لا شك أن القرارات الانفرادية الخاطئة التي اتخذتها الحكومة،التي يقودها حزب «البيجيدي « تسببت في تأزيم وضعية الصندوق المغربي للتقاعد،إلى جانب سوء التدبير والانحراف عن تنفيذ مضامين الإصلاحات السابقة. وتؤكد المعطيات المتوفرة أن جزءا كبيرا من الأزمة التي يتخبط فيها الصندوق،يرتبط بالاختيارات الحكومية على المستوى السياسي والاقتصادي،وخاصة بالنسبة لسياسة التشغيل على صعيد الوظيفة العمومية،التي عرفت تراجعا كبيرا ابتداء من سنة 2012.حيث إن تراجع عدد الموظفين الجدد،يقابله ارتفاع عدد المحالين على المعاش، وهو ما يتسبب في اختلال التوازن الديمغرافي بالنسبة لهذه المؤسسة. وتبرز المعطيات أن الحكومة التي يرأسها السيد بنكيران،عجزت تماما عن تعويض أعداد الموظفين المحالين على التقاعد،فبالأحرى توفير وظائف جديدة،خاصة بالنسبة للقطاعات الاجتماعية الحيوية كما هو شأن التعليم والصحة والعدل والأمن،التي تشكو من خصاص مهول،على مستوى الموارد البشرية،والتي يقدرها الخبراء،في الوقت الراهن،بحوالي 200 ألف إطار،منها حوالي 80 ألف بالنسبة لقطاع الأمن و مثلها بالنسبة لقطاع التربية والتكوين. وتنعكس هذه الوضعية على بنية الهرم العمري للموظفين المتسمة أصلا باختلال التوازن الديموغرافي وزحف الشيخوخة،حيث تؤكد الدراسات الرسمية أن أكثر من 52 في المائة من الموظفين المغاربة تفوق أعمارهم 45 سنة،في حين أن عدد الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة،لا يتجاوز نسبة 26 في المائة،وهو رقم يكرس الأزمة المالية للصندوق المغربي للتقاعد، ويهدد حقوق الذين ساهموا باشتراكاتهم خلال السنوات الماضية .. وتشير معطيات وزارة الاقتصاد والمالية إلى أن عدد المحالين على التقاعد عرف ارتفاعا ملحوظا خلال العشر سنوات الأخيرة ،فقد كان المعدل السنوي لا يتجاوز 5432 ما بين 2007 و2011 ،وانتقل خلال سنة 2012 إلى حوالي 11026 ،أي أن العدد تضاعف مرتين،أما بالنسبة لسنة 2015 ،فإن العدد سيصل إلى حوالي 16 الف متقاعد،أي حوالي ثلاثة أضعاف. ويقدر عدد المحالين على التقاعد خلال الفترة الممتدة من 2013 و2018 بحوالي 103844،وهو ما يفوق 17300 متقاعد كمعدل سنوي.وتتوقع الإحصائيات إحالة ما يزيد عن 204 ألف موظف في أفق سنة 2021 ،وحوالي 360 ألف موظف بحلول سنة 2031 ،أي ما يعادل حوالي 62% من مجموع الموظفين،الذين يقدر عددهم برسم سنة 2013،بحوالي 883 ألف و916 موظف يعملون بمختلف قطاعات الدولة. ويظهر أن توقف الإدارة عن التوظيف في الإدارات العمومية،يؤدي فعلا إلى التخفيف من تحملات الدولة على مستوى كتلة الأجور،ولكنه بالمقابل يتسبب في تراجع الخدمات المقدمة من قبل المرافق العمومية،والأخطر من ذلك،يؤدي إلى تعميق أزمة الصندوق المغربي للتقاعد،وبالتالي تفاقم اختلال التوازن بين الاقتطاعات والخدمات المقدمة من قبل هذه المؤسسة.وفي هذا السياق تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الكلفة المالية للخدمات المتعلقة بالأنظمة المدنية ارتفعت إلى حوالي 14.75 مليار درهم برسم سنة 2013،في حين أن مبلغ الاقتطاعات استقر في حدود 15.6 مليار درهم ،أما مدخرات الصندوق خلال السنة نفسها،فقد بلغت 78.7 مليار درهم. ويبدو أن الإصلاح الذي تريد الحكومة فرضه كحل،لن يؤدي في آخر المطاف إلا إلى تأزيم وضعية أنظمة التقاعد بشكل عام،ووضعية الصندوق المغربي للتقاعد بشكل خاص،على المدى البعيد،لأن الرفع من نسبة الاقتطاعات،ورفع سن الإحالة على التقاعد،لن يمكن من تغطية التحملات المستقبلية المرتبطة بالمعاشات،وبالتالي فإن الإصلاح الحكومي مجرد دواء مهدئ لمرض مزمن،وهو ما يعني الدخول في مسلسل من الإصلاحات كما وقع بالنسبة لفرنسا. ويظهر أن إشكالية إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد أو بالأحرى إصلاح أنظمة التقاعد في الحالة المغربية، ليست ذات طابع مالي ظرفي،وإنما ترتبط بالسياسة العامة للدولة ومدى توفقها في ميدان الاستثمار والتشغيل سواء في القطاع العمومي أو القطاع الخاص،والأخذ بعين الاعتبار التطور في الهرم الديموغرافي الذي يشهده المجتمع المغربي،وخاصة بالنسبة للفرق بين الموظفين المنخرطين في نظام التقاعد،والمتقاعدين المستفيدين من خدمات هذا النظام،وهو الأمر الذي لا يظهر أن حكومة عبدالإله بنكيران تهتم به حتى الآن..