استطاعت الفنانة التشكيلية سعاد بياض، بفضل حسها الفني، وما راكمته من تجارب في المجال منذ تكوينها وتخرجها من مدرسة الفنون الجميلة بالدارالبيضاء سنة 1998، أن تسلط الضوء على موضوع لازال يحظى باهتمام المجتمع الدولي، ويتعلق الأمر بقضية الهجرة السرية عبر "قوارب الموت" في عرض مياه البحر، من خلال تناولها لتداعيات الموضوع بمقاربات تشكيلية، استحضرت بها ما يخلفه ذلك من كوارث اجتماعية وسياسية، نتيجة معاناة الإنسان الذي تدفعه ظروف الحرب، والفقر، والطغيان، والمجاعة إلى مقارعة أمواج البحر في سبيل معانقة ضفة أخرى تكون بمثابة مكان للعيش في سلام وأمان. وقد استلهمت التشكيلية سعاد بياض عمل لوحاتها الفنية والإبداعية التي عرضت مؤخرا برواق "المزار" بمراكش، تحت عنوان "ليل المحيط"، انطلاقا من استحضار فاجعة غرق باخرة تسمى"radeau de la meduse" في عرض السواحل الموريتانية سنة 1816، والتي راح ضحيتها أزيد من 160 بحارا، كان قاسمهم المشترك محاولة إنقاذ أنفسهم من الغرق، والعبور نحو ضفة أكثر أمانا، قبل أن يلقوا حتفهم جميعا وسط البحر، ومن تم فقد أثارت التشكيلية بياض، "تراجيديا" غرق قوارب "الموت" التي تلفظ الأجساد البشرية، وتجعلها مثل قناديل البحر التي تسبح هنا وهناك، دون إرادتها بفعل قوة الأمواج، مجسدة معاناة الأجساد البشرية باستعمالها واختيار ألوان متناسقة تعبر عن حجم المأساة، مما أعطى للوحاتها بعدا فلسفيا يعيد مساءلة الضمير الإنساني، عن مواقفه ومدى شعوره بجسامة وهول هذه الكوارث التي تزهق العديد من الأرواح بشكل مثير للغاية. وقالت سعاد بياض، إن عمل لوحاتها التشكيلية، في بعده الفني والثقافي، يجسد بكل جلاء التعبير عن حجم المآسي والمعاناة، اللتان يتعرض لهما الإنسان عند محاولته المغامرة بحياته عبر ركوب قوارب "الموت" بالبحر في غفلة من الجميع، دون إدراك العواقب الوخيمة لهذه المغامرة، موضحة أنها تسعى إلى إعادة عرض لوحاتها المرتبطة بالموضوع في معارض دولية، إسهاما منها في التحسيس بخطورة الموقف، خاصة في ظل ما تتناوله وكالات الأنباء الدولية والقنوات الفضائية من أخبار سيئة بشكل شبه يومي، عن وقوع فواجع وحوادث غرق مئات المهاجرين من نساء وأطفال ورجال بسواحل البحر الأبيض المتوسط، بسبب هروبهم من بؤر الحرب في سوريا، وغياب الاستقرار الأمني والسياسي ببعض الدول الأخرى. ويشار إلى أن المعرض"ليل المحيط"، الذي اختتمت فعالياته يوم السبت الماضي برواق "المزار" بالمدينة الحمراء مراكش، شكل فرصة مواتية للزوار المغاربة، والسياح الأجانب في اكتشاف ما تحمله لوحات التشكيلية المذكورة، التي سبق أن شاركت في العديد من المعارض داخل المغرب وخارجه، ولقيت أعمالها استحسانا كبيرا، بالنظر إلى ما تحمله من رسائل، وأبعاد إبداعية، ذات معان صادقة في التعبير عن الشعور الإنساني حول بعض القضايا المشتركة بين شعوب العالم .