منذ سنة 2014 أحال الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب على لجنة الداخلية مقترح قانون يتعلق بإنجاز ونشر استطلاعات الرأي الخاص بالاستفتاءات والانتخابات في المغرب، وهذا الموضوع كان دائما موضوع تنبيه من حزب الاستقلال بخصوص خطورة ترك فراغ قانوني يهم موضوعا على قدر كبير من الأهمية، لأنه من جهة يؤثر على اختيارات الناخبين، ومن جهة أخرى يساهم في صنع توجهات لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، أو في أسوء الأحوال تكون مضامين وخلاصات إستطلاعات الرأي، غطاءا ومبررا لخريطة سياسية توضع على المقاس. في كل الدول الديمقراطية هناك إطار قانوني واضح لضبط عمليات استطلاع الرأي و إحاطتها بكل الضمانات التي تعزز مصداقيتها، كما توضع الآليات لحماية الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الأمنية من أي تجاوزات في توظيف هذه الاستطلاعات، بل إن حتى الدول التي يوجد فيها إطار قانوني ومؤسسات عريقة لإجراء إستطلاعات الرأي، تعرف نقاشا حول مصداقية تلك الاستطلاعات، إذ يتم تعداد أخطائها المنهجية والتي تحوم حولها شكوك، حيث هناك احتمالات أن تكون تلك الأخطاء مقصودة للتأثير على النتائج، وقد عرفت فرنسا هذا النوع من النقاش بمناسبة الانتخابات البلدية التي شهدتها. القرار الأخير لوزارة الداخلية يجب أن لا يخفي الحاجة إلى إعتماد إطار قانوني يوضح طبيعة المؤسسات التي لها حق إجراء إستطلاعات الرأي وتشكيل لجنة وطنية لتتبع ومراقبة مدى احترام هذه المؤسسات للضوابط القانونية. مقترح الفريق الاستقلالي بمجلس النواب حدد الأهداف من وراء تقنين عمليا إستطلاع الرأي، في سد الفراغ التشريعي وضبط المراحل والعناصر المتصلة بالعملية وإحداث لجنة وطنية تتولى مهام المراقبة، وكذا إعمال عقوبات في حال مخالفة المقتضيات القانونية. يتضمن مقترح القانون 16 مادة، حيث نصت المادة الاولى على أن مقتضيات القانون" تسري على كل ما يتعلق بإنجاز ونشر وبث اي استطلاع للرأي في المواضيع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والقانونية والدينية" ، ونص في مادته الثالثة على أنه "لا يمكن إنجازها الا من طرف مؤسسات متخصصة ومعتمدة حسب القوانين الجاري بها العمل". وجاءت المادة الرابعة من مقترح القانون للتفصيل في بيانات وإسم وصفة المؤسسة والأشخاص المستجوبين وتواريخ وأمكنة الاستجوابات، كما تودِع الملف لدى اللجنة الوطنية شهرا على الأقل قبل إنجاز استطلاع الرأي. وتنص المادة السابعة من ذات المقترح انه "يمنع نشر أوبث أو أي تعقيب على نتائج كل استطلاع للرأي داخل الشهر الذي يسبق يوم التصويت المحدد لإجراء أية عملية انتخابية"، مثلما "يمنع استعمال نتائج كل استطلاع للرأي خلال الحملة الانتخابية سواء في الخطابات الانتخابية او الوثائق المعدة للتوزيع او من خلال المواقع الإلكترونية"طبقا للمادة الثامنة. و حددت المادة التاسعة مهام اللجنة الوطنية في التأكد من موضوعية وحياد ونزاهة أي استطلاع للرأي في المواضيع التي حددها القانون، وتتكون اللجنة من قاض من الدرجة الاستثنائية يعينه رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وقاض من نفس الدرجة يعينه رئيس المجلس الأعلى للحسابات، وعضوين يمثلان المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري والمجلس الأعلى العلمي، وعضوين من جامعة محمد الخامس متخصصين في العلوم السياسية، وعضوين من مديرية الإحصاء وعضو من المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي متخصصين في مادة المعاينة. وتَعتبر المادة الحادية عشرة "باطلا وغير قابل للنشر أو البث كل استطلاع للرأي يتم إنجازه خلافا لمقتضيات هذا القانون" و" تأمر اللجنة المؤسسات المنجزة والناشرة لكل استطلاع للرأي يكون فيه خرق للمقتضيات القانونية بنشر توضيحات تصحيحية بشأنه" وفقا للمادة الثانية عشرة. وحددت المادة الرابعة عشرة العقوبات التي تترتب على مخالفة مقتضيات القانون، حيث أكدت على أنه "يعاقب بالحبس من 6 أشهر الى سنة وبغرامة مالية من 100 ألف الى 300 ألف درهم كل مخالفة للمقتضيات"، كما نص القانون على أنه "يحق لكل متضرر من إنجاز ونشر أي استطلاع للرأي أن ينصب نفسه طرفا مدنيا للمطالبة بتنفيذ وتطبيق هذا القانون. كما يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي يعتبر نفسه متضررا من أي استطلاع للرأي أن يقدم دعوى قضائية لأجل تطبيق هذا القانون والمطالبة بالتعويض المدني طبقا لأحكام المسطرة المدنية" ( المادة الخامسة عشرة). هل كان ضروريا أن نضيع كل هذا الوقت، ونعيد العمل بالمذكرات والبلاغات، في الوقت الذي كان بإمكان بلادنا أن يكون لها قانون واضح ينظم عمليات إستطلاع الرأي، بشكل يحمي بالدرجة الأولى العملية الديمقراطية والتي يجب حمايتها من جوانب عدة لا يشكل فيها موضوع إستطلاعات الرأي سوى رأس جبل الجليد... [email protected]