يطرح المتتبعون لقضايا الهجرة والمهاجرين أكثر من سؤال حول تداعيات أحداث باريس الإرهابية على الجاليات المسلمة في فرنسا وعلى الراغبين في دخول فضاء شنغن، خاصة وأن وثيقة وثيقة من المقرر تبنيها صدرت أخيرا في بروكسل تفيد ان الدول الأوروبية وفي طليعتها فرنسا، تريد مراجعة سريعة لقواعد فضاء شنغن من اجل ان تشمل المراقبة المنهجية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، مواطني دول هذا التكتل. وهذا هو الإجراء الرئيسي الذي يتوقع ان يتوافق عليه وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي في اجتماع استثنائي للمجلس الأوروبي الذي دعت فرنسا لعقده بشكل عاجل اثر اعتداءات باريس. وهي ليست المرة الأولى التي يطلب فيها المجلس إمكانية توسيع نطاق المراقبة لتشمل مواطني الاتحاد الأوروبي عند دخولهم فضاء شنغن، لكن الدول الأعضاء باتت ترى انه على المفوضية الأوروبية ان تسرع الخطى بهذا الاتجاه. ويتوقع ان يدعو المجلس الأوروبي المفوضية الى "تقديم مقترح لمراجعة محددة للفصل السابع من قانون شنغن" الذي يحصر حاليا المراقبة على الحدود الخارجية في مواطني الدول غير الأعضاء في الاتحاد، بحسب المشروع الذي سيعرض الجمعة على الوزراء. والمراقبة المقصودة هي تلك التي تتجاوز التثبت من الهوية الى تدقيق معمق يمكن ان يشمل العودة الى قاعدة البيانات على غرار نظام المعلومات الخاص بدول شنغن. كما ستؤكد الدول الأعضاء "الطابع الملح والأولي للانتهاء من قاعدة أوروبية لمعطيات المسافرين جوا قبل نهاية 2015 تشمل الرحلات الداخلية"، بحسب مشروع خلاصات الاجتماع التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس. ويبدو هذا الطلب كرسالة موجهة الى البرلمان الاوروبي الذي عطل تردده في السنوات الأخيرة إرساء قاعدة البيانات هذه التي توصف بأنها أداة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. ويطلب الكثير من النواب الاوروبيين الحريصين على الحريات الخاصة، ضمانات بشأن حماية ومعالجة البيانات التي يتم جمعها ويريدون الحد من نطاق قاعدة هذه البيانات. ودعت المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى عدم التراجع عن وعودها باستقبال المهاجرين واللاجئين بعد اعتداءات باريس، وخاصة السوريين الذين يصلون إلى اليونان. وقالت المتحدثة باسم المفوضية ميليسا فليمينغ في تصريح صحافي "نحن قلقون ازاء ردود فعل بعض الدول التي تريد وقف البرامج السارية والعودة عن التعهدات التي قطعتها لإدارة ازمة اللاجئين أو اقترحت نصب حواجز واسيجة" على حدودها. وأضافت "يجب ألا يصبح اللاجئون كبش محرقة وألا يصبحوا الضحايا الجانبيين لهذه الأحداث الرهيبة". وذكرت أن الأوروبيين أيضا بإقامة مراكز استقبال فعلية للمهاجرين واللاجئين في اليونان وليس في الجزر اليونانية غير القادرة على استقبالهم او تسجيلهم بشكل صحيح. واعتبرت ان هذه المراكز ستتيح التحقق من الأشخاص بشكل فعلي والتأكد من أنهم لا يشكلون تهديدا. وتأتي هذه الدعوة فيما أعطى البرلمان المجري الموافقة على القيام بعمل قضائي ضد حصص توزيع المهاجرين بين الدول الأعضاء الذي قرره الاتحاد الاوروبي. ونصبت المجر التي تعتمد نهجا متشددا حيال المهاجرين، سياجا شائكا على حدودها مع صربيا وكرواتيا وهي من اشد معارضي خطة توزيع 160 ألف لاجئ التي قررها الاتحاد الأوروبي هذا الخريف. وبحسب مفوضية الأممالمتحدة العليا للاجئين فان 820 ألف و318 مهاجرا ولاجئا عبروا المتوسط للوصول إلى أوروبا عام 2015 والغالبية الكبرى منهم (674 الف) انطلاقا من اليونان وجزر بحر ايجه. وقتل أو فقد 3470 خلال أسوأ أزمة هجرة تشهدها أوروبا منذ 1945 . وقد أعادت اعتداءات باريس والعثور على جواز سفر سوري بالقرب من جثة احد الانتحاريين تسليط للضوء أحياء التوتر داخل الاتحاد الأوروبي حول سياسة استقبال المهاجرين، إذ يعتبر مؤيدو انتهاج خط أكثر تشددا أن مخاوفهم مبررة أكثر من أي وقت مضى. ودافع رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر عن السياسة المعتمدة حتى الآن مؤكدا "عدم إجراء مراجعة كلية للسياسة الأوروبية بشان اللاجئين". وأكدت أثينا وبلغراد ان جواز السفر السوري الذي عثر عليه الى جانب انتحاري في ستاد دو فرانس ولم يعرف بعد ما إذا كان يعود له أصلا، هو لمهاجر وصل في الثالث من أكتوبر إلى جزيرة ليروس اليونانية وانتقل بعدها إلى صربيا. فليدرز وبيغيدا وصرح ماركوس سودر من الحزب الكاثوليكي المحافظ في بافاريا للصحف الألمانية ان "كل اللاجئين ليسوا إرهابيين من تنظيم الدولة الإسلامية لكن من السذاجة القول بعد وجود اي مقاتلين ضمن اللاجئين". وشدد سودر الذي يوجه حزبه منذ اسابيع انتقادات لسياسة حليفته المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ازاء اللاجئين ان اعتداءات "باريس غيرت كل شيء ولم يعد من الممكن السماح بعدم فرض رقابة" على هذا الموضوع. وأشار رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو إلى "المخاطر الأمنية الهائلة المرتبطة بموجة الهجرة". ولم ينتظر وزير الشؤون الاوروبية البولندي المحافظ كونراد زيمانسكي تسلم مهامه ليعلن منذ ان بلاده المعادية لاستقبال لاجئين لن "تكون قادرة سياسيا" على احترام الاتفاقات الأوروبية حول خطة توزيع اللاجئين. الا ان الرئيس البولندي الاسبق الحائز جائزة نوبل للسلام ليخ فاليسا أعرب عن "رفضه التام" لهذا الموقف، مذكرا بان البولنديين تلقوا مساعدات كثيرة من الآخرين وعليهم التضامن مع الذين يحتاجون إليهم". في المقابل، كتب النائب الشعبوي الهولندي غيرت فيلردز الذي يتصدر حزبه استطلاعات الرأي في بلاده على تويتر "اطلب من رئيس الحكومة اغلاق حدودنا فورا". واعتبرت حركة بغيدا الألمانية المعادية للإسلام ان تفادي وقوع اعتداءات في المانيا لن يكون ممكنا "ما لم يوضع حد لتدفق طالبي اللجوء وتامين الحدود كما يجب". ووصل أكثر من 800 ألف لاجئ إلى أوروبا عبر البحر منذ مطلع العام، غالبيتهم من الشرق الأوسط وتتوقع ألمانيا ان يبلغ عدد اللاجئين الذين ستستقبلهم هذا العام مليون شخص. وحذر وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيار من إقامة "رابط متسرع" بين اعتداءات باريس وبين أزمة الهجرة في أوروبا. ودعت وزيرة الدفاع اورسولا فون دير ليين الى "ضبط النفس والامتناع عن الخلط بين الإرهاب واللاجئين". واكد يونكر قبل بدء قمة مجموعة العشرين في انطاليا بجنوبتركيا الاحد ان "الذين نفذوا الاعتداءات هم انفسهم الذين يهرب اللاجئون منهم وليس العكس". وتابع "لا يمكن المساواة بين منفذ الاعتداءات في باريس وبين اللاجئين الفعليين الذين يبحثون عن ملاذ"، داعيا الى عدم الانسياق وراء ردود الفعل "الغريزية". واعتبر وزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز ان "اغلاق الحدود يخلق وهما بأننا في أمان لكن ذلك مجرد خرافة لا تفيد أحدا". وتابع "علينا بالطبع مراقبة المهاجرين للتأكد من هوياتهم ونواياهم لكن علينا توخي الحذر عندما نربط الأسباب بالنتائج". وأضاف "أتفهم هذا الخوف ولا يمكننا ان نستبعد نهائيا وجود" جهاديين بين المهاجرين، "لكننا نواجه إرهابا حصل قبل موجة المهاجرين الكبرى وبعدها". في كرواتيا التي أصبحت نقطة العبور الرئيسية للمهاجرين الى دول البلقان، اعتبر رئيس الوزراء زوران ميلانوفيتش أن "اغلاق (الحدود) ومد سياج شائك لن يحولا دون وقوع مBس مشابهة". وأضاف "ارفض الربط بين ازمة المهاجرين وبين الماساة في باريس". في طنجة اعتبر خبراء دوليون، في إطار فعاليات منتدى "ميدايز 2015"، أن ظاهرة الهجرة "القسرية" تعد آفة دولية معقدة سيكون لها تأثير على الوضع الامني والاقتصادي والاجتماعي العالمي على المدين المتوسط والبعيد، إن لم يحسن المجتمع الدولي تدبيرها في الوقت الراهن بآليات مستعجلة وناجعة. وأكد الخبراء، خلال جلسة خاصة حول "السياسة، أزمة المهاجرين، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية وتنامي التيارات الشعبوية.. كيف السبيل الى إعادة الاستقرار الدائم وجاذبية وتنافسية أوروبا"، أن مواجهة ظاهرة الهجرة من بؤر التوتر والمناطق غير الآمنة تستدعي من المنتظم الدولي، بهيئاته العالمية والاقليمية وكل مكوناته الحكومية والمؤسساتية والمدنية، "تدخلا عاجلا" لوقف تدهور الاوضاع، عبر سياسات متعددة الإبعاد تلامس الجوانب الأمنية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية في مناطق النزاع. وأضافوا أن مواجهة ظاهرة الهجرة تقتضي، أيضا، التزاما من قبل بعض الاطراف الدولية بعدم تأجيج الصراع، ووقف تسليح الاطراف المتنازعة، والمراهنة على الحلول السلمية، مع دعم المبادرات الداخلية لتعزيز الحوار والبناء الديموقراطي المؤسساتي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وضمان الاستقرار والأمن والكرامة للمواطنين، مؤكدين أن الحلول الامنية أثبتت بالملموس في عدة حالات عدم جدواها، أو أن نتائجها تكون مرحلية ومحدودة ولا تحقق النتائج الايجابية المرجوة منها. نفق مظلم من جهة أخرى، اعتبر المتدخلون أن التعاطي مع المهاجرين داخل البلدان الاوربية يجب أن تتحكم فيه الإرادة والقرار الموحد لكل دول القارة العجوز، بعيدا عن الحسابات السياسية والسوسيواقتصادية الضيقة، والتي لا تتماشى مع قيم الاتحاد الاوربي وفلسفته الوحدوية، مبرزين في الوقت ذاته أن تقاعس بعض الدول الاوروبية في تنزيل القرارات الاوروبية بشأن الهجرة وتنامي النزعات القومية والشعبوية، قد يدخل القارة العجوز في نفق مظلم يصعب الخروج منه. فيما أكد بعض المتدخلين أن التعاون في مسألة الهجرة بين الاتحاد الاوروبي ودول جنوب وشرق حوض البحر الابيض المتوسط والدول المصدرة للهجرة خاصة، قد يساعد في حل الازمة، شريطة أن يوفر الدعم المادي واللوجيستيكي والسياسي والامني الكافي، مبرزين أن التعاون القائم بين اسبانيا والمغرب في مجال تدبير شؤون الهجرة يمكن أن يفيد في فهم خلفيات الهجرة وآليات مواجهتها. وخلص المتدخلون الى أن تنامي المشاكل المرتبطة بالهجرة، سواء داخل اوروبا أو في الدول المعنية بالوضع، وعدم التعاطي بعمق مع الظاهرة وتسويف القرارات، قد يؤدي مستقبلا الى تدهور بعض الاقتصادات العالمية التي تقود حاليا الاقتصاد العالمي،باعتبار التأثير السلبي لظاهرة الهجرة على حركة الاقتصاد والاستثمارات والجانب السياحي والامني وما الى ذلك من المشاكل،التي لا يمكن حلها الا بتضافر جهود المجتمع الدولي. وأطر هذه الجلسة السادة ماركوس بينيا رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإسبانيا، ويانوس بابانتونيو الوزير الاسبق للاقتصاد الوطني بالحكومة اليونانية، وبريان كوين الوزير الايرلاندي السابق، وسيريل سفوبودا الوزير الاول التشيكي الاسبق، والخبيرة الدولية راشيل مارسدين. ويلتئم في هذه التظاهرة، التي ستختتم اليوم السبت والمنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من طرف معهد "أماديوس" تحت شعار"من التصادم الى التضامن"، أزيد من 120 متدخلا ونحو 1200 مشاركا من بينهم مسؤولون رسميون وصناع قرار سياسيون واقتصاديون وممثلو منظمات إقليمية ودولية، إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني لمناقشة العديد من المواضيع الاستراتيجية المهمة، خاصة ما يرتبط بالوضع في العالم العربي والشرق الاوسط تحديدا، والتحولات الامنية والسياسية الاستراتيجية في مختلف مناطق العالم، كمنطقة الساحل وأوروبا الشرقية ومنطقة البحيرات العظمى.