بدأت تفاصيل الهجمات الإرهابية التي أوقعت فى باريس 132 قتيلا ومئات الجرحى في التكشف، بشكل أثار مخاوف المحققين من وجود شبكات إرهابية عابرة للحدود الأوروبية، بسبب قدوم الإرهابيين من عواصم أوروبية عدة، منها بلجيكا وصربيا واليونان وغيره.. وتعمل أجهزة الاستخبارات الأوروبية على قدم وساق لكشف الأطراف المتورطة فى الهجمات، بينما وافق وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي على طلب باريس بعقد اجتماع طارئ، الجمعة المقبل، لبحث سبل مواجهة الإرهاب. وتعتزم السلطات الفرنسية تمديد حالة الطوارئ المفروضة فى أنحاء فرنسا بعد الهجمات داخل باريس وبالقرب منها، مما يمنح السلطات مجالا أكبر لمحاربة الإرهاب المنظم واستعادة السيطرة الكاملة على حدود البلاد وتطبيق إجراءات مثل إغلاق المساجد المتطرفة. وتُشغل مصالح الاستخبارات الفرنسية جيشا عرمرما من المخبرين، عسكريين ومدنيين وعلماء وباحثين ومحللين وإعلاميين، يمدونها بمعلومات في منتهى الدقة لتفادي نتائج قد تكون كارثية على المستوى الأمني. وأقل ما تمتلك فرنسا في مجال الاستخبارات مصلحتين أساسيتين، واحدة تهتم بالأمن الداخلي (التجسس المضاد) وأخرى تتولى الأمن الخارجي (التجسس خارج التراب الوطني). ومن مهام المؤسستين اللتين تشهدان تنافسا وصراعا قويين بينهما في محاولة كل واحدة تحقيق السبق أو الاستفراد بالمعلومة، تتبّع التطورات السياسية بالخارج وتوفير ما يلزم من معلومات مرتبطة بمراقبة التراب وتقوية الدور السياسي الفرنسي من خلال العدد الكبير من الموظفين بسفارات فرنسا وخاصة السفارات المحورية مثل موسكو وواشنطن وبرلين ولندن وتل أبيب. أما المغرب العربي الذي تقيم فرنسا مع بلدانه علاقات متميزة، فقد عملت إدارة مراقبة التراب على تطوير شبكة واسعة من المخبرين في إطار ما تسميه بمكافحة الإرهاب وحماية مواطنيها. وفي سابقة باغتت الكثير من الخبراء الأمنيين، قرر الرئيس فرانسوا هولاند بعد سنة من السلطة، استجماع إدارة مراقبة التراب مع مصلحة الاستعلامات العامة في مديرية واحدة أطلق عليها اسم "المديرية المركزية للاستعلامات الداخلية"، ومهامها موزعة ضمن قطبين رئيسيين، قطب "الاستعلامات" ويحرص على حماية "المصالح المركزية للدولة"، وقطب ثاني يشتغل على "المعلومات العامة" المرتبطة بالتماسك الوطني والنظام العام بما في ذلك مراقبة الإجرام والعنف الحضري والحركات الاجتماعية. وتقوم رؤية الرئيس هولاند على أنه "ليست هناك قوة أمنية ودبلوماسية كبيرة من دون قوة استعلامية كبيرة" لا سيما وأن التهديد المباشر الذي هو "الإرهاب" بات يأخذ، برأيه، أشكالا مختلفة بيولوجية وكيمياوية. ويختلف المشهد الاستخباراتي اليوم عن سابقه أثناء الحرب الباردة حيث الحاجيات الاستعلامية تضاعفت وتنوعت، والتهديدات الأمنية اختلفت. فمن كان يتوقع قبل عشر سنوات أن تفضي أحداث الضواحي التي انفجرت إثر كلمة "الرعاع" التي قالها ساركوزي، وزير الداخلية آنذاك، في حق الشباب، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ بالبلاد. ومن كان يظن أن يهز شيخ اسمه بن لادن يعيش في وديان أفغانستان وجبالها، الأرض تحت أقدام أمريكا التي جندت ضده أقوى جيوش العالم قبل أن تغتاله سنة 2011. وتجتهد المصالح الاستخباراتية الفرنسية برمتّها (الشرطة، الدرك، الجيش، المخبرون المدنيون والإعلاميون...) في استباق مخاطر "الإرهاب الإسلامي" الذي يتهدد البلد، حيث تقبع فرنسا اليوم تحت عيون مخابراتية دقيقة وفاحصة للتيارات والمنظمات الإسلامية. وتشرك معها تحت ذريعة الأمن أو ما تسميه ب"الخطر الإسلامي"، أجهزة المخابرات المغاربية التي تنشط إلى جانبها في جمع المعلومات وفي مراقبة المساجد وحضور الندوات الإسلامية بغية التأكد من محتوياتها الدينية والسياسية.