يبدو أن الحديث عن تطور البناء الديمقراطي المحلي ببلادنا،من خلال انتخابات يوم الجمعة 4 شتنبر 2015 المنصرم،و الاحتفاء بهذه الاستحقاقات، باعتبارها أول انتخابات جماعية وجهوية في ظل الدستور الجديد الذي يمثل قفزة نوعية في مجال التطور السياسي بالمغرب بفضل النفحة الديمقراطية التي يحملها في طياته،ذهب أدراج الرياح،حيث سجل العديد من الملاحظين خلال اقتراع يوم 4 شتنبر،الذين عاشوا وتابعوا ما دار في هذا اليوم بأدق تفاصيله من خلال الشكاوى والاحتجاجات والاستفسارات التي كانت تصلهم أولا بأول من المواطنين،من شتى مراكز التصويت بجل ربوع المملكة، وبدون مبالغة، يمكن القول إن الانتخابات العامة الجماعية والجهوية مرت في أجواء شبيهة بتلك التي كان يعرفها الاقتراع في سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي،والتي كان يطعن في نزاهتها سياسيا، دائما من قبل الأحزاب الوطنية الديمقراطية ومن ضمنها حزب الاستقلال الذي لطالما وقف في وجه أي معاد لإرادة الشعب،وهو ما يزكي سير الحزب في منحى خروجه من تجربة حكومية فاشلة لم تعرف إلا نهج الانقضاض على جيوب المواطنين،والفشل الذريع في الإصلاح،على جميع المستويات. وبشهادة وسائل الإعلام،وجد مراقبون أنفسهم طيلة يوم الاقتراع،أمام سيل من الشكاوى التي كانت ترد من أغلب وجل مكاتب التصويت،تتعلق كلها بالخروقات الانتخابية، والتي يمكن القول إنها كارثة وفضيحة جديدة تنضاف لفضائح حكومة تتلذذ بالفواجع،إنها خروقات جسيمة حسب المواطنين تمثلت في استمرار الحملة الانتخابية داخل أسوار المدارس التي بها مكاتب التصويت وفي الطرقات المؤدية إليها أيضا.وتم تحويل بعض مكاتب الإرشاد إلى مكاتب للدعاية المفتوحة لصالح بعض المرشحين أو اللوائح المحسوبة على حزب العدالة والتنمية،في حين تم تحويل بعض مكاتب الإرشاد إلى وسيلة لمنع البعض من التصويت،حيث كان يتلقى المواطنون أرقام تسجيلهم بانتقائية مقصودة و"مفضوحة" وكان الجواب للعديد من المواطنين الاستقلاليين بأنهم غير مسجلين. وتحولت بعض المكاتب أيضا إلى أداة معرقلة لعملية التصويت،وذلك بإرغام المواطنين على الإدلاء بأرقامهم،بينما يوجد بالمكتب من هو مكلف بمهمة البحث عن هذه الأرقام في اللائحة الانتخابية الموجودة بالمكتب المعني، بالإضافة إلى حرمان العديد من المواطنين من أداء واجبهم الوطني وحقهم الدستوري بسبب التشطيب عليهم دون أي مبرر أو سابق إنذار،إذ لم يغير أغلبية المواطنين المشتكين مقرات سكناهم ولم يطرأ في حياتهم ما يبرر هذا التشطيب. وشهد يوم الاقتراع أيضا أكبر عملية إنزال واستعمال للمال الحرام منه والحلال لشراء الأصوات والذمم،خاصة في الأحياء الفقيرة والمهمشة،بادعاء العمل الخيري،واستدراج أصوات المواطنين عن طريق الوازع الديني، ووجود أخطاء مادية كثيرة في اللوائح الانتخابية،حرمت الكثير من المواطنين من حقهم في التصويت،وقس على ذلك من الأشياء التي أساءت بشكل كبير إلى العملية الانتخابية وشوهت صورة الشفافية والنزاهة التي كانت مبدأ لا محيد عنه. لكن المفاجئ والخرق الصادم وغير المتوقع،هو موقف السلطات بكل أطيافها،والذي يتناقض تماما والخطاب الذي روجته وزارتا الداخلية والعدل ،قبل انطلاق الحملة الانتخابية،حيث ركزت السلطة على التزامها بالحياد الإيجابي بين الأطراف السياسية،لكن حسب المثال الشعبي المغربي " لي نتسناو براكتو دخل لجامع ببلغتو "،فالسلطة التي كان من المفروض أن تسهر على حماية العملية من عبث العابثين ومن فساد المفسدين،أصبحت تتعامل بحياد سلبي يشوبه في بعض الأحيان الرعونة،حتى لا نقول شيئا آخر، مع ما كان يجري أمام ممثليها من خروقات،فرجال السلطة بشتى أنواعهم من شرطة ودرك وقوات مساعدة و"مقدمين وشيوخ" كانوا عبارة عن ديكور،ما لم نقل بأن البعض منهم لم يكونوا محايدين بالمرة،بل ساهموا في تمييع العملية الانتخابية وساهموا إن لم نقل تواطؤا على تغليب كفة الحزب الذي يقود الحكومة،حيث في أحسن الأحوال،كانوا يجيبون كل محتج بأن عليه أن يلجأ إلى القضاء. خروقات مفضوحة لم تجد طريقها لإجراءات مستعجلة لردع المخالفين قبل فوات الأوان،هي خلاصة القول،حيث لا يسعنا اليوم إلا أن نبدي تخوفنا على مستقبل البناء الديمقراطي بالمغرب،خاصة وقد عادت نفس الممارسات التي كانت سائدة في الماضي البائد،التي اعتقد المواطنون أنها أصبحت في مزبلة التاريخ،فرغم ما تروج له وسائل الإعلام العمومية من كون العملية الانتخابية قد مرت في ظروف عادية،فإن الواقع يكذب ذلك،وإن كانت تصرفات الكائنات الانتخابية وسماسرة الانتخابات معروفة،فما لا يفهم هو الحياد السلبي تجاه هؤلاء،والذي أبانت عنه كل مكونات أجهزة السلطة التي لها علاقة بالانتخابات،بدء من حارس الأمن الموجود بباب المدرسة إلى المسؤولين المكلفين بالسهر على العملية الانتخابية.