أعاد قرار جلالة الملك القاضي بإعفاء السيد أحمد الخريف من مسؤولية كتابة الدولة في الخارجية قضية ازدواجية التجنيس إلى واجهة اهتمام الرأي العام الوطني، ومكنتها من الأهمية البالغة التي تكتسيها. إن قرار جلالة الملك المهم يطرح أمام المجتمع قضية امتلكت جميع مواصفات التطبيع خصوصا بالنسبة للمسؤولين. طبعا، لا يمكن الحديث بجفاء عن هذه القضية والارتكان إلى المطالبة بمنعها، فإنتماء المغرب للمجتمع الحقوقي الدولي يمنعه من المضي في هذا الإتجاه، ولكن أصبح الآن من الضروري طرح قضية التجنيس بالنسبة للمسؤولين المغاربة خصوصا الذين يدبرون ملفات ذات أهمية كبيرة أو الذين يديرون قطاعات استراتيجية. ثمة، مجموعة من المعطيات والوقائع تضع قضية تجنيس المغاربة بجنسيات دول جارة صديقة في سياق آخر غير السياق الذي يبدو معلنا. طبعا لا نتهم أحدا بضعف روح المواطنة والإنهزامية التي تقود المواطن للهرولة نحو البحث عن جنسية بديلة هروبا من جنسية لم يتمكن بها ومن خلالها امتلاك جميع حقوقه الإقتصادية والإجتماعية، فالحال هنا يتعلق بالبسطاء من المواطنين الذين يربطون بين تجويد ظروف عيشهم والحصول على جنسية دولة أخرى شريطة أن تكون من الدول التي تسود فيها أوضاع أحسن، ولها وزن على المستوى الدولي، إن القضية على هذا المستوى تكون ملتصقة أشد الالتصاق بالعامل الإقتصادي، وعلى هذا الصعيد لا يمكن مقاربة هذه الإشكالية إلا من خلال الدعوة إلى القضاء على الأسباب التي فرضت على ذلك المواطن البحث عن التجنيس بجنسية أخرى، من خلال تحقيق تنمية اقتصادية شاملة مع دعوة ملحة للمدرسة والإعلام والمجتمع السياسي والمدني في أن يقوموا بأدوارهم كاملة في تعبئة المواطنين نفسيا وتقوية انتمائهم للوطن وتكريس اعتزازهم بوطنيتهم وبمواطنتهم. القضية تأخذ منحى آخر حينما يتعلق الأمر بتجنيس المسؤولين وعلى هذا المستوى يجب أن نمتلك الشجاعة للاعتراف بأن المسؤولين السامين تقاعسوا في مواجهة هذه الظاهرة التي لا تخلو من خطورة. فكثير من الوزراء والسفراء والمديرين العامين ورؤساء مؤسسات عمومية وإطارات استشارية وغيرهم كثير سارعوا إلى التجنيس خصوصا بالجنسيات الفرنسية والإسبانية والكندية والأمريكية، واستمر الحال على ما هو عليه بشكل طبيعي وحصل في إحدى المرات أن لاحظنا بذهول كبير كيف أن سفيرنا في إحدى الدول الأوروبية كان يتوفر على جنسية البلد الذي يمثلنا فيه، ولم نعد نعرف هل هو سفيرنا في ذلك البلد، أم سفير ذلك البلد عندنا. وأمام صمت الدولة بل ومباركتها استفحلت الظاهرة، بل بدا للبعض أن الحصول على الجنسية الفرنسية مثلا إضافة نوعية مهمة ستزيده حظوظا في الترقي داخل أجهزة البلاد. ولم يكن غريبا أن نلاحظ باستغراب كبير كيف يحرص بعض المسؤولين على تسفير زوجاتهم الحوامل قبل أيام قليلة من الوضع خصوصا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وفرنسا لاستفادتهم من جنسيات تلك البلدان التي تنص قوانينها على ذلك. ولم يكن خافيا أن القضية أخذت منحى سياسيا صرفا مع الجارة اسبانيا التي تنص قوانينها على أن سكان مستعمراتها السابقة يستفيدون من الحصول على الجنسية الإسبانية، لكن جميع الحكومات التي تعاقبت على اسبانيا خلال 35 سنة السابقة حصرت الإستفادة على سكان أقاليمنا الجنوبية التي كانت تحتلها في حين منعت ذلك بشكل مطلق على سكان منطقة شمال البلاد التي كانت بدورها مستعمرة من طرف اسبانيا، وهذا الكيل بمكيالين يؤكد وجود حسابات دقيقة لمدريد في هذا الموضوع. إن قرار جلالة الملك الأخير يؤكد أنه لم يعد ممكنا السكوت على هذا الموضوع، وأنه رسالة واضحة للمجتمع برمته ورسالة غير مشفرة لجيراننا.