سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
*لماذا أصبح جل تلامذتنا يستخفون بالمجتمع المدرسي ومكوناته؟ +تلامذتنا يحتاجون إلى آذان صاغية ونوادي إنصات وإلى تعلم مهارات الحياة وليس الشحن والتلقين.. بقلم // ذ. فاطمة الزهراء بوشرمو
المغرب هو وطننا ونعتز بانتمائنا إليه، لكن على المسؤولين وخاصة في مجال مهم كمجال التربية والتعليم ان يعيدوا حساباتهم في اختيار مقومات صحيحة و آليات فعالة لإشباع تعطش أبنائنا الى تعليم جيد ومقومات التفكير السليم والنقدي، وحمايته من هذه السلوكيات الانفعالية والتي قد تتطور إلى سلوكات أكثر تطرفا في العنف . تعليمنا بالطريقة إياها يخرج عاطلين وهو ما يدفع أصحاب النيات السيئة والمتربصين بشبابنا إلى استغلال هذه النقطة وإغرائهم وخصوصا الذين يعانون من الفقر وضيق الحال نتيجة أوضاعهم الاجتماعية ، يعانون من البطالة نتيجة عدم تشغيلهم وهدر حقوقهم كمواطنين، يعانون من اليأس و الاحباط نتيجة سلسلة من القرارات الوزارية التي لا تخضع لأي منطق . قرارات تحمل في طياتها فقدان كل الأمل في تحقيق أحلامهم المستقبلية؛ ما يزيد من سخطهم وتمردهم ونفورهم من هذا الوطن الذي بسبب فشل السياسة التعليمية والمرتجلة لم يحظوا فيه بأدنى مؤشر يوحي لهم بضمان حياة كريمة. ما أخطه صادر من قلب مواطنة مغربية غيورة على وطنها، استفزتها طبيعة هذه الأوضاع المزرية الاجتماعية والاقتصادية والتي ترد في كثير منها إلى فشل النموذج التعليمي والاصلاحات التربوية المتتالية، فأصبحت خائفة على أبنائها وتلاميذها من أخطبوط "داعش" وأمثاله من "المتخفلين عقليا"، وكل هذا صادر من تجربتي الخاصة كمدرسة . مهنتي هذه تجعلني أحتك يوميا بشباب، اقرأ في عيونهم من مناقشتي معهم ما يخفونه من معاناة من شبح اليأس الذي يطاردهم وخوفهم على مستقبلهم المجهول في ظل ما يسمعونه بين الفينة والأخرى من قرارات وزارية لا مشجعة على متابعة الدراسة ولا على المواظبة ، وكون التلميذ الحائط القصير الذي يدفع ثمن الاصلاح التربوي ، وكيف تحول تلامذتنا الى حقول تجارب للوزارء المتعاقبين على قطاع التربية والتكوين ؟ إحباط لم يقتصر فقط على الفئات الشابة البالغة ، بل طالت تلاميذ ان لم أقل أطفال لم يتجاوز مستواهم الدراسي الاعدادي بل الابتدائي، إحباط يترجمونه في سلوكياتهم داخل المدرسة بل داخل الفصل نفسه. سلوكيات إن دلت على شيء إنما تدل على مدى استخفافهم بالمدرسة وبالمدرسين والمدرسات وكذا المناهج التعليمية. فألاحظ يوميا كمدرسة ومن خلال مهنتي هذه، أن بعض التلاميذ أن لم أقل جلهم يحملون أعراض أمراض نفسية خطيرة مترجمة في سلوكياتهم العنيفة: -عنف لفظي في حواراتهم، عنف سلوكي في تخريبهم للتجهيزات المدرسية ,مع العلم أنهم هم المستفيدين منها ، عنف أخلاقي في كتابة كلام تستعظمه الأذن ويندى له الجبين على الجدران والطاولات والسبورة .... يجب وبكل حزم ومسؤولية الاهتمام بهؤلاء التلاميذ وبالذات في هذه المرحلة العمرية الحرجة، لمعالجة وتقويم هذه الحالات النفسية، وهنا لا أنسى أن أشير إلى أن مدارسنا بل مناهجنا التعليمية في أمس الحاجة إلى البعد الثقافي القيمي... لا أعرف كيف تم الاستغناء عليها وتهميشها ، أو بالأحرى مادة وجب إدماجها ضمن مناهجنا التعليمية ومنذ مستوى دراسي جد مبكر .هذه المادة هي "علم النفس"التي كان من المفروض أن يستفيد منها أولا كل مدرس ومدرسة حتى يكونوا في مستوى القدرة على إفراز هذه الحالات داخل الفصل ، وبالتالي اكتساب المهارة البيداغوجية للتعامل معها وعرضها على مختصين في الميدان لمعالجتها، وهنا بيت القصيد: لماذا هذه السلوكيات؟لماذا هذا الاستياء من المدرسة؟لماذا هذا العزوف عنها ؟ لماذا هذا التمرد والاستخفاف بكل العناصر السابقة الذكر والتي هي بمثابة القنطرة الأساسية للوصول لبر الأمان؟ إنها أسئلة وغيرها كثير جوابها يقتضي دراسة الحالات المعنية وتفعيل وجود المساعد الاجتماعي والنفسي داخل مؤسساتنا التعليمية للحفاظ على ناشئتنا .... يجب الاهتمام بهؤلاء التلاميذ قبل فوات الأوان؛ فالتلميذ الذي لا نعير له اهتماما بجدية الآن ونتجاوز تكسيره لنوافذ الّمدرسة وأشياء أخرى لا يمكن أن نحمله غدا المسؤولية فيما يمكن أن يقع.... .لذلك وجب على المسؤولين على قطاع التربية والتعليم عصب المجتمع، القيام بإصلاحات جذرية وحقيقية لتجاوز الوضع فهؤلاء هن نساء الغد وهم رجال المستقبل الذي نراهن عليه....فهل من منصت ومبادر لتحصين أبناءنا من كل الانزلاقات و المخاطر؟ بتعليم عمومي جيد مجاني يهتم بالإنسان ولا شيء غير الاستثمار في الانسان، يجب أن نحمي أطفالنا من العقد النفسية ، ومن هشاشة الثقة بالنفس، والعمل على إكسابهم وإرضاعهم المناعة ضد كل ما يمكن آن يحرف سلوكياتهم ويخدر عقولهم، ويجعلهم بالتالي طعما سهلا في طبق من ذهب لكل من هب ودب. لماذا إهمال أصحاب الشأن خصوصا المدرسين من المشاركة الفعلية في الإصلاح؟ ولماذا نسيانهم في الندوات والبرامج الإعلامية ، فهم القادرون على رصد كل الاختلالات المبكرة التي من شانها إعاقة كل نمو عقلي طبيعي عند أطفالنا اليوم وشبابنا الغد، لأنهم أناس ميدان وخبرة بالعمل الدؤوب والمضني ، وليسوا كمكاتب الدراسات الاجنبية والكراسي الأثيرة. تلامذتنا يحتاجون إلى آذان صاغية ونوادي إنصات ، يحتاجون إلى تعلم بناء صحيح لا يقتصر على إعطاء المقررات مقابل أجر، بل تعليم مهارات الحياة و مقررات بمتابعة مسؤولة تحمل في طياتها توعية مستمرة وترسيخ روح المواطنة الحقة في كل تلميذ وتلميذة ، شبابنا محتاج لتلقيحات ضد كل الفيروسات التي قد تفسد عقولهم وتعفنها. اناشدكم أيها المسؤولين أن لا تتنازعوا على الكراسي وتتنافسوا على المناصب فقط، لكن استبعدوا أنانيتكم ولا تستسلموا لها ، فقد تنسيكم حماية هذا الوطن الذي بدونه وبدون ضمان أمنه فاعلموا أنه لا وجود للمناصب ولا للكراسي ولا حتى للوجود نفسه. ++أستاذة وفاعلة جمعوية- نيابة القنيطرة