في فترات الدكتاتوريات والدكتاتورية في العراق تمنع الأجهزة الأمنية التعرض للسلطة في الكتابات الصحفية وفي أعمدة الصحف وبالتأكيد برامج التلفزة العائدة أصلا للسلطة. ممنوع الكتابة عن السلطة فقط عندما يكون المقال مديحا للسلطة ورئيسها وحتى ممنوع مديح عناصر السلطة سوى الدكتاتور، فهو الوحيد الذي يستحق المديح! جلس الصحفي والشاعر العراقي الراحل رشدي العامل أيام الدكتاتور، وهو لا يدري ماذا يكتب إذ المطلوب أن يملأ كادر الصحيفة "العمود الصحفي" بمقال قصير. فمديح الدكتاتور كتبوا عنه الكثير وهو يحاول أن لا يقترب من هذا الموضوع ويبتعد عن مديح الدكتاتور كي لا يسجل عليه موقف المديح ففكر أن يكتب عن السلطة من خلال السلاطة وهي الوجبة المحببة لديه والمتكونة من مادة الطماطة والبصل الأخضر والخيار مع زيت الزيتون والخل وقليل من الملح. وهي وجبة محببة لديه مع كأس العرق الأبيض. وعندما بدأ بعمل السلاطة لم يجد لديه طماطم، وكانت الطماطم والتي يطلق عليه العراقيون طماطه مفقودة من السوق، فعمل السلاطة بدون طماطة. وخطر بباله وهو ثمل قليلا كتابة مقالة قصيرة عنوانها "كيف تعمل السلاطة بدون طماطة" فكتب المقال خلال نشوته وكان مقالا ظريفا ممتع ويثير البسمة وسط فقدان السلع من السوق ومنها الطماطة. قبل أن ينام صاحبنا الشاعر، أرسل إبنه كي يسلم المقال للجريدة حتى يظهر في الصحيفة صباحا وكان يطمح لظرافة المقال أن تأتيه مكالمات تهنئة لجمال الموضوع وظرافته كونه موضوع مركز يحث السلطة على توفر الطماطة للمواطنين وهي ليست معضلة كبيرة. نشر المقال الظريف وعنوانه "كيف تعمل السلاطة بدون طماطة" لكن الدكتاتور الذي قرأ المقال لم تعجبه الفكرة ونظر للمقال كونه سخرية من الدولة التي يحكمها ويقودها. ولأن صاحبنا الشاعر قضى ليله سهراناً فقد نام نومة عميقة، لكن الباب بدأ يطرق ويطرق ويطرق بقوة في صباح اليوم التالي، فصحا من نومه وهو يكاد أن لا يرى باب المنزل. فتح الباب وشاهد مجموعة من الشقاة بصفتهم رجال أمن القصر الجمهوري. كان يعتقد بأنهم جلبوا له هدية من السيد الرئيس لكنهم قالوا له تفضل معنا. سألهم إلى أين قالوا له تعال معنا إلى المطبخ كي نعطيك درسا في الطبخ ونعلمك "كيف تعمل السلاطة بدون طماطة" بعد أيام عاد إلى منزله متورم الوجه!