"ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطر تحول الحرب في بلاد الشام إلى حرب عالمية ثالثة: مواجهة ساخنة بين موسكو وواشنطن لتعديل التحالفات.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 24 - 11 - 2015

مرة أخرى تتباين بشكل كبير تقديرات السياسيين والمحللين بشأن المسار الذي سوف تأخذه خلال الأشهر القادمة الحرب الدائرة على أرض الشام منذ 15 مارس 2011 وذلك بعد التدخل العسكري الروسي الذي إنطلق في 30 سبتمبر 2015 بغارات جوية كثيفة، والقصف الفرنسي الذي تبدلت طبيعته وتكتيكاته في كل من العراق وسوريا عقب الهجمات الإرهابية التي عرفتها باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر 2015، وقرار كل من الكرملين وقصر الإليزي تنسيق عملياتهما العسكرية في سوريا بشكل وثيق إعتبره البعض مقلقا جدا لساسة واشنطن ولعدد من دول حلف "الناتو".
جزء من هذا التباين يعود إلى غياب تصور واضح لمستقبل مختلف التحالفات الخاصة بالأطراف الإقليمية والدولية التي تشارك في الحرب على أرض الشام. ولكن الواضح حاليا هو أن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها المقربين في المنطقة الشرق أوسطية وخارجها يواجهون خطر وقوع تحولات من شأنها إفشال مشاريعهم.
إذا كان التدخل العسكري الروسي في سوريا والذي يبقى حتى الآن مركزا على الحملة الجوية قد بدل موازين المواجهات وسمح للجيش السوري النظامي بالتقدم ضد كل خصومه وعلى كل الجبهات تقريبا وبالتالي عطل لأجل معين أو أفشل نهائيا مشروع إسقاط نظام دمشق، فإن موقف باريس سيكون له وزنه القوي كذلك خاصة إذا استمر في التبدل والإبتعاد عن توجهات البيت الأبيض.
تحركات
تشهد التحركات الدبلوماسية الدولية حول سوريا انطلاقة قوية في ظل الأولوية المطلقة لموسكو وباريس لمكافحة الإرهاب، لكن مصالح الأطراف في هذا النزاع المعقد متباعدة جدا، كما ان احتمالات احراز تقدم ما تزال ضعيفة.
وقال كريم اميل بيطار، من معهد الأبحاث الإستراتيجية الدولية حول فرص التوصل إلى توافق "لن يكون امرا سهلا، لكن للمرة الاولى هناك عوامل يمكن ان تسفر عن حلحلة الأوضاع" مشيرا إلى مشاركة إيران في المحادثات والتقارب الفرنسي الروسي.
واسفر الاجتماع الأخير الدولي حول سوريا في 14 نوفمبر 2015 في فيينا، غداة اعتداءات باريس، للمرة الاولى عن اتفاق الغربيين وبعض الدول العربية من جهة وروسيا وايران من جهة اخرى، على خارطة طريق وجدول زمني لعملية انتقال في سوريا. حتى ان وزير الخارجية الامريكي جون كيري اظهر تفاؤلا كبيرا موضحا ان سوريا قد تبدا عملية انتقال سياسي في "غضون أسابيع".
وهذا التفاؤل سابق لآوانه، استنادا الى عدد من النقاط التي يتعين حلها، اولا وقبل كل شيء مسألة الرئيس الأسد الذي نأى بنفسه أيضا عن عملية فيينا.
كما ان باراك اوباما صرح يوم الخميس 19 نوفمبر ان الحرب لا يمكن أن تنتهي دون رحيل الاسد، لكن موسكو وغيرها تكرر بإستمرار ان مصيره يبقى وقفا على إرادة السوريين. ويؤكد الكرملين أن المطالبين برحيل الرئيس السوري وبعد أن شوهوا الحقائق وصوروه في وسائل إعلامهم كقاتل للشعب السوري، هدفهم تمزيق سوريا وتقسيمها إلى دويلات وإستنساخ العدوى العراقية والليبية والتقسيم العرقي والديني والطائفي إلى بلاد الشام.
وعلاوة على ذلك، فان السعودية وتركيا اللتين تريدان سقوط الرئيس السوري "هما دائما على موقفهما المتصلب منه" وسيكون "من الصعب" حملهما على تقديم تنازلات، وفقا لبيطار.
وما تزال هناك حاجة لتحديد من سيشارك من المعارضة في المفاوضات.
اتصالات حاسمة
يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة الى طهران يوم الاثنين 23 نوفمبر في حين يتوجه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى واشنطن وموسكو الثلاثاء 24 والخميس 26 نوفمبر.
وفي ظل تعثر استمر عدة اشهر، انطلقت المناقشات بين اللاعبين الرئيسيين في الصراع في سبتمبر 2015 مع التدخل العسكري الروسي في سوريا وهو ما أجبر خصوم نظام دمشق على عقد اجتماعين دوليين في فيينا لإعادة اطلاق ما سموه العملية السياسية في البلاد التي تمزقها حرب بدأت منذ زهاء خمس سنوات وأوقعت نحو 250 ألف قتيل.
وإذا كانت فرنسا تنفي علنا ان تكون تخلت عن استراتيجيتها "لا للأسد ولا لتنظيم الدولة الإسلامية"، إلا أنها اكدت ان مكافحة التنظيم الجهادي يشكل اولوية مطلقة. واعلن هولاند تكثيف الضربات الفرنسية في سوريا والعراق، وسيلتقي الثلاثاء في واشنطن باراك أوباما والخميس بوتين في موسكو. ورصدت المخابرات الأمريكية إتصالات نظمتها الأجهزة الألمانية بين مبعوثين حكوميين فرنسيين وساسة سوريين، كما زارت وفود برلمانية فرنسية دمشق ثلاث مرات خلال سنة 2015 ومنها من ينتمي لحزب الرئيس الفرنسي وإجتمعت مع الرئيس الأسد.
يسجل أنه حتى قبل بدء زيارة الرئيس الفرنسي إلى العاصمة الأمريكية تجندت بعض المصادر شبه الرسمية الأمريكية للطعن في توجهاته. وهكذا نشرت صحيفة صاندي تايمز البريطانية يوم الأحد 22 نوفمبر مقالا لمساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، جيمس روبن، يقول فيه إن فرنسا ودول أخرى تنزلق إلى مصيدة بوتين وحليفه السوري.
ويقول روبن إن الرئيس الفرنسي، استطاع عقب هجمات باريس أن يجمع حوله إرادة الدولة الغربية الأوروبية ويوحدها في حرب صارمة ضد تنظيم "الدولة".
أما بوتين، فقد "أمر بقصف مواقع تنظيم "داعش"، بعدما تبين أن الطائرة الروسية سقطت في سيناء المصرية بفعل تفجير قنبلة داخلها". ولكنه يقول إن موسكو تركز هجماتها حتى الآن على مواقع المعارضة المعتدلة بهدف دعم سلطة الرئيس بشار الأسد.
ويرى روبن أن الدول الغربية ترتكب خطأ استراتيجيا فادحا وهي تهرول لإعادة التعاون مع موسكو. ويضيف إن هولاند أدار ظهره لحلف شمال الأطلسي، في الوقت الذي يعلن فيه أن فرنسا في حالة حرب.
ويرى روبن أن بوتين لم يغير رأيه من الأسد عكس ما يتردد عن تضحية موسكو بحليفها، وإنما الذي تغير موقفه من الأسد فهو هولاند. فقد غيرت فرنسا سياستها، حسب روبن، من تحميل الأسد مسؤولية ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى شن حرب على تنظيم الدولة الإسلامية بدل الانشغال برحيل الرئيس السوري.
مصادر حكومية فرنسية ذكرت ان باريس التي رفضت طوال عام الانخراط في سوريا، ترى انها باتت حاليا في موقف تطالب بموجبه بمزيد من المشاركة اكثر من حليفها الامريكي الكبير صاحب المواقف الملتبسة والخجولة جدا.
اما بالنسبة لزيارة هولاند الى موسكو، فان هدفها ان "نرى باريس فعلا الى اين وصلنا مع الروس" بحسب أحد مصادره. وقررت باريس تقاربا غير مسبوق مع موسكو، بحيث بدأت الدولتان تنسيقا عسكريا في سوريا.
وتفيد مصادر رصد ان الرئيس الفرنسي سيطلب من الرئيس الأمريكي أوباما موقفا واضحا وجديا من تنظيم داعش كما سيعرض عليه مؤاخذات باريس تجاه عدد من حلفاء الولايات المتحدة الذين دعموا ويدعمون تنظيم داعش ماليا وعسكريا، وسيؤكد له أن الأولية حاليا هي للقضاء على التنظيم المتطرف وأن ذلك لا يمكن أن يتم دون التعاون مع القوى التي تحارب التنظيم وفي مقدمتها الجيش السوري النظامي.
ولكن مصادر أمريكية تتكهن بأن هولاند قد يقوم بوساطة بين موسكو وواشنطن لتقريب المواقف بشأن حل الأزمة السورية. ويقول هؤلاء أن هذا الحل قد يبدأ بالإعلان عن وقف لإطلاق النار في سوريا خلال أسابيع، كما صرح وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا. غير أن اللافت أن موجهي قرارت البيت الأبيض يركزون وبصورة تحليل سلبية على أن الرئيس الروسي وصف البحارة الفرنسيين على متن حاملة الطائرات "شارل ديغول"، التي تتوجه إلى سواحل سوريا، ب "الحلفاء". وكلف القوات الروسية في ساحة العمليات السورية، بالتعاون مع السفن الحربية الفرنسية لضرب وتصفية داعش.
باريس وبرلين على نفس الخط
دولتا ألمانيا وفرنسا اللتان تشكلان المحرك الرئيسي للإتحاد الأوروبي إقتصاديا وعسكريا وسياسيا، تنسقان أكثر فأكثر وذلك منذ عقود وقد أجمع المراقبون تقريبا وخاصة منذ بداية العقد الثاني من الألفية الحادية والعشرين على إعتبار مواقف أحدهما إنعكاسا للآخر، فيما حذر أمريكيون من تحالف منافس للبيت الأبيض.
طالب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بتحرك مشترك للجيش السوري والقوى المعتدلة أن يوجهوا جهودهم معا لمقاومة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وقال شتاينماير في تصريحات لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" الصادرة يوم الأحد 22 نوفمبر: "لا بد من وضع حد لهذا التناحر بين الجيش السوري والجيش السوري الحر والجماعات المسلحة المعتدلة والتحول للحرب سويا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعلينا أن نوحد بين هذه القوى جميعا التي تقاتل ضد التنظيم".
وأضاف شتاينماير: "نرى النجاح العسكري في الأماكن التي وفقت فيها هذه الأطراف في القتال الجماعي".
بموزاة مع تصريح الوزير الألماني نقلت مجلة "دير شبيغل" الأسبوعية يوم 20 نوفمبر عن مصادر في وزارة الدفاع الألمانية أن سلطات البلاد تنظر في إمكانية مشاركة قواتها المسلحة في العمليات الجارية ضد تنظيم "داعش" في سوريا. يشار أنه في أعداد سابقة للمجلة الألمانية نشرت تحليلات عديدة عن فضائح التجسس الأمريكية على ألمانيا وفرنسا وحلفاء مفترضين آخرين لها، وسعي واشنطن لإضعاف الإتحاد الأوروبي بالتعاون مع الحكومة البريطانية التي وصفتها أوساط ألمانية بإحدى الولايات الأمريكية.
تعليقات شتاينماير استقبلت كالصاعقة في واشنطن، والبيت الأبيض طالب سفارته في برلين بتوضيحات عاجلة وإستنفر كل قنوات إتصاله في أوروبا لمعرفة ردود فعل الأطراف الأخرى خاصة في حلف "الناتو"، من جانبها رحبت موسكو بالموقف الألماني وتنتظر تطويره بعد زيارة الرئيس الفرنسي.
موازاة مع تصريحات وزير الخارجية الألماني وعلى قصاصات وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" التي نقلت ما نشرته وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء، قال رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف يوم الأحد 22 نوفمبر كذلك، إن المسؤولية عن تقوية تنظيم "داعش" تقع على عاتق الولايات المتحدة " التي بدأت تحارب من أجل إزاحة الرئيس السوري بدلا من محاربة الإرهاب".
وقال ميدفيديف في تعليقه على تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول الدور الروسي السلبي في الأزمة السورية: "بدلا من تركيز الجهود العامة على محاربة الإرهاب، أمريكا وحلفاؤها مضوا بمحاربة الرئيس السوري المنتخب شرعيا بشار الأسد"، "في وقت ما، سمحت الولايات المتحدة بتقوية القاعدة، الأمر الذي أدى إلى مأساة 11 من سبتمبر 2001.. هذه الدروس، تؤكد فكرة أن الحرب على الإرهاب ممكنة فقط بالتعاون، بدون تقسيم الحلفاء إلى أقرباء وغرباء".
تهديدات موسكو
يوم الجمعة 20 نوفمبر 2015 وجهت موسكو إنذارا غير مباشر لواشنطن ولندن وذلك عبر تهديد صريح وعنيف إلى تركيا ودولتين أخرتين، مشيرة إلى البلدان الثلاثة منخرطة في "تنظيم ورعاية الهجمات الإرهابية"، وملوحة بإمكانية هجوم روسيا على هذه البلدان، بغطاء قانوني مستمد من ميثاق الأمم المتحدة.
ووفق تقرير نشرته صحيفة "برافدا"، قالت إن "بوتين توعد عام 1999 بملاحقة وقتل الإرهابيين حتى ولو كانوا في مراحيضهم"، مشيرة إلى أن بوتين نفذ وعيده وصفى من وصفتهم ب"أمراء الحرب الشيشانية".
"برافدا" التي كانت لحوالي 90 سنة ناطقة بإسم النظام السوفياتي، ثم أصبحت أهم صحف روسيا وأوسعها انتشارا، قالت إن "الهجمات الصاروخية الاخيرة التي نفذتها روسيا في سوريا باستخدام القاذفات الاستراتيجية والغواصات تعطي إشارة تحذير للدول التي تدعم الإرهابيين".
وتابعت الصحيفة: "في مجال مكافحة الإرهاب، روسيا ستقوم بالتصرف وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تضمن حق الدول في الدفاع عن النفس، وفق ما صرح الرئيس بوتين، ووفق ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه مع نظيره اللبناني، حين أوضح أن روسيا سوف تطبق هذه المادة بكل الوسائل العسكرية والدبلوماسية والمالية".
وتنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه لأي دولة عضو في الأمم المتحدة الحق في الدفاع عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح على تلك الدولة، إلى أن يقوم مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءاته للحفاظ على السلم والأمن الدوليين".
وتحاجج روسيا بأن الولايات المتحدة عمدت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، إلى دعوة مجلس الأمن الدولي لتشريع استخدام القوة ضد حركة طالبان، التي، كانت وراء العقل المدبر للهجمات، وفق رواية واشنطن، وقد قرر مجلس الأمن الدولي حينها أن الحق في الدفاع عن النفس يمكن أن يستخدم كغطاء لضرب المجموعات المسلحة غير المنظمة أو تلك التي لا تمثل دولة معينة.
وواصلت "برافدا": "بعد الهجوم الإرهابي في سماء شبه جزيرة سيناء، يمكن لروسيا استخدام المادة 51، إما من أجل جلب الجناة إلى العدالة، أو إتخاذ تدابير أخرى ضدهم.
ونقلت "برافدا" عن رئيس معهد الشرق الأوسط "يفغيني ساتانوفسكي" قوله، أن الدول التي تساند الإرهاب يجب أن تخاف من موسكو كما يخاف المرء من الطاعون، مستدركا: "الأمر يعود إلى القيادة الروسية لاتخاذ قرار بشأن كيفية تخويف هؤلاء الناس، وليس بالضرورة عبر قصفهم، فهناك طرق أخرى مختلفة".
وحذر "ساتانوفسكي" من إن روسيا إذا ما اختارت طريق الحرب، ومضت مزودة بترسانة كبيرة من الصواريخ البالسيتية والسلاح، فأي شيء آخر يصبح بلا جدوى، مستحضرا ذكرى اجتياح السوفييت لبرلين عاصمة ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية واستيلائهم عليها عام 1945 دون التشاور أو التنسيق مع أحد.
وكشفت "برافدا" أن الغواصة "روستوف" ومن نهر الدون أطلقت صواريخ بالستية من طراز "كاليبر" موجهة ضد تنظيم "الدولة" في مواقعه شرق سوريا، وأن الصواريخ عبرت فوق تركيا دون إذنها أو أن تتمكن من إعتراضها، فيما تولت القاذفات الاستراتيجية توبوليف 160، تو 95 وتوبوليف 22 جزءا آخر من عملية الاستهداف.
وذكرت الصحيفة بقول بوتين: "إذا لم تتمكن من منع الحرب، فعليك المبادرة إلى شنها"، فعدم مبادرة روسيا إلى شن الحرب سوف يتيح لحلف شمال الأطلسي استلام الزمام ونقل الحرب إلى حدود روسيا.
ورأت الصحيفة في ختام مقالها أنه حان الوقت لرفع قضية في الأمم المتحدة من أجل "إنشاء محكمة دولية تقاضي الحكومات المتورطة في الإرهاب".
اللافت أن "برافدا" كشفت أن الاستخبارات الروسية قامت بقتل الرئيس الشيشاني سليم خان ياندرباييف، في العاصمة القطرية "الدوحة" بتاريخ 13 فبراير 2004 والتي لجأ إليها بعد خسارته الحرب ضد الجيش الروسي.
وقالت "برافدا" إن وحدة المخابرات المتمركزة في الدوحة، هي التي نفدت العملية، بعد أن كررت موسكو على مدى 3 سنوات مطالباتها بتسليم "ياندرباييف"، إلا إن الدوحة لم تستجب، وفق الصحيفة.
تبدل موازين القوى
في تأكيد على تخلي موسكو عن سياسة الليونة النسبية في التعامل واشنطن وخاصة منذ الأزمة مع أوكرانيا وإستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، أكد السفير الروسي الكسندر زاسبيكين يوم 20 نوفمبر أن "العالم اليوم يتوجه نحو التعددية، وهذا تطور موضوعي لأن موازين القوى تتغير على الصعيد الدولي، إلا أن الولايات المتحدة الامريكية تصر على دورها القيادي في إطار نظام قطب واحد".
وإذ شدد زاسبيكين على "تمسك روسيا بدور مجلس الأمن الذي يجب عليه إيجاد الحلول المتوازنة"، أشار إلى أن "المحاولات تجري لاستخدام مجلس الأمن لمصلحة خاصة، وإذا لم يحصل ذلك فتتم الممارسة خارج مجلس الأمن حتى التدخل المباشر في شؤون الدول عن طريق تصدير الثورات وتشجيع الانقلابات وإسقاط الأنظمة، وهذا يؤدي إلى تخريب العلاقات الدولية وانتشار الفوضى والتطرف والإرهاب".
كلام زاسبيكين جاء خلال ندوة نظمها معهد الدراسات المستقبلية بعنوان: "الحرب الروسية على الإرهاب في سوريا والعراق: الواقع والآفاق"، في فندق "سمول فيل" المتحف، بمشاركة زاسبكين والسفير السوري علي عبد الكريم علي، وحضور السكرتير الأول في السفارة المصرية نادر زكي وإعلاميين.
ولفت السفير الروسي الانتباه إلى أن روسيا "تمارس نهجا متواصلا وثابتا عبر الحوار الوطني في القضايا المطروحة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية". وقال: "منذ البداية، كنا نحذر من التداعيات الخطيرة التي تؤدي إليها محاولات إسقاط الأنظمة الشرعية وزرع الفتن الطائفية. لقد وقفنا ضد النظريات المدمرة، مثل الفوضى الخلاقة، وكنا ندعو المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدات للبلدان التي تعيش مراحل صعبة، ورفضنا تزوير قرار مجلس الأمن الخاص بليبيا الذي أصبح حجة لإجراء عمليات "الناتو" في البلاد أدت إلى تفكيكها. كما وقفنا بحزم ضد السيناريو المشابه في سوريا، وأيدنا كل المبادرات الرامية إلى التسوية السياسية في البلاد، رغم أن بعض الأطراف أفشل الاتفاقات".
وأوضح ان روسيا كانت منذ البداية ترفض القتال وتسليح ما يسمى المعارضة المسلحة في سوريا وتسريب المقاتلين المرتزقة، وكنا نشير إلى مخاطر تمدد الارهاب، ودعونا الجميع الى محاربته لأنه خطر على الجميع".
تحايل
في مواجهة الضربات الموجعة يتلقاها تنظيم داعش على يد الطيران الروسي منذ نهاية شهر سبتمبر 2015 والقصف الفرنسي المتصف بالجدية منذ الهجمات الإرهابية في باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر، وأمام تكاثر الإتهامات الموجهة لواشنطن بشأن تعاملها مع داعش وتشجيع حلفائها على تسليح التنظيم وتمويله، طرح المخططون في واشنطن وتل أبيب عدة أفكار تتضمن إستمرار البيت الأبيض في العمل على تنفيذ مخططاته بشأن سوريا ومناطق أخرى في المنطقة العربية ومغالطة العالم فيما يخص الأهداف النهائية أو الختامية للصراع. من ضمن هذه الأفكار أن توعز الأجهزة الأمريكية إلى بعض قادة تنظيم "داعش" بإعلان الإنشقاق عن التنظيم الأب وتشكيل منظمة جديدة تكون قريبة من التنظيمات التي تصفها واشنطن وبعض حلفائها بالمعتدلة والديمقراطية. وبهذا الأسلوب يمكن تجميل صورة جزء من داعش ولكن المشكلة تكمن بالنسبة للمخططين الأمريكيين في مقدرة القيادات المنشقة عن داعش في إقناع تابعيها داخليا وخارجيا الغارقين في أوهام التطرف على قبول التوجه الجديد.
مهما كانت ترتيبات تجميل داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية في ساحة بلاد الشام فإن التحولات غير المتوقعة في المنطقة ومنها التدخل العسكري الروسي والتحول الممكن في تحالفات فرنسا وألمانيا والأردن أحدث خللا في البنية التي وضعت لسياسة الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط الجديد حسب توصيف المحافظين الجدد في واشنطن وتل أبيب.
حقائق
خلال النصف الثاني من شهر نوفمبر 2015 شكك الأمير الاردني الحسن بن طلال برواية المحلل الأمريكي روبرت فيسك عن تمويل تنظيم الدولة الإسلامية، وأنه يأتي من الجباية والسيطرة على بعض ابار النفط، متهما دول الخليج العربي بكونها تمول التنظيم.
ولم يحدد الأمير الذي شغل منصب ولي العهد طوال سنوات للراحل الملك الحسين بن طلال، بعض دول الخليج العربي التي تحدث عنها لوكالة فرانس 24، إلا أنه تساءل: "ان لم تكن دول الخليج فمن يفعل؟"، تاركا السؤال برسم الإجابة.
تصريح الحسن بن طلال جاء وسط تحذيرات أرسلت إلى البيت الأبيض من أن عمان ملت من المناورات الأمريكية على كل أصعدة مشاكل الشرق الأوسط وخاصة القدس.
يوم 19 نوفمبر 2015 ذكرت عدة وكالات أنباء دولية أن الرئيس السوري بشار الأسد تلقى رسالة من السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك، أكد له فيها أن الحرب في سوريا لم يكن سببها اضطرابات داخلية، بل كانت حربا غير قانونية لعدوان من قبل قوى خارجية صممت على فرض نظام عميل بالقوة.
وأكد السيناتور بلاك عن ولاية فرجينيا، أنه لا يحق للقوى الغربية فرض إرادتها على الشعب السوري، وإنما السوريون وحدهم يجب أن يقرروا مصيرهم من دون تدخل خارجي.
وعبر بلاك عن شعوره بخيبة أمل لإقدام بلاده على تحويل شحنات من صواريخ "تاو" المضادة للدبابات للإرهابيين، موضحا ان هذا سيطيل فقط سفك الدماء في سوريا، معتبرا ان تزويد ما يسمونهم ب"الإرهابيين الجيدين" بالأسلحة ومنعها عن "الإرهابيين السيئين" لعبة غبية.
وحذر بلاك من ان النشر الطائش لصواريخ "تاو" يهدد الطيران المدني في العالم أجمع، موضحا ان الأسلحة المضادة للدبابات طويلة المدى يمكن أن تستهدف طائرات الركاب التي تستعد للإقلاع وتدمرها بسهولة.
وتابع السيناتور الأمريكي قائلا: سررت بالتدخل الروسي ضد الجماعات المسلحة التي تغزو سوريا، وبدعمه حقق الجيش السوري خطوات دراماتيكية ضد الإرهابيين.
وأضاف، لقد بدأ الناس يدركون أن الإرهابيين مدعومون عسكريا من حلفائنا وبالفعل فإنه لا يوجد داعم أكثر ولاء ل "داعش" من تركيا التي تعتبر القناة الرئيسة للمسلحين والأسلحة والمساعدات الطبية والتجارة.
إعتراف أم فلتة لسان ؟
خلال بداية النصف الثاني من شهر نوفمبر 2015 أدلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي بتصريحات يجب أن تكون محل بحث وتحليل خاصة من جانب هؤلاء الذين يؤكدون أن تنظيم داعش صناعة أمريكية إسرائيلية بإمتياز وأداة متقدمة لتنفيذ جزء من مخطط الشرق الأوسط الجديد عبر الفوضى الخلاقة التي ستحوله إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية وطائفية. التصريحات قد توصف مستقبلا بخطأ كبير أو فلتة لسان.
قال الجنرال هرتسي هليفي، أن المخابرات الإسرائيلية تجد صعوبةً بالغة في تجنيد عملاء ومصادر استخبارات، عكس ما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، وعزا ذلك إلى التطورات التكنولوجية السريعة.
وفي محاضرةٍ ألقاها في تل أبيب، بحسب موقع "ويلا" الإخباري الإسرائيلي، أورد الجنرال هليفي مثالاً حول محاولات جمع المعلومات عن تنظيم الدولة الإسلامية، لافتا إلى أننا نراهم يلبسون العمامات والعباءات، ولكنهم يستخدمون قمة التكنولوجيا، مشيرا إلى أن الحديث يجري عن منظومات اتصال من الأكثر تقدما في العالم، بما في ذلك أكثر أنواع الشيفرة تطورا، ومن هنا، شدد رئيس الاستخبارات العسكرية، فإنه من الصعب جدا جمع المعلومات عن هذا التنظيم.
من جانبه طمأن وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون الذي تعبر مواقفه عن رؤية وتقديرات الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، الجمهور الإسرائيلي إلى أن وجهة تنظيم الدولة الإسلامية ليست إسرائيل، رغم وجود حدود مشتركة في أكثر من منطقة محيطة بها.
وجاءت تصريحات يعلون بعد سلسلة من الضربات التي أعلنت مسؤوليتها عنها "الدولة الاسلامية" في سيناء والضاحية الجنوبية لبيروت وباريس، حيث رأى فيها مناسبة للتوجه إلى الرأي العام الإسرائيلي، خاصة بعد التساؤلات التي توالت عن إمكانية اتساع نطاق ضربات تنظيم "الدولة الإسلامية" لتطاول العمق الإسرائيلي، مع الإشارة إلى أن هذا التنظيم يحتاج إلى هذا النوع من الضربات لإضفاء قدر من المشروعية التي توفرها مثل هذه العمليات، حسبما ذكر يعلون. ورأى يعلون في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية الرسمية باللغة العبرية "ريشيت بيت" أن إسرائيل ليست مهددة كثيرا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، رغم أنها تتقاسم معه الحدود في أكثر من منطقة، وينشط فيها التنظيم ويتمتع بقوة، مشيرا في الوقت عينه إلى أن تنظيم "الدولة الاسلامية" يتجنب شن الهجمات على إسرائيل، دون أن يوضح السبب وراء هذا الموقف.
استكمال ما عجز عن تحقيقه
كتب د. إبراهيم أبراش، الكاتب والأكاديمي الفلسطيني منتصف شهر نوفمبر 2015:
ما يثير التساؤلات ويضع تفجيرات باريس في سياق أكثر شمولية، أن العنف المعمم الذي يضرب في أكثر من منطقة في العالم، سواء كان تحت عنوان الجهاد أو مقاومة الاستبداد والدكتاتورية، وسواء كان إرهاب أفراد وجماعات أو إرهاب دول، جاء متزامنا مع طرح واشنطن لمشروعها حول الشرق الأوسط الجديد سنة 2004 وسياسة الفوضى الخلاقة، مما يدفع لربط الأمور مع بعضها البعض، بل لا يمكن الفصل بين ما يسمى "الربيع العربي" والموجة الإرهابية اللاحقة التي ابتدأت في سوريا ثم تمددت لليبيا وسيناء، فكأن هذه الجماعات وخصوصا "داعش" جاءت لتستكمل ما عجز عنه "الربيع العربي" من تفكيك الدولة الوطنية وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الخفي في السياسة بشكل عام وخصوصا في الشرق الأوسط قد يكون أكبر وأخطر من المعلن، وخصوصا إن تعلق الأمر بسياسات الدول الكبرى في المنطقة، لأن السياسة تقوم على المصالح، والمصالح متضاربة ولا تؤسس دائما على الحق والأخلاق، ولأنه في الشرق الأوسط يتداخل الدين مع السياسة مع الاقتصاد، والماضي مع الحاضر، والحقائق مع الأساطير، والجهل والتخلف مع حداثة مشوهة... لذا فإن أي محلل سياسي لما يجري في المنطقة عليه ألا يعتمد على التقارير والتصريحات الرسمية المعلنة فقط، بل عليه تحليل الوقائع والأحداث واستحضار التاريخ وقراءة ما بين السطور والربط ما بين الأمور حتى وإن بدت بالنسبة للإنسان العادي غير مترابطة؟.
ودعونا نتساءل بموضوعية: هل كانت الأمور ستكون على هذه الحال من الدمار والخراب والعنف لو لم يتم التدخل الغربي لإسقاط صدام حسين والقذافي والأسد ومبارك وزين العابدين بن علي، سواء من خلال التدخل العسكري المباشر أو من خلال فوضى الربيع العربي؟. هل كانت الدولة الوطنية والمجتمع سيتفككان وتتفجر الصراعات الطائفية والإثنية لو لم تكن فوضى الربيع العربي ويتم إسقاط قادة وأنظمة هذه الدول؟. وهل حقيقة أن تدخل الغرب في دول المنطقة تحت عنوان حماية ودعم "الربيع العربي" كان بهدف نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان أم لإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه الآن من فوضى؟.
مع كامل تعاطفنا مع الشعب الفرنسي وإدانتنا لجميع الأعمال الإرهابية، فإن هذه الأعمال كانت متوقعة وهي إحدى نتائج وإفرازات "الربيع العربي" كجزء من صناعة الشرق الأوسط الجديد الذي تشارك فرنسا في صناعته، وكنتيجة متوقعة للتدخل الفرنسي والغربي العسكري في الدول العربية وخصوصا في سوريا، وخصوصا بعد أن بدأت تظهر حقيقة التدخل الغربي في مجريات "الثورات العربية" وفي صناعة جماعات معارضة إسلاموية.
أسقط الغرب نظام صدام حسين واحتلت واشنطن العراق بشكل مباشر أو غير مباشر طوال اثنا عشر عاما ومع ذلك لم يتم لا استعادة وحدة العراق ولا بناء الديمقراطية بل تم إثارة الانقسام الطائفي بشكل ممنهج ومدروس، وتدمير وإضعاف مؤسسات الدولة الجامعة للكل العراقي، وفي ليبيا تم إسقاط نظام القذافي الذي حافظ على وحدة الدولة الليبية، بتدخل عسكري غربي مباشر، ثم ترك الغرب الشعب الليبي يتخبط في الفوضى. وحرض الغرب الشعب السوري على نظام الأسد تحت ذريعة أنه نظام دكتاتوري، ثم دعموا ومولوا جماعات دينية متطرفة لا تؤمن بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان، لتعيث خرابا وفسادا في سوريا.
في "مؤتمر حول المخابرات" نظمته جامعة جورج واشنطن يوم 27 اكتوبر 2015 تحدث كل من مدير المخابرات الفرنسية برنار باغوليه ومدير الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان عما يجري في الشرق الأوسط وتوصلا لنتيجة أن الشرق الأوسط لن يعود كما كان، وان دولا ستتفكك ويتم إعادة بنائها من جديد. مدير المخابرات الفرنسية قال إن شرق أوسط جديد يتشكل ستكون حدوده "مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية"، نفس الفكرة أكد عليها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قائلاً: إن "الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى وأشك بأن يعود مجدداً". أليست هذه الحصيلة والنتيجة هي جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد وسياسة الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس منذ عام 2004 وقبل أن يبدأ ما أطلقت عليه واشنطن اسم "الربيع العربي"؟.
ولكن من أوصل الأمور في المنطقة لهذا المصير تقسيم المنطقة أليس الغرب وسياساته في المنطقة ؟ الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تدمر وتخرب الدول الوطنية، من تنظيم القاعدة إلى تنظيم دولة الخلافة هي صناعة غربية، أو على الأقل يتم السكوت على تأسيسها وتسليحها وتمويلها من جهات استخباراتية غربية وعربية تابعة للغرب.
وأخيرا قد يتساءل البعض كيف يستقيم القول بأن الغرب أنشأ تنظيم دولة الخلافة أو ساعد على تأسيسه، مع القول بقيام هذا التنظيم بتفجيرات باريس؟ ! نفس التساؤل تم طرحه عندما حدثت تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، حول القول بعلاقة واشنطن بتأسيس ودعم تنظيم القاعدة في بداية تأسيسه لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وقيام هذا التنظيم بالتفجيرات في الولايات المتحدة نفسها؟!. أسئلة كثيرة لا يعرف الإجابة عنها إلا القادة الكبار في الأجهزة الإستخباراتية الغربية، وأسئلة أخرى ستبقى دون إجابة لحين من الوقت؟.
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.