وصل الصراع المسلح متعدد الأطراف الدائر على أرض الشام منذ أكثر من خمس سنوات ونصف إلى مرحلة جديدة من الخطورة والتهديد على الأمن الدولي يقارنها البعض بالمرحلة التي وصلتها المواجهة قبل ثلاث سنوات في سبتمبر عام 2013، عندما كاد الرئيس الأمريكي أوباما يعطي الأوامر لقواته بالتدخل مباشرة لضرب الجيش العربي السوري تحت غطاء الاتهامات باستخدام دمشق أسلحة كيماوية ضد خصومها في المعارضة، حيث اعتبرت واشنطن، في حينها، هذا الاستخدام اختراقا للخط الأحمر الذي وضعته في هذا الصدد، ويستدعي التدخل عسكريا فورا. البيت الأبيض تراجع في النهاية أمام تهديد موسكو بالرد وصفقة نزع السلاح الكيمياوي السوري. مفترق طرق في تاريخ البشرية يوم 24 سبتمبر 2016 وصف رئيس جمعية الصداقة الروسية السورية، ألكسندر دزاسوخوف، الأزمة السورية بأنها مفترق طرق في تاريخ البشرية، مشيرا إلى ضرورة توحيد الجهود الدولية لحلها والقضاء على الإرهاب. وذكر دزاسوخوف، السفير السوفيتي السابق لدى سوريا، أثناء مشاركته في برنامج "الكنيسة والعالم"، الذي بثته قناة "روسيا-24": "ستتوصل الأجيال القادمة، دون أدنى شك، عندما ستدرس ما يجري حاليا في سوريا وحولها، إلى استنتاج مفاده أن ذلك ليس مجرد سلسلة أحداث دراماتيكية، بل مفترق طرق في التاريخ، ويتوقف على حل هذه الأزمة السورية مستقبل البشرية بأكملها، وذلك ليس مبالغة". وأشار المسؤول إلى أن "الشعب السوري الصامد والشريف والباسل" لا يخوض الصراع ضد الإرهاب من أجل مستقبله فقط، بل ومن أجل مستقبل ومصالح الدول والشعوب الأخرى أيضا. وشدد دزاسوخوف على ضرورة أن توحد دول العالم جهودها في أسرع وقت ممكن، بغية التصدي للإرهاب واستئصاله، محذرا من الخطر، الذي تشكله التصرفات غير المسؤولة، التي يقوم بها زعماء دول عدة، في مسعى إلى تحقيق مصالحهم الذاتية قصيرة المدى. وأعرب دزاسوخوف عن بالغ قلقه إزاء الأوضاع الكارثية التي تعاني منها مدينة حلب السورية، قائلا: "هذه المدينة الجميلة.. تعرضت لأضرار هائلة، ودمر هناك، حسب المعلومات الأخيرة، 20 معبدا". بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة ويوم الأحد 25 سبتمبر أعرب الخبير العسكري الروسي، الفريق أول المتقاعد ليونيد إيفاشوف، عن اعتقاده باستحالة توصل موسكووواشنطن إلى حل وسط حول التسوية في سوريا، علما أن أهداف الدولتين هناك متناقضة. وفي حديث لوكالة إنترفاكس الروسية قال إيفاشوف: "إن إيجاد أي حل وسط هنا أمر مستحيل، فالمطلوب هو الفوز العسكري وحده، ويتعين على روسيا أن تدرك أن الحل الوسط مستحيل، لأن الأهداف متناقضة تماما". وتابع الخبير قائلا إنه ليس من مصلحة روسيا إطلاق عملية التسوية السياسية في سوريا بناء على الشروط الغربية، لأنها تقتضي رحيل الرئيس السوري بشار الأسد و"مواصلة العملية التخريبية في سوريا، وتدمير نظامها السياسي واقتصادها ومجتمعها. هذا لا يناسب روسيا، أما الأمريكيون فلا تناسبهم خطتنا للتسوية السياسية أي بقاء الأسد والحفاظ على النظام القائم". واعتبر إيفاشوف أن التسوية السياسية في سوريا تستدعي إطلاق روسيا عملا مشتركا مع الصين ودول الشرق الأوسط. وقال: "يجب أن نبدأ العمل مع الصين وأن نتعاون بشكل مكثف مع إيران، إضافة إلى إشراك مصر وسائر دول الشرق الأوسط، لخلق مجموعة بديلة من الدول المهتمة بالتسوية السياسية". نهاية لعبة التضليل في مؤشر آخر على زيادة خطورة الصراع على أرض الشام أعلن مندوب روسيا لدى الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، أن موسكو لن توافق بعد الآن على أي خطوات أحادية الجانب في سوريا، بعد أن لجأت واشنطن إلى حيل مكنت الإرهابيين من تعزيز قدراتهم. وقال تشوركين في كلمة ألقاها أثناء الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في حلب، يوم الأحد 25 سبتمبر، إن روسيا استجابت مرارا لطلبات الولاياتالمتحدة بإعلان هدن تتراوح مدتها من 48 إلى 72 ساعة، لكن ذلك كان يؤدي دائما إلى إعادة تموضع المسلحين وحصولهم على تعزيزات. ثم تم طرح طلب آخر هو تخلي الحكومة السورية عن طلعات طائراتها الحربية لمدة 3 ثم 7 أيام. وتابع الدبلوماسي: "لا يمكن أن تستمر كهذه حيل تكتيكية بلا نهاية، فإننا لن نوافق بعد الآن على أي خطوات أحادية الجانب". وأكد الدبلوماسي أن الحديث عن إحياء الهدنة في سوريا يجب أن يدور على أساس متعدد الأطراف حصرا، "عندما لا نضطر إلى إثبات شيء لأحد ما من جانب واحد، إنما عليهم إقناعنا بأن لديهم رغبة صريحة في فصل المعارضين المتعاونين مع التحالف الأمريكي عن جبهة النصرة، ثم القضاء على "النصرة" وجعل المعارضين جزءا من العملية السياسية". وأضاف أنه إذا لم يحدث ذلك فسيثير الأمر شبهات لدى موسكو بأن كل هذه التحركات هي من أجل إنقاذ جبهة النصرة من الضربة. وتابع "بالتالي، فالحل يكمن في عمل مشترك نزيه يلتزم فيه الجميع باتفاقات الهدنة، بدلا من طرح مطالب من جانب واحد". وأشار إلى أن كثرة المجموعات المسلحة الناشطة في سوريا، وكثرة الأطراف التي تقصف أراضيها جعلت عودة سوريا إلى حياة سلمية مهمة "شبه مستحيلة". وذكر تشوركين، خلال الجلسة التي عقدت بطلب من واشنطنولندن وباريس، إن تطبيق الاتفاق الروسي الأمريكي يفتح طريقا للحل السياسي في سوريا. وأضاف أن لهذا الاتفاق أعداء كثيرين كانوا يسعون لتقويضه منذ البداية، "وهناك انطباع أن موقفهم غير البناء هو الذي تغلّب". وأكد تشوركين أن الولاياتالمتحدة أخفقت في فصل المعارضة المعتدلة عن تنظيمات إرهابية في سوريا، ولم تفعل شيئا لحل هذه المشكلة. وأشار تشوركين إلى أن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي مستمر في الحصول على الأسلحة من الغرب، والولاياتالمتحدة تتجاهل هذه الحقيقة. أما بخصوص الوضع الإنساني في حلب فقال المندوب الروسي إنه كان ممكنا تطبيعه في شهر أغسطس 2016 وحتى في بداية شهر سبتمبر الجاري، لكن تزمت المعارضة المتطرفة حال دون ذلك، ولم تفعل واشنطن شيئا إزاء هذه الحقيقة. ولفت إلى أن الحكومة السورية تبذل قصارى جهدها لإخراج المدنيين من حلب، لكن مسلحي "النصرة" الذين أصبحوا القوة الكبرى المتواجدة في شرق حلب، يمنعون خروجهم. من جانبه أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن روسيا لن تنظر بجدية في طلبات وقف أعمال الطيران الروسي والسوري بشكل أحادي الجانب. وقال لافروف في حوار مع قناة "روسيا" تم بثه مساء يوم السبت 24 سبتمبر: "إذا كان الأمر سيتلخص مجددا في الطلب من القوات الجوية الفضائية الروسية والقوات الجوية السورية القيام بخطوات أحادية الجانب للتوقف لمدة 3 - 4 أيام لإقناع المعارضة بالابتعاد عن "جبهة النصرة"، فلن نأخذ هذه الأحاديث على محمل الجد. واعتبر لافروف أنه ليس هناك مجال لاستئناف العمل بنظام وقف إطلاق النار في سوريا إلا على أساس جماعي. وقال: "لا مجال الآن للحديث عن إنعاش الهدنة إلا على أساس جماعي، عندما لا نحتاج إلى إثبات أي شيء لأحد على أساس أحادي الجانب". وعبر لافروف عن استغرابه قائلا إن "الوضع غريب بعض الشيء. أبلغت وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ثم في لقاء المجموعة الدولية لدعم سوريا، بأن الوضع في دير الزور يختلف عنه في حلب حيث يتغير خط التماس بانتظام، بل هو ثابت في دير الزور منذ أكثر من عامين". وأوضح أنه "يصعب أن نصدق أن مخابرات التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد "داعش" على كامل أراضي سوريا، لا تعرف المواقع. إلا أنني لا أريد اتهام أحد بشيء". وأشار وزير الخارجية الروسي، إلى أن الولاياتالمتحدة اعتذرت للرئيس السوري، بشار الأسد، عن شنها الضربة الجوية على الجيش السوري في دير الزور. وأضاف: "أبدينا خلال الأشهر الماضية بضع مرات تعاونا وأعلننا عن هدن منسقة مع الأمريكيين حول حلب لمدة 48 و72 ساعة، وكل مرة كنا نتأكد أن هذه الهدن استخدمت لأمداد المسلحين، بمن فيهم عناصر "النصرة"، بالأفراد والغذاء والسلاح". إعتراف مبعوث أممي المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، طالب في كلمته، أطراف الأزمة السورية بوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة لإيصال المساعدات الإنسانية لأهالي حلب، وأعلن أن عدد القتلى جراء الأعمال القتالية في ريف حلب منذ توقف سريان الهدنة بلغ 213 شخصا. وأشار إلى إن الأحداث المأساوية التي تمر بها حلب حاليا غير مسبوقة، مشيرا إلى أن وحدات المعارضة السورية تستخدم صواريخ تقتل المدنيين. وشدد المبعوث الأممي الخاص على أن حوالي نصف المسلحين في شرق حلب ينتمون لتنظيم "جبهة فتح الشام" "جبهة النصرة". وأكد دي ميستورا أن الهدنة التي أعلنت بسوريا في 12 سبتمبر، وفقا للاتفاق الروسي الأمريكي، أدت إلى تراجع ملموس للعنف في البلاد، لكن الأوضاع تدهورت بصورة حادة بعد تعرض قافلة مساعدات إنسانية لقصف قرب بلدة أورم الكبرى قرب حلب. كما لفت دي ميستورا إلى أن تدمير البنية التحتية شرق حلب أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المأساوية، مضيفا أن محاصرة طريق الكاستيلو أسفر عن توقف إيصال الأغذية إلى حلب. وأكد دي ميستورا أنه لا ينوي الاستقالة من منصبه، وشرح موقفه هذا قائلا: "استقالتي ستكون إشارة عن أن الأسرة الدولية تتخلى عن السوريين، والأممالمتحدة لن تتخلى عن السوريين وأنتم لن تتخلوا عن السوريين". وفي ختام كلمته، أكد دي ميستورا أن فرص حل الأزمة السورية لا تزال قائمة. من جانبه كشف مندوب سوريا في الأممالمتحدة بشار الجعفري أن تنظيم "أحرار الشام" المسلح يعتزم مهاجمة مستودعات المواد الكيماوية لضبط الفسفور الأصفر من أجل استخدامه ضد المدنيين، مخططا لتوجيه اتهامات باعتماد الأسلحة الكيماوية للحكومة السورية. وقال الجعفري إن بلاده تعتبر "أن إجراء هذا الاجتماع هو رسالة لتنظيم "جبهة النصرة" والمجموعات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها مفادها أن الدعم والغطاء السياسي ما زالا قائمين وسلاح الإرهاب للضغط على الحكومة ما زال ناجعا". واتهم الولاياتالمتحدة وحلفاءها والمجموعات المسلحة التي تخضع لسيطرتها بإفشال اتفاق وقف النار في سوريا. وأكد الجعفري أن عملية القوات السورية في حلب تهدف إلى طرد الإرهابيين من المنطقة، مضيفا أن الجيش السوري دعا المدنيين إلى الابتعاد عن مناطق المسلحين بعد فشل الهدنة واتخذ كافة التسهيلات لخروج المدنيين وتأمين السكن لهم. كما قال المندوب السوري إن حكومة بلاده لن تتخلى عن شبر واحد من أراضيها، مؤكدا على أن الجيش السوري عازم على انتزاع السيطرة على مدينة حلب وريفها بالكامل. وأعاد الجعفري إلى أذهان المشاركين في الاجتماع عملية قتل الطفل الفلسطيني، عبد الله عيسى، على يد مسلحي "حركة نور الدين زنكي"، مشيرا إلى أن هذه الحركة كانت تسيطر مع تنظيم "جبهة النصرة" على مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين بحلب. وتسائل الجعفري في هذا السياق: "هل يتجرأ أحد في مجلس الأمن على تبرير دعم حركة نور الدين زنكي؟". ولفت الجعفري إلى أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن أفشلت اعتماد بيان رئاسي أو قرارات تدين عمليات إرهابية في سوريا 13 مرة. تجنيد آلاف الأجانب محللون في الغرب أشاروا إلى أن إتهامات موسكولواشنطن تملك مصداقية كبيرة خاصة وأنه سبق لمراكز تحليل ودراسات مستقلة في الغرب تأكيد تحايل البيت الأبيض وليه للحقائق. ففي التاسع من شهر مايو 2016 نشر موقع غلوبال ريسيرش البحثي الكندي تقريرا جاء فيه: تعتزم الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلف الناتو على تجديد مسلحي المعارضة داخل سوريا، حيث تضخ بعدد جديد من المقاتلين، وذلك بعد هزيمة المعارضة المسلحة التي تدعمها واشنطن والمتمثلة في تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي، وذلك بدعم من جانبروسيا وحزب الله. وقد تحرك التحالف الغربي العسكري بسرعة لمنع هزيمة المعارضة المسلحة، وبدأ تجديد أدوات الحرب بالوكالة، حيث تم تجنيد وتدريب مرتزقة جدد بدعم من تركيا وإسرائيل ودول أخرى. وتستمر المعركة الحاسمة في حلب، حيث عبر آلاف الإرهابيين الحدود التركية السورية في أوائل شهر مايو، وقد سبقه نشر قوات خاصة أمريكية في سوريا أعطت المتمردين تدريبا، ويتصل المقاتلون الجدد في سوريا بشكل مباشر مع منظمة حلف شمال الأطلسي والولاياتالمتحدة، وبشكل دائم مع الجيش الأمريكي. تعمل الولاياتالمتحدة على دمج صفوف كتائب تنظيم القاعدة التي تم نشرها مؤخرا في شمال سوريا، التي ستحل محل التي هزمت من قبل الجيش السوري وحلفائه. صدام إرادات كتب المحلل والصحفي عبد الباري عطوان يوم 21 سبتمبر: لم يبالغ بان كي مون امين عام الأممالمتحدة عندما قال امام اجتماع عقده مجلس الامن "العالم يواجه لحظة حاسمة في الحرب السورية"، في إشارة الى الوضع الحالي المتوتر بعد انهيار هدنة وقف إطلاق النار، وتصاعد حدة الصدام الروسي الأمريكي على أرضية تبادل الاتهامات حول تفجير قافلة مساعدات الأممالمتحدة الى المحاصرين في حلب الشرقية. التفاهمات الامريكية الروسية حول الأوضاع في سورية والحل السياسي بشقيه المرحلي والنهائي، ربما تكون انهارت مع انهيار اتفاق الهدنة، وانهارت معها الثقة بين الطرفين، وبات واضحا ان الإدارة الامريكية أدركت ان روسيا باتت صاحبة الكلمة العليا والنهائية، وهي الموجودة على الأرض، ومصممة على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد والقضاء كليا على المعارضة المسلحة، المعتدلة منها، او المصنفة إرهابيا، مهما كلف الامر مستغلة ضعف إدارة أوباما، وقرب اختفائها من البت الأبيض. هناك ثلاثة تطورات رئيسية فرضت نفسها على المشهد السوري في اليومين الماضيين لا يجب تجاهلها، وما يمكن ان يترتب عليها من خطوات لاحقة: الأول: ارسال روسيا لحاملة الطائرات اميرال كوزينتسوف وسبع سفن امداد وتموين لتعزيز وجودها وقواتها في البحر المتوسط. الثاني: مطالبة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بمنع تحليق الطائرات الحربية السورية فوق مناطق قوات المعارضة في حلب وغيرها. الثالث: نجاح جهود مفتي جبهة "فتح الشام" النصرة سابقا، الشيخ عبد الله المحيسني في توحيد المعارضة السورية المسلحة، او بالأحرى، 21 فصيلا من الجيش السوري الحر و"احرار الشام" خلف قيادة أبو محمد الجولاني، وبدعم من تركيا وقطر، وهؤلاء باتو بمثابة "المجاهدين" الجدد لمواجهة الجيش الروسي في سورية على غرار زملائهم في أفغانستان في الثمانيات. نحن الآن نشهد "صراع ارادات" بين القوتين العظميين روسيا وامريكا، الازمة الحالية تتضخم لأسباب عديدة، فطائرات أمريكية وأسترالية وبريطانية ودنماركية قصفت لقوات الجيش السوري في جبل "الثردة" المطل على مطار دير الزور، لمصلحة تعزيز قوات تنظيم "الدولة الإسلامية"، واشنطن إتهمت الطيران الروسي والسوري بضرب قوافل الإغاثة الأممية في حلب، وهي الاتهامات التي نفتها موسكو وفندتها بالحقائق المصورة، ومن بينها تحليق طائرة أمريكية بدون طيار فوق القافلة اثناء تفجيرها. في الازمة الأولى سنة 2013 تراجعت الإدارة الأمريكية، ولحس الرئيس أوباما خطوطه الحمراء امام التعزيزات البحرية الروسية قرب السواحل البحرية السورية، فهل يتكرر السيناريو نفسه في الازمة الثانية؟ ام يتصاعد التوتر وتنجرف المنطقة الى مواجهة بين البلدين؟ لا نملك الإجابة، والشخصان الوحيدان اللذان يملكانها هما الرئيس الأمريكي أوباما، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكن من يتابع ردود فعل حلفاء واشنطن الشرق اوسطيين يجد ان الطرفين الروسي والامريكي يأخذان الأمور الى "حافة الهاوية"، سياسيا وعسكريا. لم يكن من قبيل الصدفة في رأينا ان يعود وزراء خارجية تركيا وقطر وغيرهم الى تكرار القول، وبنبره قوية متزامنة واضحة، انه "لا مكان للرئيس السوري بشار الاسد في أي مستقبل لسوريا"، وهم الذين توقفوا عن ترديد هذه "النغمة" خلف المايسترو الأمريكي في الأشهر الأخيرة، فلا بد انهم استشعروا حدوث تغيير في الموقف الأمريكي تجاه الملف السوري املاه صقور وزارة الدفاع الامريكية "البنتاغون"، يتسم بالتصعيد والتشدد. قرار الحرب والسلام لا يتخذه الرئيس الأمريكي، وانما "المؤسسة الامريكية"، فالرؤساء يتغيرون، ودورهم شكلي تنفيذي، بينما "المؤسسة" لا تتغير، فعندما قررت هذه المؤسسة الدخول في اتفاق مع إيران حول طموحاتها النووية، صادق الكونغرس بالأغلبية المطلقة، وهو الكونغرس نفسه الذي صفق أعضاؤه وقوفا 46 مرة وبالإجماع، قبل عام وبضعة أشهر لبنيامين نتنياهو الذي جاء يحرضهم على التصويت ضد هذا الاتفاق، ودعم الجهود العسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. اتفاق الهدنة في سوريا جرى دفنه، واحتمالات بث الحياة فيه من جديد تبدو ضئيلة، ان لم تكن معدومة، الا إذا تنازل أحد الطرفين، أي الأمريكي والروسي عن مواقفه للآخر. لا أحد يريد الحرب في قمة قيادة القوتين العظميين في سوريا وعلى نطاق اوسع، او مواجهة مباشرة على الاصح، ولكننا "نشك" ان يقبل الرئيس بوتين إقامة منطقة حظر جوي توفر مظلة حماية للمعارضة المسلحة التي اتفق مع نظيره الأمريكي على اجتثاثها، كما اننا "نستغرب" في الوقت نفسه ان يقبل الرئيس أوباما و"مؤسسته" بتنفيذ اتفاق يحقق جميع المطالب الروسية والسورية او معظمها، بالقضاء على المعارضة السورية الفاعلة على الأرض في المواجهات مع قوات الجيش السوري، والذهاب الى طاولة المفاوضات دون ورقتها القوية هذه. الشيء المؤكد ان العودة الى الاتفاق بصورته القديمة التي جرى التوقيع عليه من قبل كل من كيري وسيرغي لافروف بعد مفاوضات ماراثونية باتت شبه مستحيلة والا لما شاهدنا موجة التصعيد الحالية. انه صراع ارادات.. يترافق مع تحشيد عسكري، تماما مثلما كان عليه الحال قبل ثلاث سنوات، والتغيير الوحيد هو في العنوان والذرائع وليس الجوهر، ونحن في انتظار من يتنازل أولا. صفقات مراكز رصد أوروبية وخاصة في برلين وباريس أشارت في تقارير لها أن تمكن الجيش السوري من حسم معركة حلب لصالحه سيعني وخلال أسابيع قليلة إلى إنهيار أغلب الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري، وبالتالي سيقوم جزء كبير من قيادات المعارضة السورية المدعومة من الغرب بالبحث عن تفاهم مع حكومة دمشق. وأشارت مصادر الرصد إلى أن هناك مفاوضات تجري سرا بين تنظيمات وقيادات ضمن من يوصفون بالمعارضة ودمشق عبر وسطاء للتوصل إلى تسويات وهذا ما تحذر منه المخابرات الأمريكية والبنتاغون وأطراف أخرى تقف في صف خصوم دمشق وتسعى لإتمام المخطط الذي وضعه المحافظون الجدد للشرق الأوسط الجديد. يوم الأربعاءن 21 سبتمبر نقلت وسائل إعلام دولية عن محلل سياسي أمريكي قوله إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما فقد السيطرة على مجموعة من ضباطه الكبار. وعزا المحلل التصعيد الأخير في سوريا إلى هذا السبب، موضحا "ما كان لأوباما أن يعطي أوامر بالهجوم على الجيش السوري في دير الزور، وذلك لأنه يخشى من صراع مباشر بين الولاياتالمتحدةوروسيا. لكن لا يجدر نسيان أن في أوساط الضباط الرفيعين يوجد أناس يحلمون بالتنافس بالعضلات مع روسيا". وقال المحلل إنه لا يستبعد أن يكون إطلاق العنان للعمليات العسكرية قد جرى من وراء ظهر أوباما، مضيفا "عامل القوة الثالثة في السياسة الأمريكية حاضر منذ عهد كندي". ومن جهة أخرى، صرح جاكوب روتشيلد، ممثل عائلة روتشيلد المعروفة بنفوذها وثرائها الأسطوريين والبالغ من العمر 80 عاما أن روسيا تنوي شن حرب كبرى في سوريا. وقال روتشيلد في هذا الصدد: "كل شيء يسير في اتجاه أن تبدأ في سوريا حرب كبيرة، تصريح الكرملين عن عدم جدوى الهدنة في سوريا يمكن أن يكون بداية استئناف العمليات العسكرية على نطاق واسع". وأضاف ممثل عائلة روتشيلد الشهيرة في تصريح لوسائل إعلام غربية أن "الولاياتالمتحدة لن تقدم تنازلات في النزاع السوري، وستتمسك حتى النهاية بمصالحها الجغرسياسية حتى إذا ظهرت حاجة لسيناريو عسكري". اليد العليا إذا صدقت التحليلات التي تتحدث عن تمرد بعض قادة الجيش الأمريكي على توجيهات البيت الأبيض، فإنه يوجد في نفس الوقت توجه سياسي قد ينطوي كذلك على مناورات من أجل التوصل إلى تسويات تمنع وقوع مواجهات كبرى بين موسكووواشنطن. يوم الأحد 25 سبتمبر وفي حديث مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية قال فواز جرجس، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، عن العلاقة بين الولاياتالمتحدةوروسيا وأثرها على اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا. قال جرجس: روسيا لديها اليد العليا عسكريا في سوريا، هذا هو ميزان القوة هناك، لأن الولاياتالمتحدة لم تستثمر فعلاً الكثير من القدرات الاستراتيجية في سوريا. ما نراه في سوريا في الثماني والأربعين ساعة الماضية هو استمرار لحرب ديمقراطية بطرق أخرى. المذيعة: هذا يعني أن روسيا كان لها دائما اليد العليا، ما هو أمل الولاياتالمتحدة لإنجاز أي شيء في سوريا؟ فواز جرجس: هذا هو السؤال المهم، الولاياتالمتحدة كانت تحاول استخدام روسيا كبطاقة ضغط ضد الرئيس والحكومة السورية. رغم أن أمريكا لا تمتلك أصولا عسكرية في سوريا فإنها وبالأخص جون كيري كان يأمل بأن روسيا ستمارس الضغط على بشار الأسد. لكن السؤال هو لم يجب على موسكو القيام بذلك؟ فروسيا تريد شيئا مقابل ذلك. نعرف أنه لا يوجد عمل تطوعي في العلاقات الدولية، روسيا تستخدم سوريا كبطاقة مساومة ضد الولاياتالمتحدة، فهي تريد تنازلات ليس في سوريا فقط وإنما في أوكرانيا والعقوبات المفروضة عليها وما إلى ذلك. ما يجب فهمه، وهذا ما أظنه وقد أكون مخطئا، ستعود واشنطنوموسكو إلى طاولة المفاوضات، فلا يوجد خيار آخر قابل للتطبيق، فكلا منهما لديه مصالح في سوريا وهذا النزاع قد يخرج عن السيطرة. الأمر يحدث فعلا، فهناك حروب بالوكالة وإرهابا دوليا وأزمة اللاجئين، لذا ما نراه في سوريا الآن هو أن روسيا والجيش السوري يبعثان برسائل إلى الولاياتالمتحدة خصوصا. السؤال هو ما هي الخيارات وأنواعها التي تمتلكها أمريكا؟ لا أعتقد أن هناك الكثير منها في الوقت الحالي. سباق إسرائيلي بينما تتخبط الإدارة الأمريكية في تحديد خيار واحد لدورها في الصراع على أرض الشام، تحاول إسرائيل تقليل النتائج السلبية التي ستمسها في حالة فشل مخططات واشنطن، وهكذا عادت الأوساط السياسية الصهيونية تتحدث عن مشروع قديم تم الكشف عنه سنة 2014 لدعم خصوم دمشق وإعادة إحتلال الجزء الذي حرره الجيش السوري من الجولان خلال حرب رمضان سنة 1973 وذلك تحت غطاء حماية المعارضة السورية. صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نقلت عن عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، كمال اللبواني ، قوله إن "الثوار على استعداد لتسليم مرتفعات الجولان كاملة إلى إسرائيل في مقابل الحصول على مساعدات عسكرية لاستخدامها ضد جيش الرئيس السوري بشار الأسد" ، مضيفا: "لماذا لم نكن قادرين على بيع مرتفعات الجولان، لأن هذا سيكون أفضل من فقدان الجولان وسورية معا". من جانب آخر وفي مؤشر على سباق تل أبيب مع الزمن لتحقيق أكبر مكاسب في بلاد الشام قبل حدوث تحولات سلبية لها، ذكرت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي يوم 25 سبتمبر 2016 أن المعارضة السورية ستسلم تل أبيب جثة الجاسوس الإسرائيلي ايلى كوهين، بعد تسليمها إسرائيل شريط الفيديو الذي يوثق اعتقال وإعدام الجاسوس الصهيوني الذي يعتبر بطلا قوميا لإسرائيل. وأضافت القناة أن إسرائيل ستستلم جثة جاسوسها بعد سنوات طويلة من الغياب، وبثت القناة فيلما قصيرا يوثق لحظة إعدام الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلى كوهين وسط العاصمة السورية دمشق. وبحسب موقع "فيلكا" الإخباري الإسرائيلي، اعتقل كوهين في بداية شهر يناير 1965، وبعد 4 أشهر ونصف من التحقيق تم إعدامه، وخلص الموقع العبري إلى القول إن إعدام أكبر عملاء إسرائيل أثار موجة كبيرة من الفعاليات التخليدية في شوارع إسرائيل، أماكن رياضية، بيوت دينية، أسماء شوارع وميادين، منتزهات عامة، مدارس، مخطوطات توراة وغيرها من الفعاليات تحمل اسم كوهين تخليدا له بعد إعدامه. المحلل الأمريكي جيمس روبين كتب في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي: ان هدف الحرب الامريكية الاسرائيلية ضد سوريا هو "حماية اسرائيل" وان "المرتزقة الذين تتولى رعايتهم الولاياتالمتحدة ليقاتلوا في سوريا يتلقون تدريباتهم في عدة دول. هذا فضلا عن القوات الخاصة البريطانية والفرنسية والقطرية والتركية التي توجد الآن بالفعل داخل سوريا". والهدف الحقيقي يتجاوز حدود سوريا ويرمي أساسا إلى تحقيق مجموعة أهداف ذات أبعاد إقليمية ودولية وتمكين إسرائيل من ممارسة سيطرة ونفوذ أكبر على الدول العربية المحيطة. عمر نجيب [email protected]