شهدت الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية برسم الاستحقاقات الجهوية التي تشهدها فرنسا يومي 6 و13 دجنبر تصاعدا ملفتا في حمى المنافسة بين الأحزاب السياسية، لكسب أصوات النساء اللواتي يشكلن 52،5 % من النسيج السكاني الفرنسي، بين يمين تقليدي يعتبر المرأة أقوى قاعدة لبناء المجتمع وتغييره وتحصينه، ويسار يعارض بقوة إبعاد المرأة عن الفعل السياسي والاقتصادي نظرا لأهميتها في تفعيل المجتمع وتزويده بقيم متطورة تؤمن بالتغيير والمعاصرة، ووسط يؤمن بقدرة المرأة على المبادرة والفعل، وبمكانتها كشريكة فاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية، ويمين متطرف يتساءل بشيء من الحسرة الانتخابية :"هل يليق بفرنسا تعميق وتكريس صورة المرأة الجسد، بدل المرأة التخيل والإدراك والابتكار والمسئولية..؟ وهل يليق بفرنسا أن يرسخ الخطاب السياسي في أذهان الفرنسيين فقط الصورة التقليدية للمرأة كأم وربة بيت وجسد؟. ولم يفوت المرشحون المناسبة الانتخابية للإثناء على المرأة التي "لا حضارة ولا نهضة بدونها"..غير أن النساء وهن يتابعن بتقزز وحسرة الحملة الانتخابية، يُدركن في معظمهن، أن المرشحين هم في حالة "تسول انتخابي" يبعث على الشفقة. فبعد مرور ستين سنة من الكفاح، لم يحدث تغيّر كبير في حياتهن، حيث تمثيلهن علي المستوى الانتخابي (مجالس، جماعات، محافظات، برلمان..) وعلى مستوى مواقع السلطة ما زال متدنيا، فيما ارتفع إسهامهن في مجال رعاية الأطفال والواجبات المنزلية، ليكرسن بذلك صورة فرنسا في عمقها المحافظ المبني على سيادة التقاليد الذكورية. فإلى اليوم لم تتخلص فرنسا بشكل كامل من النموذج السائد في الخمسينات، وهو نموذج الرجل المعيل لأسرته. وبالرغم من بعض التقدم الذي تحقق على صعيد المساواة في المناصب الإدارية والانتخابية، فإن النساء مازلن فى وضع متأخر جدا بالنسبة للرجال في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية. وتعد الانتخابات الجهوية آخر اختبار انتخابي قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2017 لتجديد الثقة في الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، أو اختيار من سيخلفه على سدة الحكم. ويتوقع أن يحقق اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان فوزا تاريخيا بعد ارتفاع رصيده في استطلاعات الرأي عقب اعتداءات باريس التي صدمت الرأي العام الفرنسي. وتشير استطلاعات الرأي إلى احتمال أن يحقق اليمين المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبان نجاحا تاريخيا في هذه الانتخابات التي تجري في وضع حساس، حيث لا تزال فرنسا تحت صدمة الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها العاصمة باريس يوم 13 نونبر الماضي وقتل فيها 130 شخصا. فبعد النتائج الهامة التي حققها اليمين المتطرف في الانتخابات البلدية والأوروبية، يتصدر مرشحوه باقي مرشحي الأحزاب في مناطق فرنسية مختلفة، حيث تتقدم رئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبان، بفارق كبير، المرشحين في منطقة بيكاردي في الشمال فيما تتقدم ابنة شقيقها ماريون ماريشال لوبان في منطقة كوت دازور في جنوب شرق فرنسا. كما يحظى حزب الجبهة الوطنية ب27 إلى 30% من نوايا التصويت على المستوى الوطني في الدورة الأولى من هذه الانتخابات. وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية تحقيق المزيد من الانتصارات في مناطق أخرى حيث بات اليمين المتطرف في الطليعة أو في منافسة شديدة مع المعارضة اليمينية. وإلى جانب الأوضاع النسوية بفرنسا، هيمنت اعتداءات باريس، الأسوأ في تاريخ فرنسا، على الحملة الانتخابية حيث كل استطلاعات الرأي تفيد بأن اليمين المتطرف يبقى المستفيد الأكبر من الأعمال الإرهابية الأخيرة. ويحظى خطاب اليمين المتطرف القائم على "سبق وحذرناكم" تجاوبا كبيرا لدى الفرنسيين خاصة مع الكشف أن اثنين من الانتحاريين الذين نفذوا المجزرة في العاصمة الفرنسية دخلوا فرنسا بعدما وصلوا ضمن موجة المهاجرين الوافدين إلى اليونان. أما الحزب الاشتراكي الحاكم، فلم يستفد حتى الآن من الارتفاع الكبير الذي سجلته شعبية الرئيس فرانسوا هولاند والتي قفزت إلى 50 في المئة بدل 22 في المئة قبل أسبوعين من اعتداءات باريس، في ظل التأييد الشعبي الكبير لسياسته الأمنية. وفيما تتراوح نوايا التصويت للحزب الاشتراكي بين 22 و26% في الدورة الأولى من الانتخابات، فهو قد لا يحتفظ سوى بثلاثة مناطق بعد أن كان يترأس منذ انتخابات 2010 جميع المناطق باستثناء واحدة. ويترتب عليه تعبئة ناخبيه إن أراد تفادي هزيمة تتوقعها له معاهد الاستطلاعات منذ أشهر. ويلعب الحزب الحاكم ورقة الوحدة الوطنية خلف فرانسوا هولاند غير أنه يعاني من فشل السلطة التنفيذية في احتواء البطالة التي باتت في مستوى شبه قياسي بعدما سجلت في أكتوبر أعلى زيادة شهرية منذ 2013.