اختتمت مساء السبت الماضي أنشطة الدورة الخامسة عشرة للمهرجان الدولي للفيلم التي نظمت بإحكام في أجواء أمنية جد متشددة وغير مسبوقة، وتم خلال حفل الاختتام الذي كان هذه السنة فاقدا للحرارة المعهودة فيه الإعلان عن نتائج المسابقة الخاصة بأفلام سينما المدارس التي فاز بها الشاب رضا الجاي من استوديو M بالدار البيضاء، وتم فيه أيضا الإعلان عن نتائج مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي جاءت هذه السنة مفاجئة بشكلها و مضمونها ، إذ اختار رئيس لجنة التحكيم ، المخرج و المنتج الأمريكي المشهور فرانسيس فورد كوبولا، أن يكشف في بداية الحفل عن الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى (النجمة الذهبية) و ليس في نهايته كما هو معتاد في جل المهرجانات الدولية و غير الدولية ، و قد تم منحها ، في أجواء باردة، لشريط "فيلم كثير كبير" من إنتاج مشترك بين لبنان و قطر، و هو فيلم متقن و مثير و ساخر فعلا ، و جيد على مستوى القصة و السيناريو و التشخيص، و لكنه لا يصل إلى مستوى أفلام أخرى كانت أقوى منه كثيرا كثيرا بنوعية الأفكار و المواضيع و عمق معالجتها و بنائها الدرامي، و بلمساتها السينمائية الممتعة التي تجعل المشاهد يفرق بين الأسلوب التلفزيوني و الأسلوب السينمائي، أذكر من بين هذه الأفلام الجيدة على سبيل المثال و ليس الحصر الفيلم الدانماركي "مفتاح بيت المرأة"، و الفيلم الإسلندي الدانماركي "الجبل البكر" " (العملاق الخجول) الذي فاز بطله (الممثل غونار جونسون) عن جدارة و استحقاق بجائزة أحسن دور رجالي. جائزة أحسن دور نسائي التي فازت بها بطلة الفيلم البلجيكي الفرنسي السويسري "كييبر" كانت تستحقها ممثلات أخريات ، و نفس الشيء بالنسبة لجائزة الإخراج التي كانت هي أيضا تستحقها أفلام أخرى أقوى من الفيلم الفائز بها "ثور النيون" من إنتاج مشترك بين البرازيل و هولندا و الأوروغواي. المفاجأة الثانية التي أقدم عليها رئيس لجنة التحكيم تتجلى في منح جائزة لجنة التحكيم لكل الأفلام المشاركة في المسابقة باستثناء الفيلم الذي فاز بالجائزة الكبرى لتصبح بذلك كل الأفلام المشاركة في هذه الدورة متوجة كأننا لسنا في مهرجان دولي بل في ملتقى سينمائي عادي توزع فيه الجوائز على كل المشاركين فيه ، قد يكون فعل ذلك عن اقتناع و حسن نية ، و لكنه في نهاية الأمر استهتار و استخفاف و استهانة بمهرجاننا الدولي للفيلم بمراكش، واستنقاص من مصداقية مسابقته ، هذا المهرجان الذي اعتاد في كل دوراته السابقة أن يتوج الأعمال الجيدة التي تستحق التتويج فعلا بناء على معايير موضوعية غير مزاجية أو ذاتية. كان رئيس لجنة التحكيم كوبولا يشير بين الحين و الآخر أثناء حفل الاختتام إلى أن أعضاء لجنته لم يكونوا متفقين بالإجماع على بعض الاختيارات و القرارات ، و أشار أيضا في مداخلته قبيل الإعلان عن الفائزين بالجائزة الخاصة بلجنة التحكيم إلى أن النقد الصحافي قام بعمل هدام في حق أفلام عرضت بالمسابقة الرسمية، و هو ما يفهم منه ضمنيا بأنه أراد ربما أن يرد الاعتبار إلى كل الأفلام المشاركة في هذه الدورة ، و لو أن العديد منها كان لا يستحق أية جائزة ، بل إن البعض منها كان لا يستحق حتى المشاركة في المسابقة ، و هكذا تم بهذا القرار وضع كل الأفلام الجيدة و غير الجيدة في نفس المرتبة كأنها في نفس المستوى، و هو أمر غير منصف و غير منطقي مهما كانت المبررات و الأسباب. بعد الإعلان عن نتائج الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم فهمنا أن سبب الإعلان عن الجائزة الكبرى في بداية الحفل راجع إلى هذه المبادرة العجيبة و الفريدة التي أقدم عليها كوبولا و من كان متفقا معه عليها، و التي كانت ستحدث داخل قاعة الحفل تعليقات و تأويلات مشوشة على أجواء تسليم الجائزة الكبرى للفائز بها ، ففضل كوبولا بذكاء أن يختم هذا الحفل بالإعلان عن الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم و ليس بالإعلان عن الجائزة الكبرى في سابقة غير مسبوقة و غريبة. المخرج الكبير "فرانسيس فورد كوبولا" نكن له كل التقدير و الاحترام ، و لكن المفاجأتين اللتين أحدثهما في هذه الدورة أفقدتا مسابقة المهرجان مصداقيتها ، و أفقدتا حفل الاختتام حرارتة ، و يبقى السؤال في الختام هل كان بإمكان "كوبولا" أن يقوم بنفس الشيء في مهرجان "كان" أو "برلين" أو "البندقية" أو في غيرها من المهرجانات الدولية المشهورة ؟