لا زالت قضية تلقي فاعلين سياسيين ومثقفين وفنانين تهديدات صريحة بالقتل والتصفية الجسدية تتناسل في ظل صمت حكومي مريب، ملقية بظلالها القاتمة على المشهد العام من خلال بروز ظاهرة كانت إلا وقت قريب بعيدة عن قيم المجتمع المغربي، حيث يجمع المراقبون على أن الغاية التي تقف ورائها هي بث جو من الترهيب والتخويف في أوساط النخب المغربية بهدف إخراسها وكتم أنفاسها للأبد. وفي هذا الصدد، أكدت النائبة البرلمانية،خديجة الرويسي، في تصريح للعلم، أن تلقيها لسيل من التهديدات من مجهولين يعود إلى كونها أعلنت عن تضامنها مع صحافيين على هامش أحداث باريس الأخيرة، حيث كتبت على صفحتها في الموقع الاجتماعي "تويتر" أن القتل والتهديد بالقتل عمل إرهابي، لتنهال عليها العديد من التعليقات التي تدعو لقتلها وتتوصل برسائل صريحة تهددها بالتصفية الجسدية مع إرفاقها بصور وشرائط فيديو تعرض مشاهدا غاية في البشاعة لقطع الرؤوس وسحل الجثث. وقالت خديجة الرويسي أن مصدر الرسائل التي وصلتها جاء من مصر وسوريا والعراق وبعضها من المغرب،إلا أنها في البدء لم تعرها اهتماما يذكر ولم تكن تريد أن تخرج تلقيها لتهديدات إلى العلن، وذلك لإدراكها أن هدف من يبعثون هذه الرسائل هو خلق مناخ من الرعب داخل الأوساط السياسية المغربية، إلا أنه مع تسرب الخبر، تقول الرويسي، ومع تواتر التهديدات على شخصيات مغربية أخرى مختلفة المواقع والحساسيات، اضطرت إلى الكشف عن ذلك ووضع شكاية لدى المصالح المختصة لمعرفة الجهات التي تقف وراء هذه الممارسات. ودعت الرويسي إلى التصدي بحزم للتكفيريين ودعاة التطرف ليس فقط من خلال المقاربة الأمنية المعتمدة حاليا، بل وأيضا من خلال تغيير شامل في مناهج التعليم ومقرراته، ناهيك عن ضرورة أن يتحمل الإعلام مسؤولياته ،وخصوصا منه السمعي والمرئي. وأضافت، هدفهم هو تخويفنا، ويجب أن لا نستسلم لهم، كما لا ينبغي أن نبرر القتل والإرهاب تحت أي مبرر أو ذريعة كانت. من جهته، عبر الممثل سعيد باي، في تصريح للعلم، عن بالغ استغرابه من تلقيه تهديدات بالقتل من طرف أشخاص مجهولين، ليس فقط بسبب مشاركته إلى جانب ممثلين آخرين في فيلم "ابن الرب"، بل قبلها حين شارك في الفيلم المغربي "زيرو" . وقال أن هناك جهة ما قامت بوضع لائحة بأرقام هواتف فنانين على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، ومن هنا انتقل التهديد من صفحته على نفس الموقع إلى هاتفه الشخصي، حيث تلقى العديد من الرسائل عبر "الواتساب" أو من خلال مكالمات شخصية، مجهولة أحيانا وأحيانا معلومة. كما أكد سعيد باي أنه في البدء ظل يتلقى هذه التهديدات على أنها مزحة سوداء من أشخاص لا شغل لهم، ولكن مع استمرارها ووصول الأمر إلى حد تخويف أسرته الصغيرة وأطفاله وأمه، حينها بدأ يدرك جدية هذه التهديدات، وهو الآن يجمع كل القرائن والأدلة رفقة محاميه لوضع شكاية لدى المصالح الأمنية المختصة. ولم يخف الممثل المغربي اندهاشه من هكذا ممارسات، متسائلا عن مصدرها والجهات التي تقف وراءها خصوصا أن بلادنا ظلت لعقود في منأى عن ثقافة التكفير واستهداف المثقفين والفنانين، دون أن يخفي شكره وامتنانه للكثير من رسائل التضامن والمآزرة التي وصلته من داخل المغرب وخارجه. في المقابل، اعتبر الداعية الإسلامي المعروف، الشيخ عبد الباري الزمزمي، أن التهديد بالقتل لأجل الأفكار أصبح سنة مسلوكة، حسب وصفه، مشددا على أن هذه الظاهرة أصبحت عادة سيئة فتحها تنظيم القاعدة، وهذا كله غير مشروع ومدان. وأضاف الشيخ الزمزمي في تصريح للعلم، أن القتل عمل غير مشروع البتة، حتى لو كانت هناك جريمة ارتكبها هؤلاء، إلا أن معاقبتهم من اختصاص السلطة وليس من اختصاص جماعات أو أفراد، مشددا على أن تلقي العديد من الشخصيات تهديدات بقتلهم يعتبر فوضى وتسيبا وجريمة يعاقب عليها، دون أن يخفي توقعه بتصاعد هذه الظاهرة وتلقي أفراد آخرين لتهديدات مماثلة. وحمل الداعية الإسلامي مسؤولية ما يحدث إلى بعض الجماعات الإرهابية الدولية التي لها مريدون وأتباع داخل المملكة، خصوصا تنظيم داعش وأنصار بيت المقدس وجبهة النصرة، داعيا في هذا الإطار أولئك الذين تلقوا تهديدات بالقتل إلى فتح حوار مع من يهددهم وإجراء اتصالات معهم لمعرفة أسباب تعرضهم لذلك والجهات التي تقف ورائها.