غريب كيف أن زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، المرشحة لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر ماي القادم، غيرت في الآونة الأخيرة من أسلوبها السياسي، وأصبحت متوازنة في تصريحاتها، لا تتهجم كالمعتاد على الأجانب والمسلمين بل تعدهم بإصلاحات تصب في مصلحتهم. ففي خطابها الانتخابي الأخير الذي أخذ "صيغة ديغولية"، دافعت مارين لوبان عمن سمتهم "بالفرنسيين الصغار" وتعهدت بمحاربة "الفقر الكبير" الذي أصبح يهدد الفرنسيين الذين يعانون من "الضرائب المرتفعة". كما انتقدت كعادتها الاتحاد الأوروبي الذي "يتدخل في شؤون فرنسا ويمس بسيادتها" على حد قولها. وتحسبا للمعركة الانتخابية، دعت أيضا جميع الفرنسيين مهما كانت "اختلافاتهم الشخصية" و"حساسياتهم السياسية" إلى الوحدة تحت راية"الجبهة الوطنية"، مشيرة إلى أنه سيتم إنشاء "لجنة استراتيجية" من أجل تسيير الحملة الانتحابية تتكون من مسئولين سياسيين داخل الحزب وخارجه للنظر في المشاكل العديدة التي يعانون منها واقتراح حلول بناءة وواقعية. وفي وقت اختار فيه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، زعيم حزر "الجمهوريون" النقاش حول ثلاث قضايا حساسة وهي الإسلام والهوية الفرنسية والهجرة، تحاول زعيمة الجبهة الوطنية أن تلبس بذلة التسامح والاعتدال لكي تقنع الفرنسيين بأنها قادرة اليوم على تولي أكبر مسئولية في هرم السلطة وهو منصب الرئيس. وكان القرار الأول الذي اتخذته مارين لوبان هو تعيين دفيد راشلين عمدة مدينة فريجيس مديرا لحملتها الانتخابية، وهو أصغر عضو في مجلس الشيوخ الفرنسي (29 سنة) ومن أكثر المقربين لها ومن الذين يحضون بثقتها الكاملة. وبدأ راشلين نضاله السياسي في صفوف الجبهة الوطنية وعمره لم يتجاوز 15 سنة. وبالرغم من أنه ينحدر من عائلة يهودية عانت من المحرقة النازية التي كانت محل انتقادات وتصريحات معادية من طرف المؤسس التاريخي للجبهة الوطنية، جان ماري لوبن، إلا أنه يعتبر من المساندين الأقوياء لمارين لوبان والمعجبين بأسلوبها السياسي، إضافة إلى أنه يحظى بشعبية جيدة داخل الحزب ومقبول من قبل جميع الحساسيات المتواجدة فيه. وكشفت مارين لوبان خلال خطابها الانتخابي الأخير بمناسبة ترشيحها رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية، عن الشعار الجديد الذي سيتبناه الحزب وهو "باسم الشعب" عوضا عن شعار سابق"من أجل فرنسا متماسكة" والذي يذكر بالشعار الذي اعتمده والدها جان ماري لوبان خلال حملته الانتخابية سنة 1988 "لوبان والشعب". وفي انتظار معرفة هوية المرشح الذي سيخوض غمار الانتخابات الرئاسية باسم الحزب الاشتراكي وحزب "الجمهوريون" اليميني تواصل مارين لوبان إجراء تعديلات بداخل الحزب بهدف جمع شمله، خاصة وأنها باتت مقتنعة تماما بأنها ستكون حاضرة في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو 2017. وفيما تحاول مارين لوبن تلطيف لهجتها تجاه الهجرة والأجانب بشكل عام، يعتمد المرشح المحتمل نيكولا ساركوزي، كما قال الأسبوع الماضي في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو"، أجندة محافظة حيث يعارض حق التصويت للأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي ويضع قيودا على الهجرة، ساعيا لتعزيز قاعدته الانتخابية وحتى استمالة ناخبي اليمين المتطرف. ورغم تدني شعبيته، يعرب فريقه عن ثقته بان جاذبية شخصيته ستمكنه من تحقيق تقدم سريع على منافسيه. ويمكن أن يقال الكثير عن ساركوزي وفق موقع النظر إليه من جهة اليمينيين أو اليساريين. لكن الكل تقريبا يعترف بطريقة أو بأخرى بأنه شخصية قوية وطموحة إلى أبعد الحدود. وهذا الطموح جلب لها عداوات كثيرة من لدن اليساريين الذين يصفونه بأنها ليبرالي "انتهازي" بلا حدود، فيما يركز أنصاره على إلمامه ومعرفته العميقة بشؤون السياسة والحكم. وقد تميزت سياسته الداخلية أثناء فترة رئاسته بتشديد الخناق على الهجرة التي يعتبرها السبب الرئيسي لكل مشاكل فرنسا. وبنى قناعته السياسية على المواضيع التي تستقطب اليمين المتطرف، مثل تشجيع الهجرة الانتقائية، وتشديد إجراءات التجمع العائلي. وإذا كانت معظم الاستطلاعات تؤكد عدم ارتياح الفرنسيين لأدائه السياسي، فإن نفس الاستطلاعات قد تشكل أيضا فرصة له لاسترجاع حضوره والبزوغ من جديد وبقوة على الساحة، علما أن عدة تجارب سابقة أثبت قدرته الفائقة على قلب الموازين لصالحه. إلى حين ذلك يواصل التقليل من شأن استطلاعات الرأي بالقول "لا أعتقد أنه حين تكون استطلاعات الرأي جيدة يكون كل شيء على ما يرام، وحين تكون سيئة، كل شيء يسير على غير ما يرام. هدف رجل السياسة هو أن يعمل على كل الجبهات ليحرك فرنسا ويحقق نتائج".