منسوب الجرأة الواضحة والمكاشفة الصريحة اللذين وسما خطاب العرش لهذه السنة يعكسان الى أبعد الحدود تفاعل المؤسسة الملكية مع مصير النفس الاصلاحي القوي الذي تضمنه دستور فاتح يوليوز 2011 فيما يتصل بالقضايا والأوراش الكبرى التي تبنتها الوثيقة الدستورية. هاته الأوراش التي تتطلب أجرأة وتفعيلا تعكس صرامة متن الخطب الملكية في السنوات الأخيرة. خطاب العرش لهذه السنة أولى أهمية خاصة للجالية المغربية في الخارج التي يقدر عددها بقرابة الستة ملايين من مغاربة المهجر الذين سبق لجلالة الملك أن شدد في مناسبة سابقة على ضرورة العناية الموصولة بهم، والحرص على ارتباطهم الدائم بهويتهم الوطنية، مع التأكيد على ضمان تمثيلية مشرفة لهم في المؤسسات المنتخبة. الاهتمام الملكي بهذه الفئة ينبع من خلال ترسيم تمثيليتها في دستور فاتح يوليوز 2011 الذي أفرد لهم أربعة فصول كاملة تهم الآليات القانونية لتضمين مشاركتهم الفعالة والمثمرة في الحياة السياسية والتمثيلية الوطنية مع ما يتطلب ذلك من تنزيل وتضمين حضورهم في القوانين المؤطرة للاستحقاقات الانتخابية. جلالة الملك المتفاعل من خلال زياراته للخارج مع انشغالات أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج أكد في خطاب العرش أن مغاربة المهجر يلاقون صعوبات خلال تعاملهم مع بعض القنصليات في الخارج ويعانون من مشاكل إدارية كبيرة خلال تعاملهم مع القنصليات المغربية، وشدد على أن قضية الجالية المغربية أضحت قضية وطنية وذات أولوية في السياسات المغربية مما يعني ضمنيا أن الحكومة بوجه عام، و وزارة الخارجية بشكل خاص مطالبة بتفعيل نموذج جديد و مغاير في التعامل مع مغاربة المهجر من خلال التمثيليات القنصلية و سفارات المملكة خارج الوطن و خاصة بأوربا بشكل أكثر تحضرا و تقديرا لجهود هذه الشريحة المرتبطة بالوطن والتي تساهم بشكل كبير في المسيرة التنموية لبلدنا، وتعتبر خزانا للكفاءات والطاقات التي يمكن لبلدنا أن يستفيد منها و التي جرى تكريم نماذج مشرقة منها في مراسيم احتفالات عيد العرش لهذه السنة في رحاب القصر الملكي العامر. جلالة الملك عبر بوضوح عن استيائه من تعامل عدد من القناصلة في العالم مع المهاجرين المغاربة، معلنا أنه سيتم إنهاء مهام كل من قصر في أداء واجبه و دعا في هذا السياق وزير الخارجية والتعاون الى إنهاء مهام القناصلة الذين ثبت تقصيرهم خلال الأيام المقبلة، داعيا باقي المسؤولين في السفارات المغربية إلى احترام وتسهيل الخدمات للمهاجرين. العناية الملكية الموصولة لمغاربة المهجر والمتجلية في تشديدها على ضرورة وضع حد للاختلالات، والمشاكل، التي تعرفها بعض قنصليات المملكة والى حماية مصالح أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج تعكس مطلب التفعيل المستعجل للفصول 6 1 و17 و18 و163 من الدستور المغربي وتنزيل مقتضياتها عبر الحوار والتوافق في أفق ضمان تمثيلية مشرفة لهم في المؤسسات المنتخبة. التوجيهات الملكية المتعلقة بملف الجالية المغربية بدءا من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 30 للمسيرة الخضراء وإنتهاء بخطاب العرش الأخير تشكل أرضية جامعة ومرجعا أساسيا لادماج قرابة خمس المغاربة في منظومة التنمية التي تصبو اليها بلادنا عبر إشراكهم في صياغة وترجمة الأوراش الكبرى للمملكة وضمان إسماع صوتهم و انشغالاتهم في مؤسسات الدولة الكبرى. من هنا تبرز المسؤولية الكبرى للحكومة وللأحزاب وللمجتمع السياسي والمدني لتحويل هذه الشريحة الواسعة من المواطنين من مصدر عملة فقط الى نقطة قوة في مسار بناء أسس المغرب القوي والمتضامن بجهود وكفاءات كل مواطنيه بدون استثناء أو تهميش.