سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
+أية آفاق لمراجعة برنامج التربية الدينية؟ المقررات الدراسية المبرمجة في مادة التربية الإسلامية اليوم، تفتح المجال للمدرسين بترهيب التلاميذ وإدخالهم في دوامة التحريمات.. بقلم // سعيد الكحل
تأتي توجيهات الملك في وقت استفحلت فيه دعاوى التطرف وتغلغلت في المدرسة العمومية . وأعتقد أن الملك تفاعل إيجابيا مع إعلان مراكش والتوصيات التي وضعها أمام الحكام العرب والمسلمين ، والتي تروم مراجعة المناهج والمقررات الدراسية والقطع مع الاجتهادات الفقهية المحرضة على الغلو والتكفير والكراهية (المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية إلى القيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لأخلال الثقافة المأزومة التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن، وتمزق وحدة المجتمعات). فالأنظمة العربية/الإسلامية لا تقوى على خوض تجربة الاجتهاد خارج الموروث الثقافي الذي يأسر العقول ويحجز تطور المجتمعات وانفتاحها على قيم العصر وثقافته . وإذا ما حاولت الأنظمة الاقتراب من الخطاب الديني ، ظلت محاولاتها محتشمة لأنها تستفيد من الظروف التي يؤطرها الخطاب الديني المتحجر ، وليس في مصلحتها تحرير العقول . فبعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية ، عرفت مقررات التربية الإسلامية تغييرا بسيطا بحذف التحريض على تطبيق الحدود والذي لا يختلف كلية عما تفعله داعش وكل التنظيمات الإرهابية من رجم الزناة وقتل المرتد ، علما أنها عقوبات بشعة لم يرد لها أثر في كتاب الله تعالى . والدليل على تغلغل هذه العقائد الترهيبية في كل المؤسسات التعليمية على مختلف درجاتها ، أن المجلس العلمي الأعلى أفتى بقتل المرتد ضدا على منطوق القرآن الكريم وأحكامه ( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) وضدا على بنود الدستور الذي يقر بصيانة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا . لقد تحولت المؤسسات الدينية ومقررات التربية الإسلامية مصدرا للتطرف ولعقائده التخريبية حتى إن الطلبة المتخرجين من هذه المؤسسات والشعب الدينية ،هم في غالبيتهم يحملون نفس عقائد داعش ويتطلعون إلى تطبيقها . بل إن أعدادا من مدرسي مادة التربية الإسلامية التحقوا بداعش . فالمقررات الدراسية المبرمجة في مادة التربية الإسلامية تفتح المجال للمدرسين بترهيب التلاميذ وإدخالهم في دوامة التحريمات مثل تحريم الموسيقى وتحريم الاختلاط وتحريم سلام التلميذات على زملائهن أو محادثتهم أو الجلوس بجانبهم في الطاولات حتى إن أغلبية المدرسين يفصلون الإناث عن الذكور داخل الفصول الدراسية وحتى المدرجات في الكليات المغربية . فلم يعد التلاميذ في مأمن من عقائد التطرف والتحريض على الكراهية داخل المؤسسات ، وقد اشتكى كثير من الآباء من غلو أبنائهم تأثرا بما يتلقونه في المدارس على أيدي مدرسي مادة التربية الإسلامية . وقد تناولت المواقع الاجتماعية حوادث شاذة لكنها تنتشر تدريجيا في المدارس مثل إجبار عدد من الأساتذة تلاميذهم وتلميذاتهم على ارتداء زي معين والتنقيط على أساس الالتزام بما يعتبرونه "لباسا شرعيا" حتى إن الآباء اضطروا لتنقيل بناتهم . كل هذا يحدث داخل المؤسسات التعليمية الرسمية دون أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي رغم ارتفاع الأصوات المنددة بهذه الممارسات المشينة والترهيبية . من هنا ، فتوجيهات الملك تكتسب أهميتها في حماية أبنائنا ومؤسساتنا من التطرف والغلو . ولا يمكن لهذه الخطوة الهام أن تأتي أكلها وتحقق أهدافها إلا بتطبيق القانون في حق كل المدرسين الذين يحولون الحجرات الدراسية إلى مقرات للتأطير والتحريض على الكراهية . والأمر لا يقتصر فقط على المدارس العمومية والخاصة ، بل يتوجب أن يسري على الجامعات وعلى الإذاعات الخاصة التي بات عدد منها اشد خطورة من المدارس على عقول المواطنين . فلا بد من مراقبة البرامج الدينية مراقبة صارمة ومعاقبة الشيوخ والفقهاء الذي ينفثون سموم التطرف والكراهية على أمواج هذه الإذاعات. إن خطوة الملك في اتجاه مراجعة المقررات الدراسية للتربية الدينية ، خطوة مهمة لأنها كسرت الحاجز الذي يضعه "حراس العقيدة" ويتحصنون داخله حتى يبقى موضوع الخطاب الديني حكرا عليهم ؛ لكن هذه الخطوة الملكية لن يكون لها أثر حقيقي في الواقع إلا إذا رافقتها وهيئت لها إجراءات إدارية وقانونية ضرورة ،أهمها: 1 تشكيل هيئة خبراء مكلفة بوضع البرامج تضم كافة التخصصات من مختلف الحقول المعرفية ولا تكون لممثلي القطاع الديني سلطة القرار أو الأفضلية عن بقية ممثلي التخصصات العلمية والمعرفية والحقوقية . 2 دعم عمل الهيئة بإجراءات قانونية وإدارية تتصدى لكل مقاومة من التيار الديني الذي غزا المؤسسات التعليمة وبات مستحكما فيها . 3 إخضاع البرامج الدينية التي تبثها الإذاعات الخاصة لمراقبة صارمة تلتزم بما تخرج به الهيئة المكلفة بمراجعة الخطاب الديني ومضامين المقررات الدراسية من توصيات وقرارات ، مع اتخاذ عقوبات حازمة ضد أي خرق للالتزام أو تحايل عليه . فهذه الإذاعات لا تقل خطورة الخطاب الديني الذي تروج له عن خطورة المقررات الدراسية في تنميط الفكر ومناهضة القيم السامية وتعاليم الإسلام السمحة التي تميز بها الشعب المغربي وطبعت ، كما جاء في توجيهات الملك ( عاداته وتقاليده العريقة، القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر). ++أستاذ باحث في الحركات الاسلامية