجيش السوري ضد أحد أقوى معاقل المليشيات المسلحة على الساحة السورية في القسم الشرقي من مدينة حلب منذ شهر أغسطس سنة 2016 دخل الاشتباك الروسي الأمريكي في منعطف خطير يضع المشهد السوري أمام ولادة جديدة، سيعكسها المخاض الحلبي. هذه التحولات المنتظرة أمامها ربما أسابيع قبل إنضاج واشنطن لخياراتها السورية، وظهور رد موسكو أو عدمه. في النتيجة، إن كان الخيار الأخير سياسيا أو عسكريا، فإن التطورات ستؤدي إلى تغيير فعلي في موازين القوى. خطة حلف الناتو يوم 4 أكتوبر 2016 كشفت مصادر في موسكو وبرلين عن خطة لحلف الناتو لضرب الجيش العربي السوري وحلفاءه، هذه الخطة قد يتم تنفيذها خلال الأيام القليلة القادمة مهما كان الثمن حسب ما أكده مركز فيريل للدراسات في برلين. يذكر أن بعض وكالات الأنباء تحدثت عن خطة مشابهة في يوليو 2016 لكن عدم اكتمال الجاهزية العسكرية للناتو وحلفاءه في المنطقة واستمرار الخلافات فيما بينهم والتنسيق بين موسكو وواشنطن أجلت التنفيذ، هذا عدا عن أن تلك الخطة تحاكي ما جرى في يوغسلافيا والحال في سوريا مختلف وروسيا الآن غير روسيا قبل عشرين عاما. وأضافت المصادر انه مع إعلان واشنطن وقف التنسيق مع موسكو يوم 3 أكتوبر واستخدام تعبير "سيبقى التنسيق قائما" لمنع تصادم الجيشين الروسي والأمريكي واستمرار الجيش السوري في تقدمه لتحرير حلب، هذا التحرير يعني الكثير لحلف الناتو. بات تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد الجيش العربي السوري أمراً لا مفرّ منه. أسباب الضربة المستعجلة : أولا: الانتصار في حلب: يعني فتح الباب واسعا أمام انتصارات لاحقة للجيش السوري على كامل الأراضي السورية ثانياً: ان استمرار الجيش السوري وحلفاءه على هذه الوتيرة من القصف لمواقع المسلحين يعني أن أمامه أقل من سنة لتحرير كامل الأراضي السورية من المالكية إلى بلدة الشجرة وإفشال خطة التقسيم بينما كان المخطط ان تستمر الأوضاع الأمنية هكذا سنوات طويلة أخرى لإنهاك سوريا وروسيا وحزب الله عسكريا واقتصاديا وذلك ضمن خطة "المتنورين". ثالثاً: خروج الدولة السورية وحلفاءها منتصرين بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب يعني صعود نجم روسيا أكثر وسيطرتها على أكثر من نصف الشرق الأوسط وفشل خطة عزل موسكو وجعلها دولة منبوذة وأفول نجم الناتو ومعه تدهور الأوضاع في تركيا ودول الخليج العربي دون استثناء ويعني أيضا وصول إيران لشواطئ المتوسط الشرقية. رابعا: تقارب نسبة فوز هيلاري كلينتون وترامب يحتم على الإدارة الأمريكية الديمقراطية تحقيق انتصار عسكري يرفع من اسهم مرشحته أو يورث الجمهوريين إذا خسرت الولاياتالمتحدة حربا ونزاعا لا نهاية له. خامسا: خروج سوريا منتصرة سيعزز موقفها السياسي والعسكري في المنطقة ومعها حزب الله خاصة تجاه إسرائيل وسيجعلهما بموقف قوي في أي مباحثات سلام قادمة معها وهذا لا ترتضيه تل أبيب أو واشنطن ولندن. في هذا السياق قالت يوم الثلاثاء 4 أكتوبر فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد الروسي مؤكدة " لا نستبعد محاولة بعض الأطراف للإطاحة بالقوة بحكومة الرئيس الأسد وتقطيع سوريا إلى كيانات متفرقة"، كمان أن قسطنطين كوزاتشوف رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي للشؤون الدولية أكد على ضرورة ابقاء قنوات الاتصال العسكري بين روسياوالولاياتالمتحدة الأمريكية حول سوريا وذلك لضمان أمن العسكريين الروس ومنع حدوث اشتباكات جوية بين الدولتين. واعلنت وزارة الخارجية الروسية عن مخاوفها من ان قرار واشنطن تعليق قنوات الاتصال مع موسكو بشأن سوريا قد يعني أنها قررت العودة للحل العسكري. ومن جهته قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي يوم الإثنين 3 أكتوبر أن البديل لفشل واشنطن هو الحل العسكري من أجل تحقيق الهدف القديم اي: اسقاط الرئيس الشرعي وحكومته وإعادة هيكلة التضاريس السياسية ليس في سوريا وحسب بل وخارجها بشكل كامل. المخابرات العسكرية الروسية علمت بهذه الخطة لهذا ارسلت منظومات صواريخ محدثة جداً S300 وبشكل مفاجئ الى سوريا. وحسب الروس سوف تستقر هذه الصواريخ في قاعدة حميميم، ولكن القاعدة فيها صواريخ S400 منذ نوفمبر 2015 والقادرة على اسقاط أي طائرة في دائرة قطرها يمتد حتى أنقرة شمالا وكل الكيان الصهيوني جنوبا، وهذه الصواريخ أصبحت بيد الدفاع الجوي السوري، وسفينة الإنزال الروسية "غيورغي بوبيدونوسيتس″ التي عبرت مضيق البوسفور السبت 24 سبتمبر ورست في ميناء طرطوس كانت محملة بشاحنات عسكرية ثقيلة لا يمكن معرفتها وهي خامس شحنة منذ بداية عام 2016 تم تسليمها للجيش العربي السوري ويعتقد أنها ستؤمن الفضاء الجوي بشكل شبه تام. محللون ذكروا أن تسريبات اجتماع كيري بالمعارضة السورية في نيويورك وقوله بأن الإدارة الأمريكية عاجزة عن الحل العسكري كان حيلة لإظهار واشنطن بموقف المستسلم وعزوفها عن الحل العسكري ليس سوى تمويه لشن ضربة عسكرية مفاجئة. وحسب المصادر نفسها فان خطة الهجوم تقضي بحدوث ضربة جوية سريعة تستمر ما بين بين 3 و 5 أيام تستهدف مركز القيادة والأركان في الجيش السوري في دمشق واغتيال قياداته العليا ونقاط قوته في محيط دمشق وحلب واللاذقية وستتم بمشاركة 800 طائرة تنطلق من تركيا والأردن والمتوسط بالإضافة لصواريخ كروز وتوماهوك من المتوسط والقواعد الأمريكية في الخليج العربي، كما ستتفادى هذه الطائرات المجال الذي تسيطر عليه صواريخ ال S400 الروسية الموجودة في اللاذقية، لهذا سيكون الدخول من الشمال الشرقي والعراق والأردن وفلسطين المصدر الألماني شبه العملية بعملية ثعلب الصحراء التي حصلت في 16 – 12 – 1998، وقال ان عدد الدول التي ستشارك في العملية 14 دولة. وقالت المصادر انه لن يحدث أي تدخل بري لاحق وسيترك الأمر للمسلحين التابعين لواشنطن لهجوم واسع في كافة المناطق التي تم قصفها من قبل الناتو خاصة بعد وصول شاحنات كبيرة من الاسلحة الأمريكية. واضافت المصادر بان اسرائيل لن تشارك في الهجوم إلا في حال تطورت الأمور نحو الأسوأ. وتابعت المصادر إن خسارة الولاياتالمتحدة وحلفائها الحرب في سوريا يعني سقوط هؤلاء الحلفاء إلى الأبد واهتزاز عرشها أكبر هزة منذ نشوؤها لهذا ستقاتل حتى النهاية. وقالت المصادر بان المقصود بنشر هذه المعلومات ليس الترهيب أوبث الخوف وإنما فضح ما قد يجري وأخذ الحذر. المواجهة العسكرية المباشرة لن تحدث، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، أن المواجهة العسكرية المباشرة بين روسياوالولاياتالمتحدة في سوريا لن تحدث، مشيرا إلى أن واشنطن أصابها "انهيار عصبي". وعلق سلوتسكي في حديث لقناة "روسيا 24"، السبت 8 أكتوبر، على التصعيد الأخير في العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة والذي دفع كثيرين إلى الحديث عن أن البلدين على وشك اندلاع صراع مسلح مباشر بينهما أو حرب بالوساطة كما حدث أثناء الحرب الباردة، قائلا إنه يستبعد احتمال كهذا، مشيرا إلى أن مصطلح "حرب" غير مناسب للحالة. وأعرب البرلماني الروسي عن الأسف للسياسيات الأمريكية المدمرة فيما يتعلق بالأزمة السورية، مشددا على أن خروج واشنطن من الاتفاقات مع روسيا ورفض التعاون معها، يشير إلى إصابة الولاياتالمتحدة بنوع من "انهيار عصبي" جراء عدم قدرتها أو عدم رغبتها في تنفيذ التزاماتها حول سوريا. وأوضح سلوتسكي أن "الانهيار" نجم عن امتعاض واشنطن من تعزيز مكانة روسيا على الساحة السياسية الدولية وإثبات نفسها كقوة صانعة للسلام، على الرغم من جهود خصوم موسكو لتشويه صورة روسيا وجعلها دولة مارقة. وقال إن الولاياتالمتحدة كانت على ما يبدو تعوّل ببساطة على أن عددا من الدول سترى تصرفات واشنطن إزاء موسكو صحيحة تلقائيا دون الغوص في تفاصيل الأمر. وأعتبر أنه حتى في الظروف الصعبة فمن الضروري مواصلة الحوار السياسي مع الولاياتالمتحدة، مشيرا إلى أن استئناف التعاون وحتى الجزئي في مجال "الدبلوماسية البرلمانية"، وبالتحديد، مع مجلس النواب الأمريكي، قد يكون أمرا ذا معنى. كلام عن عدم توافق يوم 8 أكتوبر 2016 أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عدم وجود أي توافق داخل إدارة الولاياتالمتحدة حول خطواتها التالية بشأن حلب، التي "يبدو أنه لا مفر من وقوعها تحت سيطرة القوات الحكومية". وأشارت الكاتبة السياسية الأمريكية، كارين دي يونغ، في مقال نشرته الصحيفة، إلى أن البنتاغون كان خلال أعوام سابقة يعارض إطلاق عملية أمريكية مباشرة في الميدان السوري، معتبرا أن هذه الخطوة قد تسبب تدخلا أمريكيا أعمق في الأزمة السورية. لكن، بعد فشل نظام وقف الأعمال القتالية، المفروض في سوريا بموجب الاتفاق الروسي الأمريكي، وتصعيد الوضع في حلب، سجل بعض المسؤولين الرفيعي المستوى تحولا ملموسا في موقف وزارة الدفاع الأمريكية. وكشفت كارين دي يونغ، نقلا عن مصدر مسؤول رفيع، أن من بين اقتراحات البنتاغون، بشأن التعامل مع التطورات الجارية في حلب وتشديد هجوم القوات الحكومية على المسلحين، شن ضربات على وحدات الجيش السوري المشاركة مباشرة في العمليات العسكرية في حلب باستخدام صواريخ مجنحة. ودفعت التصريحات، التي أدلى بها قادة البنتاغون خلال اجتماعات مغلقة بشأن سوريا، المسؤولين في الخارجية الأمريكية إلى الاعتقاد أن وزارة الدفاع بصدد الإعلان عن دعمها لفكرة التدخل العسكري الأمريكي المكثف في سوريا، الأمر الذي يؤيده، حسب كارين دي يونغ، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وفريقه. وذكرت الكاتبة الأمريكية، في هذا السياق، بتسجيل مسرب نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ويتضمن كلمة أدلى بها كيري في اجتماع عقده مع معارضين ونشطاء سوريين، في 22 سبتمبر، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال كيري خلال الاجتماع، إنه كان يؤيد تدخلا عسكريا للقوات الأمريكية في سوريا، معترفا بهزيمته في الجدل حول هذا الشأن في الإدارة الأمريكية بسبب معارضة غالبية القادة العسكريين والسياسيين لهذه المبادرة. وبعد التصريحات الأخيرة للمسؤولين في البنتاغون، بدا للخارجية أن وزارة الدفاع انتقلت إلى جانب كيري، الأمر الذي أكده عدد من الأعضاء في فريق وزير الخارجية. في حين أشارت الكاتبة الأمريكية، مستندة إلى مصدر عسكري رفيع المستوى، إلى أن موقف وزارة الدفاع من الموضوع لم يتغير، حيث أعرب القادة العسكريون خلال اجتماع أجري في البيت الأبيض في 6 أكتوبر، عن دعمهم حصرا لفكرة تكثيف عمليات توريد الأسلحة "للمقاتلين المعارضين"، مؤكدين أن "على الولاياتالمتحدة تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا". ونقلت الكاتبة عن المصدر قوله: "ما زلنا نؤمن بوجود عدد من الطرق لتأييد المعارضة". وأشارت كارين دي يونغ، في هذا السياق، إلى أن القوى الداعمة لإطلاق عملية أمريكية ضد القوات السورية وجدت نفسها في فخ قيادة البنتاغون، التي سعت، بتأييد من أعضاء إدارة البيت الأبيض، إلى تأجيل اتخاذ قرار حول سياسة الولاياتالمتحدة في الاتجاه السوري، وخاصة حول حلب لتحميل الإدارة الجديدة المسؤولية عن تحديدها. وفي تأكيد لهذا الأمر، قال مسؤول في البيت الأبيض، في حديث ل"واشطن بوست"، إن موقف أوباما من هذا الأمر "ثابت"، موضحا: "نؤمن بأنه لا حل عسكريا لهذا النزاع، هناك عدد من التحديات قد تؤدي إلى اعتماد القوات العسكرية في هذه الظروف". اكبر من صدمة في إسرائيل إذا أخذنا في الإعتبار ما قاله المسؤول البرلماني الروسي ليونيد سلوتسكي عن تعرض ساسة واشنطن "لإنهيار عصبي"، فإن تطورات الصراع على أرض الشام أصابت ساسة الكيان الإسرائيلي بحالة أشد حدة مما سجل في البيت الأبيض. يوم 2 أكتوبر كتب المحلل الإسرائيلي يعقوب عميدرور في صحيفة إسرائيل اليوم: مكانة روسيا في الشرق الاوسط تغيرت في السنوات الاخيرة. وهناك من يعتبر أنها اصبحت القوة العظمى الأهم في العالم. على الأقل في السياق السوري. السبب الاساسي لذلك هو قدرة رئيس روسيا فلادمير بوتين على استثمار الامكانيات الحقيقية والدخول في مخاطر المنطقة من اجل تحقيق مصالح بلاده. لذلك هناك قائمة من الخطوات العملية: النجاح في الحرب من اجل استقرار نظام الاسد، المشاركة في تدمير الدولة الاسلامية "داعش"، اقامة موقع عسكري روسي جوي في شمال سوريا ونشر قوات برية بدء من خريف 2015، الخلاف ومن بعده التعاون مع تركيا، تزويد ايران بالسلاح ومؤخرا التوقيع على الاتفاق الذي فشل مع وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، حول مستقبل سوريا حيث أن روسيا، خلافا للولايات المتحدة، لم تتنازل عن مواقفها. قوة عظمى ضعيفة إن جزء كبير من خطوات روسيا موجه ضد الولاياتالمتحدة التي تعتبر العدو الأول. وفي نفس الوقت تعتبر قوة عظمى ضعيفة، لا سيما بسبب طبيعة الادارة الحالية التي تخشى من أي مواجهة قد تتحول الى مواجهة عسكرية. هذا هو السبب الذي يدفع روسيا الى عدم التنازل، ليس فيما يتعلق بضم القرم والإستمرار في مساعدة جهات في شرق اوكرانيا، وايضا فيما يتعلق بمكانة الأسد في دمشق. روسيا متشددة جدا في مفاوضاتها حول هذه الأمور وهي تصمم على استخدام القوة العسكرية. وحتى الآن نجحت في ذلك. عندما يكون الدافع القومي والاستخلاص حول الولاياتالمتحدة هما الخلفية، يمكننا فهم أفضل ما تقوم به روسيا في الشرق الاوسط، المكان الذي هو قريب جغرافيا لها. الإمتحان الصعب للقيادة الروسية أمام تركيا، خرجت منه بطريقة تؤكد قدرتها على مواجهة الازمات. لقد اعتبرت تركيا تدخل روسيا في صالح الأسد امر سيء. لأن اردوغان عمل بشكل كبير ضد الرئيس السوري الذي يكرهه. وردا على ذلك قام الاتراك بنصب الفخ واسقطوا طائرة روسية زعموا أنها اخترقت الحدود التركية. كان ذلك امتحانا لبوتين. وقد قرر الرد بقوة بعدة سبل من بينها دعم الأكراد. وفهم اردوغان ان خطرا الاستراتيجيا قد ينتج عن خطوة روسيا فقرر تغيير العلاقة مع روسيا بشكل تام. واستغل الفرصة بعد فشل الانقلاب في تركيا في يوليو 2016 واعتذر لروسيا عن اسقاط الطائرة. وتنازل عن طلب الإستقالة الفورية للأسد. وفي الصراع بين زعيمين قويين في المنطقة خرج بوتين ويده هي العليا. حدود القوة توجد خلافات صعبة بين اسرائيل وروسيا وخصوصا بعد بيع السلاح المتقدم لايران وسوريا ووصول جزء من هذا السلاح لحزب الله. لقد فهمت اسرائيل انها لا تستطيع وقف التعاون بين ايران وحزب الله وسوريا في الحرب ضد المتمردين، لكنها فرضت ترتيب عملي لمنع نشوء حادثة اذا عمل الطرفان في نفس المكان في ظل غياب الاتصالات بينهما. وحتى لو لم نعتمد على الأمل بأن روسيا ستقيد حزب الله وايران في العمل ضد اسرائيل. فان على اسرائيل الاستمرار في التعايش مع القوات الروسية بالقرب منها وتوضيح مصالحها، واحيانا استخدام القوة للدفاع عن نفسها. ولكن بدون تصادم مباشر مع روسيا التي يجب التحاور معها على جميع المستويات". يوم 9 أكتوبر كتب المحلل الصهيوني عاموس هرئيل المعروف أنه يعكس رؤية الجيش الإسرائيلي في صحيفة هآرتس: تنشر وسائل الاعلام الدولية معلومات حول حجم الانتشار العسكري الروسي في سوريا. والحركة في ميناء طرطوس، حيث تمت مضاعفة التواجد الروسي منذ انهيار وقف اطلاق النار في 19 سبتمبر 2016. وقد أرسلت روسيا مؤخرا سفينتين اضافيتين حاملة للصواريخ الى شواطيء سوريا، ونشرت صواريخ جديدة من نوع أرض جو، ويبدو أنها أرسلت المزيد من طائرات "سوخوي". التقارير والتحليلات في واشنطن مملوءة بالمقارنة التاريخية: فيتنام وافغانستان، ازمة الصواريخ في كوبا والصراع بين القوى العظمى في برلين في بداية الستينيات. وزعمت "واشنطن بوست" من خلال الكاتب المحافظ جورج ويل، أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين "يعيد العالم الى الثلاثينيات" أي الى ايام ستالين. ولكن على الرغم من اللهجة الحاسمة، تصعب معرفة اذا كانت التوبيخات والاحاديث الاخلاقية الامريكيةلروسيا، قد تمهد الارض لعمل عسكري حقيقي في سوريا. إن مستوى وسرعة التصريحات مع الكثير من التطورات في سوريا نفسها، يستوجب متابعة يقظة من قبل اسرائيل. ورغم أنه ليس متوقعا اندلاع مواجهة عسكرية بين الطائرات الامريكية وسلاح الجو الروسي، إلا أن ذلك سيؤثر الى حد كبير على اسرائيل. قبل شهرين فشلت محاولة الجيش الاسرائيلي اسقاط طائرة بدون طيار روسية عبرت الحدود، خطأ كما يبدو، في هضبة الجولان. وكانت هناك تقارير لم يتم تأكيدها حول قدرة المضادات السورية على سد الطريق أمام طائرات سلاح الجو الاسرائيلي في سماء سوريا. من اجل تقوية الدفاعات الروسية الجوية في سوريا، هناك تأثير محتمل آخر بالنسبة لاسرائيل. فقد أعلنت روسيا في الآونة الاخيرة عن نشر سلاح يشمل صواريخ اس 400 وانواع مختلفة من صواريخ اس 300، اضافة الى الاجهزة الدفاعية الموجودة على السفن. وبعض هذه الاسلحة يبلغ مداها حوالي 400 كم. منذ العام 2012 نشرت تقارير كثيرة في وسائل الاعلام الاجنبية عن قصف سلاح الجو الاسرائيلي لقوافل السلاح من سوريا الى حزب الله في لبنان. ولم تصادق اسرائيل رسميا، رغم أن نتنياهو تحدث بشكل عام في خطابه في الاممالمتحدة قبل سنة حول جهود اسرائيل لمنع التهريب. إن تعزيز السلاح الروسي سيؤثر على أي خطوة لسلاح الجو الامريكي أو الاسرائيلي في سوريا أو لبنان. حزب الله اليوم هو جزء من المعسكر الذي تقوده روسيا والذي يقوم ايضا بتشديد الخناق على حلب لصالح نظام الاسد في سوريا. ويمكن أن تعتقد المنظمة اللبنانية أن تقوية العلاقة مع موسكو والتواجد الروسي يسمح لها بحرية العمل بخصوص تهريب السلاح. حزب الله قد يحاول في هذه الظروف ادخال سلاح متقدم الى لبنان، بعضه من صنع روسي، الامر الذي أعلنت اسرائيل في السابق عن اعتباره خط أحمر. في مواجهة التهديدات الأمريكية الإسرائيلية كان الرد الروسي قويا، فيوم 9 أكتوبر 2016، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن التفكير في ضرب المطارات العسكرية السورية "ألعاب خطيرة" في ظل وجود أنظمة دفاع جوي روسية هناك. وأضاف لافروف في حديث للقناة الأولى الروسية يوم الأحد، إن هنالك تسريبات مفادها أنه يمكن استعمال صواريخ مجنحة لضرب المطارات العسكرية السورية لمنع إقلاع الطائرات السورية منها، مشيرا إلى أن رئاسة الأركان الروسية قد تفاعلت مع هذه التسريبات. واعتبر وزير الخارجية الروسي ذلك "لعبة خطير" بما أن روسيا موجودة في سوريا بطلب من الحكومة الشرعية ولها قاعدتان في هذا البلد، واحدة حربية جوية في حميميم، والأخرى نقطة إمداد بالمواد والتقنيات في طرطوس، حيث توجد منظومة دفاع جوي لحماية منشآتنا". وقال لافروف نحن ندرك جيدا أن العسكريين الأمريكيين يفهمون ذلك، وأنه يجب التعقل وعدم الاحتكام إلى العواطف وشرارات الغضب الآنية". وأضاف لافروف أن موسكو ترى أن الإدارة الأمريكية لا تملك استراتيجية شاملة في تعاطيها مع الملف السوري. وأوضح أنه توجد مواقف مختلفة داخل الإدارة الأمريكية، وهناك مجموعات مختلفة، بينهم من يُغلب الدبلوماسية في التعامل في الملف السوري، وآخرون يرغبون في ترك استخدام القوة خيارا قائما. وذكر لافروف إن الولاياتالمتحدة لا تقوم بخطوات جدية بخصوص تنظيم "جبهة النصرة". وأوضح أن تنظيم داعش بدأ يتلقى ضربات جدية فقط بعد تدخل سلاح الجو الروسي بدعوة من الحكومة السورية، مضيفا أنه لا يمكن مقارنة كثافة الغارات الروسية ونتائجها بما تقوم به طائرات التحالف، مشيرا إلى أن المقاتلات الأمريكية تعود في أغلب الأحيان إلى قاعدة أنجرليك التركية، أو القواعد الأخرى التي تستخدمها، بالذخيرة التي أقلعت بها. وأضاف لافروف: "لقد سألت وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حول ما إذا كانوا يريدون إبعاد جبهة النصرة الإرهابية عن القصف ليتم استخدامها كقوة أساسية في مرحلة معينة لتنحية الرئيس السوري بشار الأسد، وقد أقسم كيري ونفى ذلك وقال إنهم يحاربونها". وبخصوص القصف في حلب ذكر لافروف إن دعوتهم إلى وقف القصف في حلب مريبة، لأنهم بالرغم من أن القوى المتواجدة في هذه المدينة هي بالأساس "جبهة النصرة" إلا أنهم يقولون إن من بين مقاتلي جبهة النصرة يوجد معتدلون اضطروا للانضمام إليها. قبل تحذيرات وزير الخارجية الروسي بثمان وأربعين ساعة وفي رد على الحملة الدعائية الأمريكية، أشارت ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية أن تغيير النظام في سوريا سيؤدي إلى عواقب أسوأ بكثير بالمقارنة مع ما حصل في العراق وليبيا. وقالت زاخاروفا خلال مشاركتها يوم الجمعة 7 اكتوبر في المنتدى الأوروبي للدبلوماسيين الشباب المنعقد بموسكو: "إذ سارت سوريا في السيناريو الليبي، وفق ما تصر عليه قوى كثيرة، فسيكون انفجارها أقوى مما كان في ليبيا. وستبدو كافة العمليات التي بدأت في المنطقة وخرجت عن حدودها، الإرهاب وتدفقات الهجرة، مزاحا بالمقارنة مع ما سيحصل في حال سمحنا بتنفيذ السيناريو الليبي أو العراقي في سوريا". وشددت قائلة: "ستكون العواقب أسوأ بعشرات المرات بالمقارنة مع ما حصل قبل ذلك". وتساءلت الدبلوماسية الروسية حول الدوافع وراء المساعي لتغيير النظام في سوريا، علما بأن السيناريوهات المماثلة في المنطقة خلال العقدين الماضيين لم تؤد إلى أي نهايات سعيدة وأي نتائج إيجابية للدول التي وقعت فيها الأحداث ولواضعي السيناريوهات ومنفذيها. وبشأن الوضع الحالي في حلب، رفضت زاخاروفا أي مناقشات حول تصنيف تنظيم "النصرة"، وشددت على أن المسألة ليست مرتبطة بموقف واشنطن من هذا التنظيم، بل بكون "النصرة" منظمة إرهابية مدرجة على قائمة الإرهاب الدولية. واعتبرت أنه لا مجال لأي نقاش بهذا الشأن. ومن جهته قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو مستعدة لدعوة دمشق للموافقة على خروج مسلحي "النصرة" من حلب مع أسلحتهم، وكشف عن شروط موسكو لتنفيذ خطة دي ميستورا بهذا الصدد. وأوضح الوزير في تصريحات للتلفزيون الروسي الجمعة أن المسلحين الذين سيبقون في أحياء حلب الشرقية، بعد انسحاب "النصرة"، يجب أن ينفصلوا عن "النصرة" نهائيا، وشدد على ضرورة تسجيل هذا الالتزام على الورق. وأضاف أنه سيكون بإمكان الجيش السوري والمعارضة المسلحة، بعد انسحاب "النصرة" تشكيل هيئات مشتركة لحفظ الأمن. وفي وقت سابق أفادت وزارة الخارجية الروسية بأن الوزير سيرغي لافروف ونظيره الألماني فرانك-فالتر شتاينماير أكدا خلال اتصال هاتفي الجمعة استعداد الجانبين لبحث اقتراحات الأممالمتحدة حول حلب. وقال مصدر في الخارجية الروسية الجمعة، "تبادل الوزيران الآراء بشأن قضايا التسوية السورية"، مشيرا إلى أن الجانب الروسي أكد خلال هذه المكالمة ضرورة القضاء بالكامل على الخطر الإرهابي في الأراضي السورية وبذل جهود بالتوازي مع ذلك، من أجل تعزيز الهدنة ومعالجة القضايا الإنسانية وتحريك التسوية السياسية للأزمة السورية. صحيفة "إزفيستيا" قالت من جانبها نقلا عن رئيس برنامج "التوازن العسكري في الشرق الأوسط" في معهد الأمن القومي في تل أبيب، يفتح شافيرو، قوله إنه لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل ظهور منظومة روسية قوية للدفاع الجوي في سوريا، باعتبار أن موقعها الحالي في طرطوس "يسمح لها بإصابة الأهداف في شمال إسرائيل". إلى ذلك، إنتقدت صحيفة "هآرتس" الموقف الامريكي حيال سوريا، وانكفاءها عن اتخاذ خطوات فعلية من اجل الدفاع عن حلفائها واصدقائها عن الحاجة، لافتة الى ان نجاح "النظام السوري" في السيطرة على شرق حلب، سيكون انتصاراً مهماً للرئيس السوري ولروسيا، وايضاً "اشارة قوية الى ابتعاد الولاياتالمتحدة". وحذرت الصحيفة من اليوم الذي يلي سقوط شرقي حلب، لافتة إلى أن "نجاح الاسد وروسيا في الاستيلاء على المدينة سيدفعهما في اعقابها الى تركيز الجهد العسكري في مناطق اخرى مثل الجولان"، حيث تسيطر الجماعات المسلحة المعارضة. وبحسب المعلق العسكري في الصحيفة، عاموس هرئيل، فإن "الثقة الزائدة" لدى الأسد الذي يبدو انه ثابت في الحكم رغم التقديرات السابقة النقيضة لذلك، هي اخبار غير سارة لإسرائيل، مشيرا إلى أنه سبق للجيش السوري قبل شهر واحد ان تصدى للطائرات الاسرائيلية في الجولان السوري، و"نشر منظومات روسية متطورة في سوريا، مثل صواريخ اس 300 واس 400، هو أمر خطير بالنسبة لاسرائيل، التي تخشى ان تصل هذه الصواريخ لاحقا الى الجيش السوري، وربما أيضاً الى حزب الله". عمر نجيب [email protected]