منحت الأكاديمية الفرنسية الخميس الجائزة الكبرى للرواية للكاتب التونسي هادي قدور والجزائري بوعلام صنصال، وهي المرة الثالثة منذ استحداث الجائزة الكبرى للرواية سنة 1915 التي تمنح الأكاديمية جائزتها الكبرى للرواية إلى كاتبين معا. وتم اختيار هادي قدور وبوعلام صنصال اللذان يجسدان حيوية الأدب الفرنكوفوني، في الدورة الرابعة من التصويت بحصول كل واحد منهما على 11 صوتا في مقابل صوت واحد للروائية الفرنسية أنييس ديزارت التي كانت مرشحة عن كتابها "سو كور شانجان" (هذا القلب المائل). وقد فاز الجزائري بوعلام صنصال (66 عاما) عن كتابه "2084" (دار غاليمار) الذي كان مرشحا للفوز بعدة جوائز أدبية هذه السنة في فرنسا، حيث هو حاضر في كل الجوائز بدءا من غونكور ورونودو وفيمينا وميديسيس. وهو لا يزال مرشحا للفوز في جائزتي فيمينا وإنتراليه. وفاز الروائي التونسي هادي قدور (70 عاما) عن روايته "لي بريبونديران" (المتفوقون) (غاليمار)، وهو لا يزال مرشحا للفوز بجوائز غونكور وفيمينيا وميديسيس. وقد فاز الاثنان بجائزة جان فروستييه. ومنذ صدورهما نهاية غشت، حققت الروايتان نجاحا كبيراحيث بيعت أكثر من مئة ألف نسخة من رواية "2084"وقرابة 150 ألف نسخة من رواية "المتفوقون". وأشاد عضو الأكاديمية الفرنسية فريديريك فيتو "بالوسع الروائي" لهادي قدور "الذي يمزج في قصة وموقع جغرافي محددين مجموعة من الشخصيات العذبة والوفيرة، تتشابك مصائرها وتنير زمننا". ويستعرض هادي قدور في روايته عالما على وشك الانهيار بوتيرة لاهثة راسما صورة قاسية عن مجتمع استعماري متسمر في عشرينات القرن الماضي في إفريقيا الشمالية. وقد اختير بين المرشحين الأربعة في التصفية النهائية لجائزة غونكور وقد يصبح الكاتب الثالث الذي يجمع بين جائزتي الأكاديمية الفرنسية وغونكور. ويتزامن منح الجائزة لروائيين من المغرب العربي مع ندوة أدبية نظمتها الأكاديمية الفرنسية قبل ثلاثة أيام حول "صلة الأدب المغاربي بالآداب العالمية" بتنسيق مع المركز الفرنسي للذاكرة المتوسطية، وبمشاركة صفوة من الأدباء المغاربيين والفرنسيين ممن حاولوا النبش في ذاكرة الأدب المغاربي بمنظور يكرس هويته المغاربية حتى وإن كُتب بالفرنسية، وما إذا كان استعماله للغة الفرنسية في مختلف إبداعاته (رواية، شعر، قصة، مسرح، نقد...) مكنه من اقتحام ما اصطلح على تسميته بالعولمة الثقافية. وأجْلت الندوة في البداية ملاحظة مفادها أنه إذا كان الغربيون يصرون على اعتبار الأدب المغاربي جزءا لا يتجزأ من آدابهم، ويدرسونه في الجامعات على انه أدب فرنسي مع أن كتابه مغاربيون، فإنهم يلغون بذلك روح الهوية والانتماء المتأصلة في لغة الإبداع بشكل عام، ويتناسون أن ارتباط أدباء المغرب العربي بالثقافة الغربية أثمر تفاعلا للثقافتين المغاربية والغربية معا. وفي سياق هذا التميز المتشبع بالهوية المغاربية، فإن المحصلة كما خلصت إليها الندوة، هي أن الأدب المغاربي يمثل شيئا فريدا مختلفا عن الأدب الأوربي وحتى الأمريكي في أساليبه ومضامينه، وهو وإن استفاد من أجواء حرية النشر الغربية بشكل كامل، إلا إن جمالياته ظلت لصيقة بجماليات صفوة من المبدعين المغاربيين من أمثال ادريس الشرايبي ومحمد ديب ومولود فرعون، بشكل قد يكون أشد قوة من الجماليات الغربية. أما المضامين، فهي نابعة من ضمير مواطنين مغاربيين مثقلين برواسب التخلف والاستلاب الفكري. وعاب هؤلاء على الآداب المغاربية المكتوبة بالفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وهي لغات المعرفة حاليا، تقوقعها في الإقليمية الضيقة التي لم تساعدها على اختراق الحدود والتماهي مع إشكاليات وقضايا طرحتها الآداب الغربية. فعلى الرغم من طابعه العريق، ثراء وتنوعا، لم يرق هذا الأدب إلى مقام الآداب العالمية. فلا الجوائز العالمية التي نالها بعض المغاربيين، ولا المسارات الأدبية المتفردة كانت بقادرة على ترسيخ هذه الآداب بأسماء ونصوص جديدة، في أرشيف الآداب العالمية. وعمد المتدخلون إلى النبش في الذاكرة الأدبية المغاربية بمنظور يستنطق الماضي كنقطة مرجعية ضرورية للتعامل مع الحاضر، وكشرط أساسي لتفعيل التلاقح والانصهار بين النتاجات القديمة والحديثة، مؤكدين على أن الأدب المغاربي بشقيه الفرنكفوني والعربي، لم يتمكن حتى اليوم من التقاط تعقيدات العالم الغربي ومفارقاته بلغة تكسبه نقطة ارتكاز قوية وتؤهله لكسب رهان العولمة الثقافية. وإذا كانت الكتابات المغاربية في جوانبها الإبداعية والنقدية (رواية قصة مسرح شعر..) مرت في مسارها الأدبي بالمراحل نفسها التي عرفتها الكتابة العربية المشرقية، وأثبت قدرتها على التفاعل معها تأثرا وتأثيرا، فإن جانبا من هذه الكتابة التي اعتمدت الفرنسية لغة للتواصل، لم تتمكن بفعل الواقع التراكمي المغاير، من التحرر من سلطة المرجعيات العربية وممارسة فعل التغيير في النسق الكتابي شكلا ومضمونا. وقد رصدت الندوة هذا الواقع فيما قدمته من نماذج أدبية تعكس تموضع الأدب المغاربي بين فضاءين إبداعيين متباينين.. عربي ينطلق من الموروث في محاولة لاستكشافه وإعادة تركيبه، وفرنسي يميل إلى استيفاء دلالات العولمة الثقافية من خلال الكتابة التنافرية والاستعارية التي تميز النمط الغربي. وفي سياق هذا التباين استعرضت الندوة مقومات الكتابة المغاربية من خلال ثلاثة محاور.. الأول مرتبط بالموقع الجغرافي للمغرب العربي كملتقى لحضارات وثقافات مختلفة، وكمحطة فاصلة بين العديد من تيارات الفكر والأدب. ويختزل هذا المحور تنوع الكتابة المغاربية بما عرضه المتدخلون من مرجعيات غزيرة ومتنوعة للنتاجات الأدبية بازدواج لغتها بالإضافة إلى الأعمال المترجمة من وإلى اللغتين العربية والفرنسية.