يسجل أن هناك إتفاق قد يعتبره البعض نادرا بين المحللين والملاحظين وكذلك بين أنصار وخصوم حكومة دمشق وحلفائهم الإقليميين والدوليين على اعتبار المعارك الدائرة في مدينة حلب منذ شهر يوليو 2016 محورية لتحديد المنتصر في الحرب المتعددة الأطراف وشبه الدولية الدائرة في هذا البلد منذ مارس 2011. المحلل العربي الفلسطيني كمال خلف لخص الوضع فقال: "أن ما يجري في حلب يمكن وصفه بحرب عالمية نظرا لإبعادها وتشابك المصالح الإقليمية والدولية فيها، هي معركة سحق إرادات، يدلل عليها حجم وضراوة المعارك الدائرة. هي مرآة للخلاف الروسي الأمريكي وهي كذلك مؤشر على قرار التصعيد الإقليمي من جانب القوى المتصارعة والمتنافسة على النفوذ. معركة حلب انعكاس للدور التركي الجديد، وقد تكون مناورة تركية للضغط على واشنطن التي تمتنع حتى اللحظة عن تسليم المتهم بتدبير الانقلاب العسكري في تركيا فتح الله غولن، معركة حلب هي شكل الحل السياسي وفرض الشروط على طاولة التفاوض بالنسبة للسوري، إذا كل الخيوط مرتبطة بنتائج المعركة في حلب. حجم الضخ الإعلامي لآلة الإعلام المساند لجبهة النصرة وحركة نور الدين الزنكي ناحرة الطفل الفلسطيني المريض قبل أيام وأخواتهما، تعكس أهمية النتائج ، تلك الآلة الإعلامية التي ساندت المتطرفين والناتو في ليبيا تحت شعار إزاحة الدكتاتور والحرية لليبيا، ومن ثم تركت هذا البلد تنهشه تلك العصابات وتبين أن كل الشعارات والحملات والدعم للناتو كان وراءه تصفية حساب شخصي مع القذافي، دون أي اعتبار لمآل هذا البلد المدمر المفتت. الآن يحدث في حلب وفي سوريا خلال سنوات الحرب السابقة ذات السيناريو بنفس الأدوات الإعلامية والخطاب وذات الهدف أن يرحل الأسد حتى لو كان البديل حركات تفاخر بقطع رأس طفل مريض أمام الكاميرات، وأخرى تريد إعادة سوريا إلى 1400 عام إلى الوراء. يوم كامل من الخطاب الإعلامي الموجه استخدمت فيه وسائل الإعلام المساندة للمجموعات المسلحة كل أنواع الحرب النفسية على أهالي حلب، ولنتذكر أن حلب بكاملها رفضت منذ بداية الأحداث في سوريا الانضمام إلى حالة التمرد و اختارت الاستقرار والهدوء، ولنتذكر أيضا أن هذه المجموعات المسلحة عندما سيطرت على أرياف حلب فككت معظم المعامل والمنشآت الصناعية التي حققت لسوريا اكتفاءا ذاتيا لعقود ونقلتها إلى تركيا". في خضم هذه الحملة الإعلامية الشرسة صد الجيش السوري وحلفاؤه هجوم يوم السبت كان الأعنف بعد خمس هجمات فاشلة هدفت لفك الطوق الذي فرضه عليها الجيش السوري في الأحياء الشرقية قاطعا خطوط تمويلها المفتوحة من تركيا، وبعد ذلك بساعات شنت الفصائل هجومها الأعنف بعشرات الانتحاريين العربات المفخخة وحققوا تقدما كبيرا وأعلنوا فك الحصار. ولكن هل انتهى الأمر وحسمت المعركة. لا نعتقد أن ما جرى يوم السبت هو نهاية المطاف، فإنهاء وجود هذه المجموعات في حلب هو قرار محور كامل وليس قرار طرف واحد، هو قرار صدر من موسكووواشنطنودمشق وبيروت مهما كان الثمن، ولهذا لا يمكن أن تكون معركة حلب العالمية قد أغلق بابها عند هذا التطور الأخير. المفاجئ بالنسبة لهذه الأطراف كان حجم قوة الفصائل المسلحة في حلب، بعد معارك الأيام الماضية في حلب لم نعد نتحدث عن جماعات مسلحة بمفهومها التقليدي، هذه الجماعات بإمكانيات وقدرات جيوش نظامية ولديها غرف عمليات متطورة، وتسليح متقدم ومتطور. بالإضافة إلى كتائب من الانتحاريين القادرين على الاقتحام السريع . تلك إمكانات وفرتها وصرفت عليها دول. مازلت تراهن حتى الآن هي وإعلامها على قلب المعادلة في سوريا". حلب 6000 سنة من التاريخ مدينة حلب ثاني أكبر مدن سوريا التي تعد واحدة من أقدم مدن العالم وتعود إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، مقسمة منذ العام 2012 بين أحياء شرقية وغربية تتقاتل قوات النظام والفصائل المعارضة فيها بشراسة. بعد ثلاثة اسابيع على فرض قوات الجيش السوري الحصار على احياء المدينة الشرقية، انقلبت المعادلة يوم السبت 6 أغسطس 2016 فاستلمت الفصائل المقاتلة والجهادية زمام المبادرة ولم تتمكن حسب بياناتها من فك الحصار فحسب، بل قطعت ايضا آخر طرق الإمداد إلى الأحياء الغربية فأصبحت هذه الأحياء عمليا محاصرة من قبل القوات المعارضة. وأعلن مقاتلون من ائتلاف لجماعات معارضة من بينها جبهة الشام التي كانت سابقا جبهة النصرة ذات الصلة بتنظيم القاعدة بداية مرحلة جديدة لتحرير حلب بالكامل متعهدين بزيادة عدد المقاتلين في المعركة التي قالوا إنها لن تنتهي إلا برفع علمهم على قلعة حلب القديمة التي مازالت تحت سيطرة قوات الحكومة. وربما تغير مكاسب الفصائل المسلحة في الثلث الأول من شهر أغسطس ميزان القوى في حلب خاصة بعد أن قال الرئيس السوري بشار الأسد إن حصار القوات الحكومية والقوات الحليفة في أوائل شهر يوليو للمناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في شرق حلب سيكون مقدمة لاستعادة المدينة. وستمثل خسارة المعارضة لحلب ضربة قوية لها. وصرح قيادي فيما سمي ائتلاف الجماعات المعارضة المعتدلة في حلب يدعى أبو الحسنين لوكالة رويترز "بسطنا سيطرتنا على كل حي الراموسة.. ونحن في خنادقنا وتنفذ ضدنا الآن غارات جنونية لم نشهدها من قبل"مشيرا لاستخدام قنابل"عنقودية وفراغية". ونفت وسائل إعلام رسمية سورية كسر الحصار فيما أشار معلقون أوروبيون إلى أن بعض مقاطع الفيديو التي نشرتها الفصائل المسلحة عن تقدمها تعود لسنوات خلت. ونشرت صفحات تابعة ل "جيش الفتح" وجبهة "فتح الشام" صورا قالت أنها من داخل كلية المدفعية في حلب عقب السيطرة عليها، ليتبين بعدها أن الصور تعود لأواخر عام 2013 وهي لمستودعات مهين العسكرية في ريف مدينة حمص. مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية صرح إن الوضع غامض بصورة تحول دون التعليق عليه. ويبدو من التقارير بشأن القتال العنيف والضربات الجوية في هذه المنطقة أن أي ممر ربما يتم فتحه الآن لن يكون آمنا بالدرجة الكافية. وقللت قنوات إخبارية موالية للحكومة السورية من مكاسب المعارضة وقالت إن جهود الجيش السوري أجبرت المعارضة على الانسحاب من بعض المناطق التي كانت سيطرت عليها في الآونة الأخيرة. قناة الميادين الإخبارية اللبنانية الموالية للحكومة السورية ذكرت من جانبها مساء السبت 6 أغسطس إن الجيش السوري انسحب من عدد من المواقع في جنوب غرب حلب وأعاد تمركزه في خطوط دفاعية جديدة. ويسعى مسلحو التنظيمات المعادية لدمشق لاختراق شريط ضيق من الأرض يخضع لسيطرة الحكومة من أجل إعادة الربط بين المناطق التي تسيطر على قواتها في غرب سوريا من ناحية وقطاعهم المحاصر في شرق حلب من جهة أخرى وهو ما يعني عمليا كسر الحصار. معادلة محلل عسكري متخصص في شأن الصراع الدولي الدائر على أرض الشام كتب: معركة إثر أخرى تُثبت "جبهة حلب" مركزيتها. ومع عدم التقليل من شأن معظم الجبهات المفتوحة على امتداد الجغرافيا السورية، بات من المسلم به أن ل"عاصمة الشمال" ثقلا استثنائيا. وبات معلوما أن تمكن أحد الأطراف من حسم المشهد الحلبي سيكفل له فرض إيقاعه على المراحل التالية من الحرب بشقيها العسكري والسياسي. لم تكن هذه المعادلة خافية على أي من اللاعبين في الملف السوري منذ حطت الحرب رحالها في العاصمة الاقتصادية للبلاد قبل أربعة أعوام. وتفسر هذه المسلمة استماتة معسكري النزاع الأساسيين في صراع "الطوق" الذي بدأ التخطيط له فعليا قبل قرابة عامين، وانطلقت آخر جولاته قبل أكثر من شهرين. وكما كان تطويق الجيش السوري وحلفائه للجزء الشرقي من المدينة عملية شاقة ومعقدة، فإن تقويض "الطوق" برمته وضرب "طوق" معاكس يبدو على أرض الواقع هدفا أكبر بكثير من مجرد معركة. من هذه الزاوية يبدو توصيف ما حققته المجموعات المسلحة خلال الأيام الأخيرة على أنه قلب جذري لمسار الطوق ضربا من المبالغة. لكن ذلك لا يعني في الوقت نفسه التقليل من شأن "الإنجاز" الذي تشاركت في تحقيقه سبع وعشرون مجموعة مسلحة تشكل التنظيمات "الجهاديّة" عمودها الفقري وبدعم مفتوحٍ من الداعمين التقليديين. وذهبت بعض المصادر "الجهادية" إلى الحديث عن مشاركة زهاء عشرة آلاف مقاتل في معارك حلب الأخيرة. وتشكل السيطرة على كتل متراصة من المباني العسكرية حدثا بارزا في حد ذاتها. وكان من شأن هذا "الإنجاز" أن يقلب الموازين رأسا على عقب لو أن المجموعات المسلحة قد تمكنت من تحقيقه قبل أسبوعين من الآن، وهو رغم تأخره ما زال كفيلا بتعقيد المشهد الحلبي من جديد في حال نجاح المجموعات في تثبيت السيطرة. ويأتي العامل الزمني على رأس جملة ملاحظات بارزة تفرض نفسها في شأن تطورات المشهد الحلبي. ورغم ميل بعض القراءات إلى ربط تأخر الداعمين في منح المجموعات المسلحة الضوء الأخضر وكل ما تستلزمه معارك مماثلة لمعارك الراموسة بإقدام "جبهة النصرة" التي غيرت اسمها إلى "فتح الشام" على خطوة "فك الارتباط"، غير أن هذا التفسير سيفقد قيمته أمام الدور الذي لعبه "الحزب الإسلامي التركستاني" في المعارك المذكورة، وأمام التبني الكامل الذي يحظى به من واشنطن رغم تصنيفه إرهابيا على كل اللوائح العالمية. ومن المرجح أن "التوازنات" الدولية التي حكمت الحرب في حلب على امتداد السنوات المنصرمة قد عادت لتطل برأسها بعد الانعطافة التي فرضها الجيش وحلفاؤه إبان ضرب الحصار على الجزء الشرقي من المدينة. كذلك، ينبغي النظر بعين الاعتبار إلى الأسلوب الذي اتبعته المجموعات "الجهادية" وحلفاؤها في معارك الراموسة وما سبقها، وهو أسلوب اتسم ب"حرفية ملحوظة". ستالينغراد ثانية موسكو حليفة دمشق وسندها العسكري الأكبر منذ سبتمبر 2015، تشبه في وسائل إعلامها معركة حلب بمعركة ستالينغراد التي استمرت حوالي 6 أشهر بين 21 أغسطس 1942 و 2 فبراير 1943، وأدت إلى تحول في مسار الحرب العالمية الثانية لصالح الكرملين، حيث تمكن الجيش السوفيتي من حصار 250 ألف جندي ألماني من قوات الجيش السادس والفيلق 4 التابع للجيش الرابع مدرع وحسم المعركة. خبراء عسكريون في برلين وباريس أشاروا إلى أن العسكريين السوريين والروس قد يسعون لتكرار سيناريو ستالينغراد في حلب، ذلك أن استقدام الفصائل الجهادية وغيرها جزء كبيرا من مقاتليها إلى جبهة المدينة سيمنح الطيران الحربي الروسي فرصة لتركيز ضرباته على هذه الحشود وربما تطويقها بالقوات البرية السورية بشكل كامل ثم تصفيتها. كتب المحلل والصحفي عبد الباري عطوان يوم 5 أغسطس 2016: لا نعتقد ان المحلل الروسي الاستراتيجي فلاديمير لبيخين كان مبالغا، عندما وصف معارك مدينة حلب المستعرة حاليا بأنها مماثلة لمعركة ستالينغراد التي غيرت مصير الحرب العالمية الثانية، وجسد الصمود الروسي فيها بداية انهيار الجيش الالماني، وهزيمته في نهاية المطاف. الحرب في حلب ستغير نتائجها مستقبل سوريا والمنطقة العربية بأسرها، لانها مسألة حياة او موت للاطراف المتقاتلة على ارضها، والهزيمة تعني بداية الانهيار، ان لم يكن الانهيار كله، ولهذا بلغت الحشود العسكرية ذروتها على الجبهات كافة. لم يكن من قبيل الصدفة ان يحدد رمزي عز الدين، مساعد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي زار دمشق قبل بضعة ايام، والتقى وليد المعلم وزير الخارجية السوري، الاول من سبتمبر 2016 كموعد لاستئناف مفاوضات جنيف بين وفد الحكومة السورية ووفود المعارضة، وكأن لسان حاله، ومن خلفه على الاصح، يقول للتحالف الروسي السوري ان امامكم اربعة اسابيع كاملة لانهاء المعارضة وقواتها في منطقة حلب واريافها، فسارعوا بإنهاء المهمة. كان من المفترض ان يكون اول اغسطس بدء تطبيق المرحلة الانتقالية، ومدتها ستة اشهر، على ان تبدأ الانتخابات البرلمانية والرئاسية، واعداد دستور جديد في غضون 18 شهرا، ولكن لا يوجد اي مؤشر على ان خريطة الطريق التي توصلت اليها مجموعة دعم سوريا، سترى نور التطبيق العملي في المستقبل المنظور. رهان المعارضة السورية المسلحة على امريكا، واوروبا، ودول الخليج، وتركيا، لكسب الحرب في حلب او غيرها واسقاط النظام في دمشق يثبت يوما بعد يوم انه ليس رهانا كاسبا. اسقاط المعارضة السورية مروحية روسية فوق ادلب لصاروخ حراري، وقتل ملاحيها الخمسة، وسحلهم، ورفض تسليم جثامينهم، ربما يحدث انقلابا كبيرا، ونقطة تحول رئيسية في حرب الشمال السوري، الأمر الذي يذكر بما حدث لتركيا ورئيسها، رجب طيب اردوغان، عندما أسقطت دفاعاته الجوية طائرة سوخوي روسية قرب الحدود السورية في نوفمير 2015، وادى هذا الاسقاط الى حدوث تحول كبير في الموقف التركي في الملف السوري، بعد املاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروطه القاسية للمصالحة مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان، ولم يجد الاخير اي خيار آخر غير القبول. حديث اشتون كارتر وزير الدفاع الامريكي عن الاستعدادات لفتح الجبهة السورية الجنوبية، اي في منطقة درعا وجوارها، بمساعدة عربية، وربما يكون ايحاءا او تسليما مسبقا بخسارة حلب، وادلب، وجسر الشغور، ولكن من الصعب احياء هذه الجبهة، التي تعتبر البوابة الرئيسية للعاصمة دمشق والتي تقع على بعد 90 كيلومترا فقط منها، في حال سيطرت قوات الجيش العربي السوري والحلفاء وحزب الله والروس على مدينة حلب، لان هذا يعني تورطا عربيا مباشرا، وربما جر إسرائيل الى الحرب السورية ايضا". مناورات واشنطن تؤكد مصادر في برلين وباريس، أن واشنطن ورغم إدراكها أن التدخل العسكري الروسي لمساندة دمشق قد سد الطريق في وقت حرج أمام تنفيذ مخططاتها في سوريا، فإنها ولإسباب عديدة لا تريد إحداث تصعيد علني في مواجهتها مع روسيا على أرض الشام حتى تحمى على الأقل سمعتها الدولية إذا نجحت موسكو بشكل كامل، وفي نفس الوقت لا تتوقف واشنطن عن بذل جهود كبيرة لتحويل مسار الحرب لصالحها. يوم السبت 6 أغسطس 2016 ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن النجاحات التي يحققها الجيش السوري تعطي روسيا اليد العليا في الحرب بالوكالة في بلاد الشام. وأشارت الصحيفة، في تقرير نشرته، إلى "الإخفاق الذي كان يعانيه الجيش السوري، عام 2015"، لافتة إلى أن "الآلاف من مقاتلي مختلف فصائل المعارضة كانوا يدخلون مناطق تعتبر لفترة طويلة معقلاً للحكومة". وذكرت أن هذا التقدم الذي أحزره مقاتلو المعارضة في حينها كان "بمساعدة جهات، من بينها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ودول إقليمية، التي أمدت المعارضة بصواريخ قوية مضادة للدبابات والطائرات". بناءً عليه، أشارت "نيويورك تايمز" إلى أن تلك التطورات "دفعت وكالات الاستخبارات في واشنطن إلى التنبّؤ بأن الرئيس بشار الأسد يخسر سيطرته على السلطة"، ولكنها لفتت إلى أن "التدخل العسكري الروسي المباشر الذي بدأ في سبتمبر 2015، دفع هذه الفصائل إلى التراجع". وأوضحت الصحيفة أنه "على مدى سنوات، تعاونت وكالة الاستخبارات الأمريكية مع وكالات تجسّس من عدد من الدول العربية، في جهود تسليح وتدريب المعارضة السورية في قواعد مختلفة، وذلك فضلاً عن تمويل خليجي لمعظم هذه العمليات". وفيما رأت الصحيفة أن كفة القوات النظامية التي تدعمها روسيا هي الأكثر ترجيحا اليوم، نقلت عن الباحث في مركز "وودرو ويلسون، مايكل كوفمان، قوله إن «روسيا انتصرت في الحرب بالوكالة في سوريا، على الأقل حتى الآن". أسلحة بمئات ملايين الدولارات صحيفة الغارديان البريطانية كشفت في نفس التوقيت تقريبا عن حجم الدعم العسكري الذي قدمته الدول الغربية وحلفاؤها للتنظيمات المسلحة في سوريا حيث قالت: أقرت دول أوروبا الشرقية صفقة لبيع أسلحة بأكثر من مليار يورو، مع الدول التي تشحن أسلحة إلى سوريا، بحسب تقرير "الغارديان" الاستقصائي، الذي قام به عدد من مراسليها. وقال التقرير إن آلاف الأسلحة النارية، مثل رشاشات الكلاشينكوف، وقذائف الهاون وقاذفات الصواريخ وقطع المدفعية والرشاشات الثقيلة توجه في خط أسلحة جديد من البلقان إلى شبه الجزيرة العربية، والدول التي تحد سوريا. وتدور الشكوك أن معظم هذه الأسلحة ترسل إلى سوريا، لتشعل الحرب الدائرة هناك، بحسب ما نقلت "الغارديان" عن مراسلين في "شبكة الصحفيين الاستقصائيين البلقان"، و"مشروع استقصاء الفساد والجريمة المنظمة". وبتحليل بيانات الأممالمتحدة، وتعقب الطائرات وعقود الأسلحة وبيانات تصدر الأسلحة، على مدى عام، استطاع الصحفيون معرفة كيفية إرسال الأسلحة شرقا من البوسنة وبلغاريا وكرواتيا والتشيك ومونتينيغرو وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا، منذ عام 2012، بصفقات تصل إلى 1200 مليون يورو، إلى أسواق سلاح في دول الخليج وتركيا. وتستخدم هذه الأسلحة، بحسب ما تظهر مقاطع الفيديو من قبل الجيش السوري الحر، لكن بعضها موجود بأيدي بعض التنظيمات المتطرفة، مثل جبهة "أنصار الشام" الموالية لجبهة النصرة، سابقا، وتنظيم الدولة، وفصائل تقاتل ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وأخرى وجدت في اليمن، من بينها أسلحة حديثة أنتجت في عام 2015. وفتح هذا الخط، بحسب تقرير "الغارديان" في عام 2012، عندما حملت عشرات طائرات الشحن، المحملة بأسلحة وذخيرة ترجع للحقبة اليوغسلافية، واشترتها دول خليجية، من حدود "زغرب" إلى دول مجاورة لسوريا ومن هناك إلى الذين يقاتلون الجيش السوري. أوباما وحرب سوريا الرئيس الأمريكي أوباما قدم مؤخرا إعترافا ضمنيا عن مدى تورط بلاده في حرب بلاد الشام، فقد اعتبر في كلمة ألقاها بشأن الصعوبات التي واجهها في البيت الأبيض، أن الحرب السورية والاجتماعات التي عقدت بشأن الأزمة السورية هي التي "شيبته". وقال أوباما يوم الخميس 4 أغسطس في مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماعه بمجلس الأمن القومي والقادة العسكريين في وزارة الدفاع الأمريكية،"أنا واثق تماما بأن القسم الأكبر من الشيب في رأسي، بسبب الاجتماعات التي عقدتها بشأن سوريا".... "ولم يمر اجتماع بشأن سوريا إلا بنهايته نفكر دائما إن كانت هناك خطط بديلة لم تخطر على بالنا لوضع حل للحرب في سوريا، واحلال السلام". الواضح للعديد من مصادر الرصد أن واشنطن تبذل جهدا كبيرا لوقف تقدم الجيش السوري وهي تأمل أن تفيدها عمليات الإختراق الإخيرة للتنظيمات المسلحة في حلب لإقناع دمشق والكرملين بعدم جدوى البحث حن حسم عسكري. يوم 6 أغسطس 2016 جاء في تقرير لوكالة رويترز: قال مسؤولون أمريكيون إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ما زال يسعى لاتفاق مع روسيا بشأن التعاون العسكري رغم حدوث انتكاسات كبيرة في الآونة الأخيرة ورغم تشكك مسؤولين آخرين في الإدارة الأمريكية وحلفاء لواشنطن. وقال جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يوم الجمعة في رد بالبريد الإلكتروني على أسئلة لرويترز "نرى أن هذا النهج ما زال يستحق السعي... لكن يبقى أن نرى إن كنا سنستطيع خوضه". ويسعى كيري وراء اقتراح يضع تصورا لإحياء اتفاق وقف الاقتتال ويؤسس مركزا يتبادل البلدان من خلاله معلومات المخابرات اللازمة لشن الضربات الجوية الموجهة ومنع سلاح الجو السوري من مهاجمة مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم الولاياتالمتحدة. وتواصل الطائرات الحربية السورية والروسية قصف مقاتلي المعارضة الذين يهاجمون المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في مدينة حلب. وذكر كيربي الذي أشار إلى أن كيري تحدث إلى نظيره الروسي سيرجي لافروف هاتفيا يوم الجمعة "نحن قلقون للغاية بشأن الوضع في حلب وأوضحنا هذا القلق للمسؤولين الروس". ورغم أن كيري يشارك مسؤولين آخرين التشكك في الروس وفقا لما قاله عدد من المسؤولين الأمريكيين الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم فإنه يؤمن بضرورة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة في حال تسنى إقناع الروس بالمساعدة على وقف العنف في سوريا الذي دخل عامه الخامس. ويدعم الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسعى كيري لكنه عبر أيضا عن مخاوفه يوم الخميس إزاء التزام روسيا بوقف العنف قائلا إنه يفهم تماما دوافع روسيا وإنها ستخضع للاختبار. وصرح أوباما للصحفيين بعد اجتماعه مع فريق الأمن القومي في وزارة الدفاع (البنتاجون) "لست متأكدا إن كان بإمكاننا الوثوق في الروس وفلاديمير بوتين." وأضاف "يجب أن نختبر ما إذا كان بمقدورنا التوصل إلى وقف فعلي للاقتتال يشمل وقف القصف الجوي". وذكر مسؤول أمريكي كبير طالبا عدم ذكر اسمه إن أسئلة طرحت خلال الاجتماع في البنتاغون عن تصديق كلام روسيا. وأضاف لرويترز "كان هناك اعتراف بأننا لم ولن نصدق كلام الروس... وإذا مضى هذا الأمر قدما فيجب أن نتأكد من أنه يصب في صالح وقف الاقتتال". وأضاف "الاختبار هو التحقق من استعداد روسيا بالفعل لاستخدام نفوذها على نظام الأسد لمراقبة وقف الاقتتال والإسهام في نهاية المطاف في العملية السياسية". لكن مسؤولا أمريكيا ثانيا قال إن معركة حلب تطغى حاليا على التقدم في المحادثات. وأفاد المسؤول الأمريكي الثاني إن عاملا كبيرا آخر يتمثل في أن جبهة فتح الشام التي كانت حتى الأسبوع الماضي تعرف باسم جبهة النصرة تقود جهود كسر حصار الحكومة لشمال حلب الخاضع لسيطرة المعارضة وامتزج مقاتلوها مع مقاتلي جماعات معارضة أخرى. الكرملين وكشف الدور الأمريكي في رد على المناورات الأمريكية انتقدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية يوم 5 اغسطس، بحدة تحركات الولاياتالمتحدة في سوريا، متهمة إياها بدعم فصائل من المعارضة قامت باستخدام الغازات السامة ضد المدنيين قرب حلب، وبقتل المئات من المدنيين في ضربات جوية. وجهت وزارة الخارجية الروسية انتقادات حادة لتحركات الولاياتالمتحدة في سوريا، ووصفت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا المقاتلين الذين تدعمهم واشنطن بأنهم "مجرمون"، وقالت إن الولاياتالمتحدة وحلفاءها ينفذون هجمات جوية متهورة تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين. وتسلط تصريحات زاخاروفا القوية التي جاءت في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي الضوء على الخلافات العميقة بين موسكووواشنطن بشأن سوريا. وانتقدت زاخاروفا الولاياتالمتحدة فيما يتصل بواقعة قال الجيش الروسي إنها حدثت في الثاني من أغسطس في شرق حلب، حين استخدم مقاتلون معارضون الغاز السام، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل. وألقت باللوم على جماعة نور الدين الزنكي التابعة للجيش السوري الحر فيما وصفتها بأنها جريمة. وفي شهر يوليو، قالت الجماعة نفسها التي تلقى دعما عسكريا أمريكيا إنها تحقق في قطع رأس طفل صغير في حلب بعد انتشار مقطع فيديو يظهر فيه رجل يقتل الطفل، قال نشطاء إنه عضو بالجماعة. وكتبت زاخاروفا "الولاياتالمتحدة تدعم هؤلاء المجرمين الذين استخدموا الغاز السام ضد المدنيين". وأضافت "للأسف ليست هذه هي الفاجعة الوحيدة التي يقف وراءها المعتدلون الذين تدعمهم واشنطن". واتهمت القوات الجوية الأمريكية بقصف الأجزاء المأهولة من منبج بشمال سوريا بلا اكتراث. وأضافت "الولاياتالمتحدة وقوات سوريا الديمقراطية لا تتخذان أي خطوات لتحذير الناس لتفادي سقوط وفيات" مضيفة أن طائرات الولاياتالمتحدة والتحالف قتلت المئات وأصابت الآلاف من المدنيين وفقا "لتقديرات متحفظة". وتحدثت أيضا عن واقعة في 28 يوليو قالت إن ضربات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة قتلت خلالها 28 شخصا بينهم سبعة أطفال، في هجمات على قرية الغندور في ريف منبج الشمالي. وقال الجيش الأمريكي الشهر الماضي إنه يحقق في الأمر كما حدث في عمليات سابقة غير أن الأمر ينتهي عادة بدون نتائج عملية أو إدانات جدية. وكتبت زاخاروفا "إذا فعل زملاؤنا الغربيون وعلى رأسهم واشنطن كل ما هو ممكن مجددا لتجاهل تلك الحقائق، فإن أي حديث من جانبهم عن وقف إراقة الدماء في سوريا سيكون مثيرا للضحك". بعد بيانات زاخاروفا بأربع وعشرين ساعة، اعتبر دبلوماسي روسي يوم الجمعة 6 أغسطس أن على الولاياتالمتحدة التصرف ب"نزاهة" و"مسؤولية" اذا ارادت اعادة الثقة للعلاقات مع روسيا، وذلك ردا على الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي قال انه لا يثق بنظيره الروسي فلاديمير بوتين لحل الازمة السورية. وقال نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف لوكالة انباء تاس الرسمية "لا يمكن استعادة الثقة في العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة الا اذا تعامل زملاؤنا في واشنطن بصدق ومسؤولية مع كامل جدول اعمال العلاقات الثنائية بين موسكووواشنطن". واعتبر ان "الولاياتالمتحدة، في حوارها معنا حول المسائل السورية، لا تتصرف احيانا كما يفعل الشركاء، ولا تزال بعيدة عن اظهار استعداد للتفاوض على اساس من المساواة". وكان اوباما قد صرح يوم الخميس انه غير واثق بأن بوتين يريد التعاون مع الولاياتالمتحدة لحل النزاع الدائر في سوريا. واضاف "ربما تكون روسيا غير قادرة على الوصول الى ذلك، اما لأنها لا تريد ذلك واما لانها لا تمتلك نفوذا كافيا على الرئيس السوري بشار الاسد. وهذا ما سنقوم بتقييمه". يشار إلى أن صحيفة "إيزفيستيا" الروسية نشرت يوم 5 أغسطس مقالا بقلم الباحث في القضايا السياسية فياتشيسلاف ماتوزوف حول مطالبة واشنطنموسكو بوقف الهجوم على العصابات الإرهابية في سوريا. جاء في المقال: أعلن وزير خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري قبل أيام أن العمليات التي تقوم بها موسكوودمشق في سوريا تثير القلق. وقال: "من الضروري جدا أن تمتنع روسيا وتمنع نظام الأسد من القيام بعمليات هجومية". ويجب القول إن هذه ليست هي المرة الأولى التي يطلق فيها كيري تصريحات من هذا النوع. إذ ما إن تظهر بوادر تعرض "جبهة النصرة" والمجموعات المرتبطة بها لخسائر، حتى نسمع فورا أصواتا غاضبة من السياسيين الأمريكيين ومراقبي حقوق الإنسان، متهمة القوات الجو فضائية الروسية أحيانا والقوات السورية أحيانا أخرى بقتل المدنيين وقصف المستشفيات وغيرها من الانتهاكات لحقوق المدنيين". ولقد تعلموا في روسيا، كيف يستمعون إلى هذا "الصراخ" بهدوء. فهدف هذه الهستيريا هو عدم السماح بالقضاء التام على المجموعات الإرهابية في سوريا، حيث نلاحظ اليوم وضعا غريبا: الجيش السوري يحاصر المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون في حلب، ويمنعهم من توسيع نفوذهم. في هذه الأثناء، نسمع أصواتا تطالب بوقف الضربات. عمر نجيب [email protected]