حمدا لله أن مرت الأمور بسلام ليلة رأس العام.. فقد كنا خلال الأيام التي سبقته مأخوذين بخطاب أمني مشحون يتحدث عن حالة استنفار قصوى وعن تشديد المراقبة خاصة أمام الكنائس والسفارات والقنصليات والملاهي والاقامات الفاخرة»، وغير ذلك مما جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا وتوجسا من امكانية وقوع عملية إرهابية تنكأ فينا جراحاً لم تندمل بعد، وطبعا نتفق جميعاً مع ما ذهبت إليه الجهات الأمنية لمواجهة مناسبة رأس السنة.. فالحكم هو التوقع.. ومن واجب الأمن أن يتوقع الأسوأ ويترصد له قبل أن تقع، الفأس على الرأس. في الدارالبيضاء كما في جل المدن المغربية وجدت العناصر الأمنية نفسها في مواجهة ظاهرة أخرى مألوفة إسمها «العربدة». سكارى ومخنثون وعاهرات ولصوص ومخدرات وحوادث سير واشتباكات وحروب صغيرة تنتهي في مخافر الشرطة.. وواضح أن مظاهر العربدة هذه قد تطورت بدورها ونجحت في استقطاب نسبة مهمة من العنصر السنوي، وفرضت على أصحاب الحانات والعلب والملاهي توظيف حراس غلاظ شداد ومتخصصين أيضا في رصد أي زبون أفلس ليلقوا به إلى الخارج لدعم جحافل المعربدين في الشارع. ربّ قائل يقول إن ما يحدث هو حالة استثنائية تظهر بالمناسبة وتختفي بانتهاء المناسبة، وأن أكثر دول العالم تعرف مثل هذه المظاهر. صحيح، لكن في هذه الحالة سنصبح كالغراب الذي أراد يقلد الحمامة في مشيتها فنسي مشيته الأصلية. لأن ما يحدث لا عهد لنا به، ولا يدخل في خانة وأعراف تقاليدنا،، وإنما جاء مع موجة الانفتاح السلبي والاستلاب وانهيار القيم. قرأت عن الفتاة التي اعتقلها أمن الدارالبيضاء ليلة رأس السنة وهي في حالة سكر طافح حين قالت لمن اعتقلوها: «كان أولى بكم أن تذهبوا إلى غزة لقتل المعتدين الاسرائليين عوض أن تتعقبونا لتحرموننا من أرزاقنا». هي تكسب رزقها من العربدة والفساد، والأمن يقوم بواجبه فيعتقلها،، وبين هذا وذاك تظل حقيقة الأمر ملتبسة غائبة وعميقة الجذور.