باستياء و نوع من الاحتجاج يعيب جزء من الرأي العام المغربي على المخرجين المغاربة بأنهم يحتكرون مهام كثيرة في الفيلم، يخرجون، يكتبون، ينتجون، يمثلون...لكن لا أحد يتساءل و لو لمرة عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع ، إذا ما اعتبرناه جدلا غير طبيعيا، و حاول مراجعة هذا المسلمة أو مسائلتها. إن المخرجين المغاربة على اختلافهم و تعدد مشاربهم و حساسيتهم الفنية ليسوا كائنات مازوشية تجد لذة في المعاناة و تعذيب الذات بتحمل مسؤوليات كثيرة ، كل واحدة منها إن أخذت على حدة نجدها مرهقة ، مسؤولية الإخراج لوحدها مثلا تتطلب مجهود ذهني و جسدي غير عادي ، إذ أن لحظة الحسم و الإبداع جد محدودة في الزمان. رغم ذلك فإن تحمل أكثر من مسؤولية داخل الفيلم ليس بالوضع الشاذ في تاريخ السينما .هناك حالات كثيرة لمخرجين يجمعون بين أكثر من مهمة في فيلم ، ناهيك على أنه حتى في العصر الذهبي لهوليود كان عدد كبير من المخرجين ينتجون أفلامهم بنفسهم في إطار الأستوديو. هذا الاختيار لا يجب أن يحسب من الناحية المادية والسعي وراء الربح السريع ، ولكن على أساس الرغبة في الامتلاك الكلي للعمل وتحقيق نوع من الاستقلالية الفنية. يمكن أن نقول أن هناك رؤىا فنية لا تكتمل إلا من خلال التحكم في كل مكونات صناعة الفيلم. مثلا " ستانلي كوبريك " كان يذهب إلى حد مراقبة الظروف التقنية لعرض الفيلم ، والمخرج الياباني " " تاكاشي كيتانو " يكتب الفيلم، يخرجه، يمثل الدور الرئيسي فيه ، ينتج، يركب الفيلم، يؤلف الموسيقى ويذهب إلى حد رسم اللوحات التي نراها كديكور داخل الفيلم ، و رغم دلك لا يقيم فيلمه على هذا الأساس لا ايجابا ولا سلبا. و يكمن أن نعطي في هذا السياق أمثلة عديدة. لنترك جانبا ما يشبه المسلمة ونطرح السؤال بصيغة أخرى وننظر إلى الظاهرة من زاوية مغايرة و نقول : " الصناعة السينمائية في المغرب لم تصل بعد إلى صناعة بتقاليد تجعل من كل الاختصاصات متوفرة وبشكل يوفر للمخرج إمكانية الاختيار وقدرة تقنية لبعض هذه الاختصاصات تمثل عوالم المخرج ، وهنا أتحدت عن السيناريو بالتحديد. إن غياب عدد كبير من كتاب السيناريو بمستوى مهني و إبداعي لا تتحمل فيه السينما المغربية المسؤولية ولكن يرجع ذلك إلى وضع ثقافي ازدهرت فيه الترجمة والنقد على حساب القصة القصيرة والرواية. الرواية المغربية كانت إلى فترة قريبة يطغى عليها جنس السيرة الذاتية و الكتابة الذهنية ، وتغيب الحكاية و التصوير الذي يجعل إمكانية اقتباسها إلى السينما صعبة أو مستحيلة ، ولا توحي على الأقل بأن كتابها لهم القدرة على خوض غمار كتابة السيناريو. يتحول المخرج المغربي إلى منتج ذاتي بعد تجربة أولى فاشلة وليس بالضرورة لاعتبارات مادية ، فيؤسس شركته الخاصة ( هذا لا يعني أنه هو من يقوم بتنفيذ الإنتاج ، لأنه في كل الحالات يوجد مدير إنتاج يسهر على تسيير تصوير الفيلم) . شركات الإنتاج الموجودة غالبيتها شركات ذات بعد خدماتي تقوم بتنفيذ الإنتاج الأجنبي أو التلفزة و الإشهار. تنفيذ الإنتاج والإنتاج شيئان مختلفان. إن تنفيذ الإنتاج يشتغل في إطار مهمة الوساطة بخطة إنتاج ومشروع قائم من الناحية الإنتاجية والفنية، المهم أنه ينطلق بضمان ربح مباشر و لا يستثمر إلا القليل . الإنتاج يقتضي الانطلاق من اللاشيء و بدون ضمانات غير الإيمان بالمشروع ذاته ، يتبناه ويدافع عنه ويرافقه، أي أن المنتج له علاقة بالفيلم على مستوى ارتباط المخرج به. إن عمل المنتج لا ينتهي عند الانتهاء من التصوير أو النسخة صفر من الفيلم ، لكنه يبدأ من هنا و قد يستمر مدى الحياة. المنتج يبحث عن التمويل و مطالب بالبحث عن شروط حياة للفيلم من خلال التوزيع الدولي والوطني بكل أشكاله من خلال المهرجانات ، وفي إطار تصور سياسة الترويج تراعي نوعية العمل...إنه قد يتجاوز المخرج لأنه يتبنى الفيلم و يدافع عنه كمنتوج و كقيمة فنية ليتمكن أن يحقق الربح المقصود أو أن يستعيد استثماره في أضعف الحالات. رغم ذلك وبعيدا عن الاعتبارات الإنتاجية وفي سياق أخر لا يمكن أن نتخيل تقييم الفيلم من خلال تقييم عدد المسؤوليات التي يتقلدها مخرجه . إننا حينما ننتج خطابا عن فيلم ما لا يهمنا بالأساس إلا مخرجها ولا توجد الاختصاصات الأخرى إلا في خدمة رؤية فنية ولا نعود إليها إلا في إطار دراسة أنماط الإنتاج في علاقتها بالكتابة. عندما تعجز القراءة في إبداع مقاربة ، تلجأ إلى أقرب الطرق لحسم سابق للأوان بأفكار مسبقة ، عوض أن تواجه الفيلم ككتابة أو كمجموع اختيارات فنية ، معيدة إنتاج كليشيه ينطلق من سؤال خاطئ ، والسؤال الخاطئ لا يحتمل الجواب أو على الأقل لا يمكن أن نجيب عنه إلا بالخطأ.