المعارضة: السيادة الصناعية "شعارات"    مشروع قانون المالية 2025.. لقجع يتحدث عن إعفاء الأجور التي تقل عن 6000 درهم من الضريبة    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة    القضاء يدين المالكي ب4 أشهر حبسا نافذا.. والبراءة من "كراهية الأمازيغ"    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس        المؤامرة الجزائرية الجديدة.. زعزعة استقرار موريتانيا ومالي لتحقيق الوصول إلى الأطلسي    رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    بشكل مفجع.. وفاة طالب بين مدينتي العرائش والقصر الكبير تحت عجلات حافلة للنقل العمومي    حملات تحسيسية بالشمال بمخاطر تلويث الموارد المائية بمخلفات الزيتون.. وغرامات تنتظر المخالفين تصل ل50 مليونا    أكادير تحتضن تخطيط "الأسد الإفريقي"    "برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب    قيمة رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المُصادق عليها بلغت 140 مليار درهم مابين ماي 2023 ونونبر 2024 (أخنوش)    بعد 20 عاماً من الغياب.. لمريني يشرف على أول حصة تدريبية على رأس الإدارة الفنية لهلال الناظور    المدور: المغرب من الدول السباقة في مقاربة محاربة الفساد وحقوق الإنسان        بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    وضع الناشط المناهض للتطبيع إسماعيل الغزاوي رهن تدابير الحراسة النظرية    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    درك أزمور يحبط محاولة للهجرة السرية    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    محاولة اغتيال وزير العدل الكندي السابق الداعم لإسرائيل    من حزب إداري إلى حزب متغول    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»        أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    تسجيلات متداولة تضع اليوتيوبر "ولد الشينوية" في ورطة    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التناقضات التي تعج بها البرامج والمناهج التعليمية سببها فقدان البوصلة وعلامات التيه تسيطر على تعليمنا.. بقلم // د.محمد سلمي
نشر في العلم يوم 24 - 02 - 2016

من الإشكالات الكبرى في التعليم المغربي، الفوضى العارمة التي تبدو مهيمنة على البرامج والمناهج. فعدم وضوح الأهداف والغايات، يؤثر بشكل كبير على التصورات الموجهة لهذه البرامج والمناهج. فمضامين المقررات الدراسية التي تتوخى الوزراة من وضعها –باعتبارها الجهة الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم- تحقيق الأهداف والغايات الموجهة لسياسة وفلسفة التعليم تعكس إلى حد كبير هذه الفوضى التي تعود أسبابها إلى غياب إرادة سياسية صادقة في النهوض بالتعليم ببلادنا. كما تعكس هذه الفوضى الارتجالية وملامح الاختلالات التي تهيمن عموما على السياسة العامة وعلى التعليم بصفة خاصة منذ أمد بعيد. ومما يمكن رصده كأسباب مفسرة لمظاهر العجز في هذه البرامج والمناهج:
1/ الكم على حساب الكيف:
قرابة عشرين مادة تعليمية في السنة لبعض المستويات، دفاتر وكتب في محفظة يضاهي وزنها وزن حاملها، أربع إلى ست لغات ولهجات، ثلاثة خطوط للكتابة (الخط العربي واللاتينيي، وتيفيناغ)، ومنازل تتحول إلى مدارس بالليل وفي أوقات العطل، وخارج أوقات الدراسة الرسمية، يأتيها الأساتذة من جميع التخصصات، وأخرى لا تمتلك من الإمكانيات المادية ما تسدد به تكليف أجرة هذه الطواقم الرتبوية المتعاقبة، ينشغل فيها الآباء بمرافقة الأبناء إلى دكاكين المراجعة والدعم المدرسي. جهود مضنية وأوقات وأعمار وأموال تبذل بسخاء....لكن بعد هذه الجعجعة العظمى لا تكاد ترى طحينا، إلا طحين أوراق تمائم الغش أيام الامتحانات.
هل من الضروري أن نلزم التلاميذ منذ الأقسام الأولى بكل هذه المواد الدراسية؟ وهل تنتظم كل هذه المواد المدرسية ضمن تصور معين لتحقيق أهداف معينة؟ ألا يمكن تخفيف هذا الكم، والتركيز على الأهم؟ ماذا نريد أن يتعلمه التلميذ بعد نهاية كل سلك من أسلاك التعليم؟ إذا كان التلميذ أمازيغيا، ألزم منذ ولوجه المدرسة أن يتعلم اللغة العربية بالخط العربي والعامية المغربية (الدارجة) ليتواصل بها مع أستاذه غير الأمازيغي، واللغة الفرنسية والإنجليزية بالخط اللاتيني، والأمازيغية المعيارية (أمازيغية المعهد الملكي) بخط تيفيناغ إضافة إلى أمازيغية أجداده. فهل تتيح الطرق والمناهج والبرامج المعتمدة لتدريس هذا الكم من اللغات واللهجات وهذه الخطوط أن يجيد التلميذ هذه اللغات؟ وأن يعتمدها وعاء ووسيلة لأخذ العلوم والمعارف المختلفة؟ ألا يشكل هذا التنوع عرقلة تحول دون بلوغ النبوغ والتفوق في إتقان اللغة لذاتها، وإتقان العلوم والمعارف المختلفة؟ ألا تشكل هذه التشعبات في اللغات والمواد تشتيتا لذهن الطفل، وإضعافا لقدرته على التركيز في عمق المعارف عوض الحوم حول الشكل الذي تحول ست لغات وثلاثة خطوط دون إدراكه، خاصة بالنسبة للتلاميذ المتوسطين ومن دونهم؟ وهذه المحفظة التي تقصم ظهر حاملها؟ أليس في البلاد عقول تبتكر وسائل وطرق للتخفيف من وزنها؟
2/ الحسابات السياسوية:
دأبت النخب السياسية المغربية على تبادل اللوم وتحميل بعضها البعض مسؤولية فشل التعليم، فبعدما كانت أصابع الاتهام إلى من تحمل المسؤولية بعيد الحماية، أتى على البلاد حين من الدهر تعاقبت فيه على هذه الحقيبة الوزارية تيارات مختلفة، فتفرق دم التلاميذ الضحايا، ودم التعليم الذي أهدر بين الأحزاب وتياراتها الإيديولوجية. ولم يستطع حزب من هذه الأحزاب أن يصوغ المنظومة التعليمية وفق تصوره، بل ظلت الإكراهات المختلفة حاضرة على الدوام. فتجد بصمة الحزب حاضرة وتوجهه الإيديولوجي ، لكن بشكل ممسوخ وسط فسيفساء من التوجهات والاختيارات والمصالح المتضاربة. ولا يحتاج الدارس إلى خبرة كبيرة ليدرك هذا المسخ، كما يدرك ذلك أيضا في العنصر البشري، فأقسام معينة ومديريات، كما الشأن بالنسبة لوزارات بأكملها تحولت إلى ضيعات لفلان وعلان، أو لحزب من الأحزاب. فتجد قبيلة الوزير، وعشيرته، والأبناء قد استحوذوا على الوظائف وكأن الأمر يتعلق بمقاولة عائلية. إننا في حاجة إلى روح وطنية حقة.
3/ فئران المختبر:
يعاقب القانون على الأخطاء الطبية لأنها تمس السلامة البدنية للإنسان، ويعاقب على اختلاس المال العام، لأن في ذلك مسا بالحقوق الإقتصادية للشعوب والأمم، لكن الأخطاء المرتكبة في التعليم بالمغرب أكبر من الأخطاء الطبية ومن اختلاس أموال الشعب، ومن التلاعب بالعقارات والأراضي والمناجم وغيرها من خيرات هذا البلد. إنها الجناية على الإنسان في كليته ووجوده، وحاضره ومستقبله، وفي هذا السياق يقول تشارلز ديكنز :"نسمع أحيانا الكلام عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذي شوه أحد ألأعضاء بدلا من شفائه. ولكن ماذا يقال في مئات العقول التي شوهتها إلى الأبد الحماقات الحقيرة التي ادعت تكوينها"
4/ الاستعمار في نسخته الذكية:
رحلت الجيوش الاستعمارية إلا ما كان من حملات غزو، أو مناورات "مشتركة" بنية "تبادل" الخبرات، ورحلت الطواقم الإدارية بعدما رسمت الخطة وحددت على العموم هوامش التحرك والاجتهاد، وأصبح الاستعمار في نسخته الذكية يقتضي امتلاك القدرة على التحكم عن بعد، عبر نخب تسهر على تنفيذ التعليمات الأجنبية بوفاء وولاء. فاللغة الفرنسية في التعليم المغربي، والتعريب غير المكتمل، والترجمة الناقصة، وازداوجية المقررات في التعليم الخصوصي...وعرقلة التعليم الإسلامي الخصوصي....مؤشرات دالة على أننا في فترة النسخة الذكية للاستعمار. فمتى تستقل إرادتنا لنضع البرامج والمناهج وفق مصلحتنا لاوفق إرادة غيرنا؟ إن في فسيفساء البرامج والمناهج التعليمية بالمغرب تجد كل شيء إلا إرادة الشعب المغربي المسلم. فليس للأب ولا للأم الحق في تربية وتعليم أبنائهما التربية والتعليم الذي يريدانه، بل التعليم الذي تفرضه وزارة يعد فيها الوزير نفسه مجرد موظف أحيانا كثيرة، خاصة إذا كانت له نية التغيير في اتجاه تحقيق هذه الإرادة التي تعد في البلدان الديمقراطية حقا من حقوق الإنسان تكفله المواثيق الدولية.
5/ التناقضات المهلكة:
في فيزيولوجيا الكائنات الحية، إذا اختلطت الأصول المتباينة نتج عنها نوع هجين، وإذا عدلت الصفات الجينية لكائن خرج عن أصله.وإذا خرج التعديل عن حد مقبول أصبح الكائن ممسوخا. أما على مستوى التربية والتعليم، فإننا نلمس كثيرا من مظاهر فقدان البوصلة، وعلامات التيه بسبب استفحال التناقضات التي تعج بها البرامج والمنهاج التعليمية. وما حجم وعمق التقلبات والإصلاحات والتغييرات إلا دليلا على هذه التناقضات التي لا يصلحها التغيير بل يضيف لها في كل مرة أنواعا أخرى. فإلى متى نواصل السير في هذا النفق؟
**أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.