سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مسؤولون قضائيون يفرضون قسرا على المتقاضين أداء أجرة المفوض قبل تلقي مقال الدعوى بصندوق المحكمة: استخلاص رسوم لفائدة الخزينة العمومية دون تأدية خدمة مقابلها إثراء غير المشروع.. بقلم // ذ. الحسين الملكي
* الإدارة القضائية هي الملزمة بأداء مقابل الاستعانة بخدمات المفوض القضائي * فرض خدمات المفوض القضائي على المتقاضي يضرب في الصميم الفصل 22 من قانون الرسوم القضائية والفصل 37 من قانون المسطرة المدنية وقانون حماية المستهلك ومقتضيات دستور 2011 التي تضمن حق الولوج إلى مرفق العدالة قبل الحديث عن تعريفة أجرة المفوض القضائي لابد من الإشارة بشكل موجز الى طبيعة هذه المهنة كما هي منظمة تشريعيا بمقتضى القانون، ثم طبيعة الخدمة التي يقدمها المفوض القضائي ولفائدة من، أي المستفيد من الخدمة؟ بالرجوع إلى مقتضيات القانون "03.81" المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، الذي نسخت مقتضيات مادته 58 القانون الصادر في /25 12/ 1980، المتعلق بإحداث هيئة للأعوان القضائيين وتنظيمها، حيث نجد المادة الأولى من القانون الجاري به العمل حاليا يعرف المفوض القضائي بكونه مساعد للقضاء ويمارس مهنة حرة، وفقا لأحكام هذا القانون . المهنة حرة لكنها غير مستقلة: الملاحظ بداية أن هذه المهنة لئن كانت حرة فإنها ليست مستقلة على غرار مهن أخرى، لأن ممارسة عمل المفوض القضائي يحدد مجالها الترابي مقرر إداري، وتتم هذه الممارسة بتكليف من القضاء وتحت إشرافه ومراقبته ومساءلته للأداء الوظيفي للمفوض القضائي، وتأديبه ومتابعته عند الاقتضاء، حسب الصلاحيات والاختصاصات المخولة لكل من رئيس المحكمة ووكيل الملك وغرفة المشورة بالمحكمة . خدمة عمومية عن طريق التفويض: أما بخصوص طبيعة الخدمة فالواضح من عنوان القانون المنظم لهذه المهنة أنه أبرز ما يُعرف بنظام التفويض، أو التدبير المفوض لمرفق، أو خدمة عمومية تلزم بها الدولة بصفة أساسية، وهذا التفويض يكون إما كليا، أو جزئيا، أو مرحليا . إن القيام بإنجاز، أو تدبير الإجراءات القضائية من استدعاءات للأطراف، أو تبليغهم أحكام قضائية، وغير ذلك هي أولا خدمة عمومية من مسؤوليات الدول في إطار تدبير مرفق القضاء، وتخضع بالأساس لمقتضيات قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 كما وقع تعديله، وكذا القانون المنظم للمصاريف القضائية في المادة المدنية والتجارية والإدارية، الصادر في إطار قانون المالية " رقم 1.84.54 بتاريخ 27 أبريل 1984"، وهما قانونان يفرضان على الدولة إنجاز عمل وظيفي يتمثل في تبليغ إجراءات التقاضي لكافة المتقاضين، وذلك مقابل رسم محدد قانونا. في هذا الصدد نص الفصل 22 من هذا الأخير على ما يلي: " يقبض من المدعي عن تقديم عريضة الدعوى بعد إجراء التوفيق عند الإقتضاء رسم قضائي تحدد تعريفته في الفصول التالية، وذلك من أجل الحصول على حكم بات في موضوع الدعوى، غيابيا أو حضوريا، وعلى تبليغه للطرف المحكوم عليه مع إعذار أو من غير إعذار، بما في ذلك جميع الأعمال أو الإجراءات ولاسيما جميع الاستدعاءات أو التبليغات مع ترجمتها إن اقتضى الحال وجميع الأحكام العارضة أو الصادرة قبل الفصل في الموضوع وكذا كل إطلاع على المستندات وكل تعليق للإعلانات في أماكن المحكمة" . وهذا يعني أن المتقاضي/ المدعي يؤدي مقابلا لخدمات يجب على الدولة القيام بها لفائدته . هناك عدة خيارات لتبليغ الإجراءات: أما طريقة إنجاز الدولة لهذه الخدمة فتؤطره مقتضيات الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية المعدل بقانون رقم 72/2003 (3/2/2004) الصادر بالجريدة الرسمية 5184 (5/2/2004)، والذي نص صراحة، على ما يلي: "يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد المفوضين القضائيين، أو عن طريق البريد بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الادارية" . الرسوم الموجبة لاستخلاص الخدمة: ومؤدى صيغات هذا المقتضى الواردة بها عبارة "أو" أن هناك عدة خيارات لتبليغ الإجراءات مقابل الرسوم المؤداة بمقتضى قانون الرسوم القضائية، وهو ما يعني أن هذه الرسوم هي التي تستخلص منها أجور الخدمة المسندة من طرف المحكمة إلى المفوض القضائي كمهنة حرة، أو عبر خدمة البريد المضمون تؤدى من طرف الإدارة القضائية والتي كان العمل جاريا بشأنها من خلال شراء خدمة البريد المضمون مسبقا ...إلخ. والخلاصة التي تستوجب المزيد من التدقيق أن أجرة المفوض القضائي مقابل خدمة تكون الدولة قد استخلصت مقابلها، أنها أي الإدارة القضائية هي الملزمة بأداء مقابل الاستعانة بخدمات المفوض القضائي . وآنذاك تحل إشكالية التعريفة المحددة التي يكون طرفاها الإدارة القضائية والمفوض القضائي، وفق التسعيرة القانونية لهذه الخدمة. أما إذا كان المواطن/ المتقاضي يرغب في خدمة إضافية من قبيل تسريع الإجراءات مثلا فإنه يمكنه اللجوء إلى مهنة المفوض القضائي، كمهنة حرة. نموذج لشراء خدمة عمومية: في هذا السياق فإنه من باب المقارنة يمكن أن نستحضر مرفق الصحة العمومية كخدمة واجبة على الدولة، لكن إذا لم تسعفها إمكانياتها المادية والتأطيرية فإنها تلجأ إلى شراء ما سماه وزير الصحة العمومية ب"خدمات القطاع الخاص"، حيث يبقى الطبيب يمارس مهامه كمهنة طبية حرة في مكتبه أو عيادته، لكن يؤدي خدمات عمومية في إطار نظام تعاقدي تِدي الدولة مقابلا لخدمته. الدولة تستخلص رسوما ولا تؤدي خدمات مقابلها: إن فرض خدمات المفوض القضائي على المتقاضي يضرب في الصميم مقتضيات الفصل 22 من قانون الرسوم القضائية، والفصل 37 من قانون المسطرة المدنية، كما وقع تعديله، وقانون حماية المستهلك وكذا مقتضيات دستور 2011 التي تضمن حق الولوج إلى مرفق العدالة . إن عمق الإشكال المطروح في هذا المجال يمكن إبراز بعض جوانبه في كون : استخلاص مبالغ غير مستحقة لعدم إنجاز الخدمة المؤدى عنها. ويتضح ذلك جليا في كون الدولة تستخلص لفائدة الخزينة العمومية رسوما، لكنها لا تؤدي الخدمة التي تقابلها، وهو شكل من أشكال الإثراء غير المشروع وقد يصنف ضمن جرائم استغلال النفود، أو الغدر في ظل النصوص المشار إليها آنفا وغيرها والمتداخلة في مقتضياتها، ولا سيما المواد الواردة في بداية قانون الرسوم القضائية "1، و2، و4، و6" التي تمنع استخلاص رسوم ومصاريف الدعوى من غير موظفي الإدارة القضائية "كتابة الضبط"، وهو ما لا يحترمه الكثير من المسؤولين القضائيين بالمحاكم، الذين يفرضون قسرا على المتقاضين أداء أجرة المفوض القضائي قبل تلقي مقال الدعوى بصندوق المحكمة " نموذج المحكمة التجارية بالرباط". تصنيف أجور المفوضين ضمن قائمة المنتوجات والخدمات: هذا دون إغفال كون أجور المفوضين القضائيين تم تصنيفها ضمن قائمة المنتوجات والخدمات المنظمة أسعارها، طبقا لقرار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، والصادر تحت رقم 1433.14 بتاريخ 24 أبريل 2014، وفقا لما ورد في الجريدة الرسمية عدد 6257 بتاريخ 109 ماي 2014 . وللإشارة فإن هذا القرار الوزاري المشترك لوزير العدل والحريات ووزير الاقتصاد والمالية، موضوع تعليقنا الموجز بشأن تعريفة أجور المفوضين القضائيين في الميادين المدنية تم تأسيسه على مقتضيات أخرى محال عليها، ومن بينها قانون حرية الأسعار والمنافسة " 5 يونيو 2000 "، كما وقع تعديله، وكذا رأي مجلس المنافسة، حسب ما ورد في الجريدة الرسمية عدد 6318 بتاريخ 18 ديسمبر 2014 . وعليه فإن هذا القرار المشترك يستوجب من جهة أخرى مناقشة مشروعيته على ضوء مفهوم النص التنظيمي، وغياب تفويض من رئيس الحكومة بإصداره، وهو ما سنتناوله لاحقا.