لم يكن عقد المجلس العلمي الأعلى أول أمس لندوة حول السلفية بإذن من جلالة الملك، وليد الصدفة أو فضول معرفي، بل هو نتيجة واقع عالمي وإقليمي ومحلي يلحّ بالتباساته على ضرورة التوضيح، ويفرض بتداخل وجوهه واجب التمييز، ويلزمُ العلماء بالردِّ على ادعاءات أصحاب هذا «الانتماء السلفي» التي تصل بالبعض منهم إلى استحلال الدماء والأعراض والأموال. هل هؤلاء الذين يحملون شعار السلفية يسيرون على ما كان عليه السلف الصالح الأول من هذه الأمة، وغيرهم عرضة للتكفير والتبديع والخروج من الملة فضلا عن التّفسيق والتّجريح؟! أليس السلف كما قال الإمام الشاطبي هم السواد الأعظم من الأمّة؟ هنا يجب أن نستحضر ما صرّح به وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية د. أحمد التوفيق عندما اعتبر أن موضوع السلفية قد «بات قضية شديدة الالتباس» خاصة إذا تم ربطها «بالطعن في الثوابت الدينية للأمة»، وأن أصل الإشكال يكمن في الاختلالات والوهن الذي وقع في الجماعة الكبرى (الأمة)، بسبب «تراخ في الالتزام بالجماعة» أدى الى نشأة أسماء هامشية عملت على مصادرة المسميات، وهي «مصادرة قد تأتي عن وعي أو غير وعي» وراءها «تشوف إلى الزعامة الدينية قد يغذيها الطموح إلى الزعامة الدنيوية». إن الأمة الإسلامية في حاجة إلى ما يوحد صفها لا إلى مايزيده تمزيقا، وما كثرة الفرق، وتضارب أقوالها وأفعالها إلا مظهر من مظاهر التفرقة التي تفتح الأبواب مشرعة أمام أعداء الأمة ليزيدوا من استنزاف خيراتها واضطهاد أعضائها. وهذه الندوة التي جاءت في الوقت المناسب تتوخى إزالة ذلك الخلط والتشويه الذي لحق مفهوم «السلفية» «انتصارا للشرعية وتحقيق الحق وإزهاق الباطل، ودرءا للمفاسد، واستجلابا للمصالح، بالتربية والتهذيب والتقويم حينا، وبالحجة الدامغة والحكمة البالغة حينا آخر» كما قال د. محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، واصفاً «السلفية» اليوم بأنها عادت غولا مفترسا وكائنا غريبا له تشكلات وتمثلات لايدرك كنهها ولا يحصى عددها حيث لم يعد أحد يدري عاقبة أمرها، ووقع الناس بسببها في حرج كبير، بعد أن كانت السلفية بردا وسلاما على القلوب المؤمنة». والحقيقة أن المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والسلوك الصوفي السني، كلها ثوابت اعتمدها المغاربة في حياتهم الدينية، لما لها من تأصل في تربة السلفية الحقيقية التي كان عليها سلف هذه الأمة. وبقدر التزام المغاربة بهذه الثوابت يكونون على نهج السنة وطريق السلف، وبالنسبة لمجموع الأمة الإسلامية يعتبر الانتساب إلى السلف «أمرا جامعا وانتماء مشتركا بين جميع أهل السنة والجماعة» كما أكد د. مصطفى بن حمزة عضو المجلس العلمي الأعلى، مضيفا أن ذلك الانتماء على «قدر التساوي والتواطؤ، لاعلى قدر التشكيك والتفاوت» وأن الانتساب إلى أهل السنة والجماعة ظل «عامل توحيد لقوى الأمة، ومجالا واسعا يستوعب كل من يقفون ضد بدع الشيعة والخوارج والمعتزلة».