يجد السينمائي المغربي نفسه وحيدا ، بحيث يتهمه البعض بتبذير المال العام ، والبعض الآخر بنشر الفساد و الرذيلة في المجتمع ، و الأكثر منهما تسامحا يعيب عليه عدم حصوله على جوائز في مهرجانات كبرى ك «كان» مثلا ، وبالتالي تصبح سينماه لا قيمة لها و لا ترقى إلى مستوى الإبداع «المتألق». إننا نطالب المخرج المغربي أن يحصل على أرقى الجوائز العالمية ، و كأن سياسة الدعم (دعم الإنتاج السينمائي )وجدت لصنع أعمال يكون الهدف منها أولا ، المنافسة الدولية وليس لتشجيع صناعة سينمائية وطنية تحقق المتعة و التثقيف . يغيب في هذا المنطق الجمهور المستهدف الأول للأعمال التي نصنعها وهو الجمهور المغربي ، و بعيدا عن « البولميك « و الحروب الصغيرة و التافهة ، يجب الحسم في السؤال الوجودي: هل الأمر يتعلق بأفلام أم بسينما مغربية ؟ هذا الجمهور يقبل على الإنتاج المغربي بكل ما له و ما عليه ، و بكل الوسائل المشروعة (القاعات السينمائية و البث التلفزيوني ) ، و الغير المشروعة (القرصنة و التحميل على الانترنيت) ، و يعرف المطلع على مجريات الأمور السينمائية أن الجوائز الكبرى التي نطالب بالحصول عليها ، لا تتطلب الإبداع الخالص ، بل شروطا أخرى لا علاقة لها بمستوى الإبداع ، من بينها مثلا ، أن يكون الفيلم منجزا بإنتاج مشترك مع إحدى دول الاتحاد الأوربي و بالتحديد فرنسا ، أو أن يكون البلد القادم منه الفيلم ، مستهدفا من طرف الرأي العام و الإعلام الغربي كاستمرارية لاستهدافه من طرف المجتمع السياسي ، أو أن يكون في حالة حرب ، وهي شروط لا يحققها المخرج القادم من المغرب ، بكون المغرب بلد مستقر سياسيا و يدعم السينما . هل تقييمنا لعمل سينمائي رهين بعدد الجوائز التي حصل عليها و عدد المهرجانات التي شارك فيها ؟ أكيد أن الجواب لا ، و لكننا لا يمكن أن ننفي بأنها تساهم في الترويج للعمل و في انتشاره ، و هي بالطبع ليست أبدا محددا للجودة و المستوى الفني الذي هو في الأصل نسبي بامتياز ، و جائزة الأوسكار التي نطالب المخرج المغربي بالحصول عليها مخصصة للأفلام الأمريكية. أي أن ليلة توزيع الأوسكار معادلة للمهرجان الوطني « مهرجان طنجة « أو « ليلة السيزار « في فرنسا أو « غويا « في اسبانيا ، و تخصص فقط جائزة وحيدة للفيلم الأجنبي ، تتنافس عليها كل دول العالم بالأفلام التي أنتجتها خلال السنة . يجب أن نعترف في البداية أننا حديثي العهد بالسينما بخلاف باقي دول العالم ، فأول الأفلام التي نؤرخ بها لبداية السينما المغربية هو فيلم « الابن العاق « ، وهو في الحقيقة فيلم بسيط و بدائي إلى حد كبير ، و يأخذ أهميته من كونه فيلما رائدا ، و رغم ذالك لم يشكل انطلاقة صناعة سينمائية تضمن على الأقل فيلما في السنة ، و الحديث عن الإنتاج السينمائي المغربي عرف استقرارا نوعا ما بعد خلق صندوق دعم الإنتاج الوطني في بداية الثمانينات ، و في المرحلة الثانية خلال التسعينيات من القرن الماضي بعد النجاح الجماهيري الذي حققاه الفيلمين ‘حب في الدارالبيضاء ‘ و' البحث عن زوج امراتي ‹ . نقاد السينما المغربية أو الأفلام المغربية كما يحلو للبعض مناداتها ، يطالبون المخرج بالإبداع و في نفس الآن أن يطابق كل الأعمال التي شاهدوها ، وكأن هذه التحف وجدت لوحدها دون أي شرط أو أي سياق ، و كان مخرجوها يعيشون في قارات معزولة ولهم قدرات إبداعية في مستوى الكرامات و منفصلة عن أي سياق ثقافي أو سينمائي ، من هنا يجب إعادة النظر في بعض ألبديهيات بأخذ نموذج لمخرج سينمائي معروف ، و التساؤل عن الآلية التي استخدمت للترويج له ولفيلمه ، و جعله في متناول المتفرج المهتم في كل بقاع العالم ، و أنا هنا لا أتحدث عن السينما الهوليودية التجارية التي تخصص للدعاية و الترويج إمكانيات تفوق إنتاج الفيلم بحد ذاته ، بل أتحدث حتى عن الاستراتيجيات العفوية التي تقف وراءها بعض المؤسسات الإعلامية و الثقافية و التي هي في النهاية تجارية بدرجة أقل .و الدليل ، هناك أعمال كثيرة اكتشفت بشكل متأخر و ليس في لحظة خروجها ، أو رفضت أثناء خروجها بإجماع المتتبعين والنقاد ، و تم رد الاعتبار لها في وقت متأخر عندما انتبه لها أحد النقاد أو أحد مدراء المهرجانات . كم سهل أن تعشق السينما و أن تشاهد الأفلام و تقرأ عنها و تدافع عليها ، وكم صعب أن تصنع فيلما و لو تعلق الأمر بفيلم رديء ، فالقراءة الإسقاطية في مقاربة الفيلم المغربي ، فيها نوع من الهروب إلى الأمام ، ربما عن وعي أحيانا أو بدون وعي أحيانا أخرى تطالب المخرج بإعادة الإنتاج ، و ليس بإنتاج فرجة جديدة ، بل تتهرب من مواجهة واقع جديد ربما مازال متعثرا يخطو خطواته الأولى ، ويتطلب في كل الأحوال آليات تحليلية و نقدية جديدة ، على الأقل ليست هي التي نقارب بها فيلم قادم من بلد له تقاليد في الإنتاج السينمائي و الفنون الدرامية و الروائية عموما . ربما سأجازف و أقول أن علاقة جمهور المتتبعين و صانعي الرأي العام بالفيلم المغربي تحددها نوع من المازوشية و القسوة ، و كأنها تبحث لهذا الإنتاج عن مشروعية مستحيلة ، تارة بإقامة مقارنات تصل إلى حد المزايدات مع السينما العالمية ، و تارة تبدع في البحث عن الهفوات و تضخيمها ، و في حالات نادرة تمدح البعض بشكل مبالغ فيه ، بعناوين رنانة لا علاقة لها بمضمون المقال و لا تحيل على أي شيء. في الأخير ، لا أدعو إلى الدفاع اللامشروط عن الإنتاج الوطني ، لكن يجب خلق علاقة جديدة ، و إبداع مسافة نقدية ممكنة مع المنتوج المغربي ، مسافة تعطيه أهميته و تأخذ بعين الاعتبار شروط ونمط الإنتاج ، و قراءة موضوعية تعي جيدا موقعنا داخل السوق السينمائية العالمية. هي إذن دعوة لتجسيد علاقة تساعد السينمائي على التطور وتخرجه من عزلته، وتراكم لخلق خطاب سينمائي بخصوصيتنا الثقافية ، و يعبر عن الشخصية المغربية بتعددها وتناقضاتها وتاريخنا ، لكي نجد موطئ قدم في هذه القارة المسماة السينما ، لما لا.