سؤال قد تحار في الإجابة عنه، ليس لأنك قد لا تكون قارئا ، ولكن لأنك ربما تقرأ أشياء متعددة مرة واحدة. تأخذ الكتاب، يستهويك وتبدأ في قراءته، ومن فرط شغفك بما تقرأ وبمحتواه تحرص عليه وتخاف أن ينضب ما تقرأ. تأخذ كتابا آخر سرعان ما يستهويك فتبدأه، ويحدث لك مع حدث لك مع الثاني وهكذا. قرأت في فصل من فصول كتاب عناصر للفلسفة elements de philosophie للفيلسوف الفرنسي آلان، Alain حكمة جليلة حول القراءة بحث تعنها عبثا لتسجيلها والاستشهاد بها مكتوبة ، وكأني بعجزي عن العثور عليها قد حققت رغبة «الآن» في حكمته وهي إقرأ كثيرا قدر ما استطعت ولا تهتم بالتسجيل، اترك قريحتك في القراءة تقودك ، ولا تقيد نفسك ولا تتعبها بالحرص والتسجيل، فالأفكار الجيدة وحدها تبقى في الذاكرة، هذه خلاصة ما احتفظت به من حكمه «آلان» دون أن أستطيع تسجيلها أو العثور عليها مكتوبة. * في رسالة له إلى لوسيليوس كتب سينيك (مات سنة 65 م) يقول: انتبه إن قراءة عدد كبير من الكتب، وعدد كبير من الأنواع يعود ربما الى مزاج متقلب. اختر كُتَّابك وتوقف عندهم لتتغذى من عبقريتهم. إن كثرة الكتب تشتت الذهن، وهكذا إذا كنت لا تقدر على قراءة كل ما عندك اكتف بأن يكون عندك فقط ما تستطيع قراءته. يمكن أن تقول: «إنني أحب تقليب صفحات هذا الكتاب وذاك، فأقول لك ان ذلك علامة على معدة متقززة تريد فقط أن تتذوق قليلا من الكل. وهذه الأطعمة المختلفة لا تغذي مطلقاً. إقرأ إذن الكتب الأكثر رصانة، وإذا أخذت أخرى على سبيل التسلية، أو بدافع نزوة عابرة إرجع بسرعة إلى كتبك الأولى. خذ كل يوم زادك لتتقي الفقر، والموت وكل الآفات. ومن الصفحات الكثيرة التي تسافر عبرها، اختر فكرة واحدة من أجل أن تهضمها خلال ذلك اليوم، فذلك ما أفعله ، فوسط زمرة الأشياء الكثيرة التي قرأت كان هذا هو حصادي لهذا اليوم وقد وجدته عند «ابيقور» (343 270 ق م) لأنني اعتدت وضع رجلي في خندق العدو ليس كجندي هارب، ولكن كمرشد. لقد قال إن الشيء الجميل هو القناعة وسط الفقر، لكن لم يعد هناك فقر إذا كانت هناك قناعة. ليس الفقر أن يكون عندنا القليل بل إن نطمع في الكثير. ما فائدة كم يختزن ذلك الشخص في صناديقه وخزائنه، وكم له من المواشي في زرائبه ،وكم يجني من الأرباح إذا كان يلتهم بجشعه خيرات الآخرين ويعُدُّ ما يريد أن يحصل عليه وليس ما حصل عليه فعلا! ستقول لي: ماهو مقياس الغنى إذن؟ أقول لك: إنه أولا الضروري، وثانيا ما نقنع به».