قال محمد أعفيف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة محمد الخامس في الندوة التي نظمتها مؤسسة علال الفاسي يوم الجمعة 23 يناير 2015 حول «العرب واليابان صراع الحداثة والتعليم» والتي أدار أشغالها سعيد بنسعيد العلوي عضو اللجنة الثقافية للمؤسسة، إن موضوع الحداثة والتقليد لايزال مثار جدل وبحث سواء في العالم العربي أو غيره من دول العالم خاصة تلك التي تسعى إلى تحقيق التنمية والخروج من دائرة التخلف إلى دائرة التقدم والازدهار، موضحا أن الإشكالية المطروحة على هاته الدول يمكن تلخيص بعضها في الأسئلة الآتية، هل عملية التحديث تتضمن بالضرورة رفضا للمجتمع التقليدي ومؤسساته، هل تتنافر قيم الحداثة مع الموروث الثقافي؟ هل يقف التقليد حاجزا ومانعا في وجه التحديث؟ أم هل يمكن استخدام وتطويع بعض رموز ومفاهيم ومؤسسات المجتمعات التقليدية من أجل أهداف تحديثية. وأضاف أعفيف أنه على أساس هذه الإشكالية طرحت قضايا كبرى عن علاقة الدين بالتحديث، وهل يقف الدين كما هو الحال في العالم الإسلامي في وجه التحديث؟ وأوضح أنه يمكن القول إجمالا إن القصد بالتقليد والموروث الثقافي عموما تلك المؤسسات والقيم والمعايير المتجذرة في مجتمع ما منذ عهود طويلة والتي ترسخت بالممارسة والعادة وبانتقالها من جيل إلى جيل، والتي يجملها أهل الانتروبولوجيا بالثقافة بينما يؤشر التحديث على ماهو جديد ومستحدث من نماذج وممارسات وقيم سواء تلك الوافدة من الخارج أو تلك التي تطورت داخل المجتمع في تعارض مع ماكان تقليدا وموروثا فيه، غير أن مصطلح الحداثة اتخذ مفهوما ارتبط أساسا بما عرفته أوروبا في القرن 16 من تطوير يشمل ثورات علمية وفكرية واقتصادية. وأوضح أن هذه هي الحداثة التي واجهتها الدول المتخلفة عن أوروبا واضطرت للتعامل معها بطريقة أو بأخرى بغاية الخروج من التخلف واللحاق بالركب الحضاري الغربي، وعموما فإن عملية التحديث بمرجعيتها الغربية هاته تصطدم في المجتمعات التقليدية بالمعتقدات والقيم التي قد تتعارض مع قيم التحديث مما يعرقل هذه العملية ويؤخرها بل قد يجعلها مستحيلة، وعلى أي حال فإنه لم يعد بوسع الدول المتخلفة التقوقع أو التحصن في مواجهة الأفكار والنماذج الحديثة فقد اضحت تفرض نفسها على كافة المجتمعات. وأكد ان مسار الحداثة اتسم طوال مصيره بالصراع بين قوة التحديث والقوة المقاومة له، صراع طبعه العنف وتخللته الحروب والتنكيل برموز الحداثة وتكفيرهم وحتى اعدامهم ولم تخل الحداثة من مقاومين لها حتى بعد انتصارها، وعلى سبيل المثال كتب المفكر الانجليزي «يورك» كتابا تحت عنوان «تأملات في الثورة الفرنسية» شجب فيه بقوة رجال الثورة الفرنسية لتخطيهم القيم والمعتقدات. وذكر أن الحداثة أساسا هي الإعلاء من قيمة الانسان وتبويء العقل مكانة سامية وجعل العلم وسيلة وتكريس مبدأ الشك وجعله قيمة إيجابية، فقد بدأت الحداثة بإحياء التراث الإغريقي ثم باكتشافات علمية مذهلة بل بثورات علمية هزت الثقة في المعارف القديمة وغيرت النظرة إلى الكون وساهمت في تطوير علوم شتى من الفلك إلى الطب إلى الفيزياء. وقد انعكست هذه الثورة على المجال التقني فتطورت تقنيات الطباعة وأشاعت تداول المعرفة وتقنيات الملاحة التي ساهمت في تحقيق الاكتشافات الجغرافية الكبرى التي غيرت العالم وأضافت عوالم كانت مجهولة وجلبت ثروات هائلة لأوروبا، كما ساهمت في الثورة الصناعية التي غيرت وجه اقتصاد أوروبا وكذا في تطوير الأسلحة النارية. وقال إن اليابان إلى مطلع القرن 20 كان بلدا شبه مجهول لدى النخبة وعامة الناس على حد سواء في العالم العربي وغيره بلد يقع في أقصى الأرض لا يعرف عنه سوى النزر اليسير، وفجأة حملت في مطلع القرن 20 نبأ انتصار هذا البلد على قوة من أعظم القوة الأروبية وهي روسيا وقبلها كان قد حقق الانتصار على العملاق آنذاك الصين. واليابان في اعتقاد الجميع ينتمي إلى الشرق وظل متخلفا واستبداديا كغيره من دول الشرق ثم فجأة يتحول إلى قوة عظمى بسبب استيعابه لمقومات الحضارة الغربية ويحاربها بنفس سلاحها، نموذج أثار الإعجاب وأحيى الأمل في النفوس. وأشار إلى أن عملية التحديث في اليابان لم تكن وليدة إصلاحات «الميجي» أو أنها مستقاة كليا من تقليد الغرب، وهذا هو الخطأ الأول الذي يقع فيه البعض، ومن ثم فإن الحديث عن معجزات يابانية لتحقيق طفرة في زمن قياسي غير وارد عندالمؤرخ، وأوضح أن اليابان خطا خطواته الأولى نحو تحديث خاص به في غياب أي اتصال بالغرب منذ مطلع القرن 17 وأن ما حدث من تطوير في العصر الأخير من حكم السمراي يمتد منذ سنة 1603 إلى سنة 1868، وأن نسبة المعرفة بالقرآة والكتابة في اليابان في منتصف القرن 19 كانت 40% بين الذكور و 10% بين الإناث، وهذه النسبة لم يصلها العالم العربي حتى حدود الآن، وتوسع المدن ونسبة الساكنة المدنية وظهور برجوازية صاعدة تتمتع بثروة هائلة وبتجربة في المعاملات التجارية، وأن أكثر الشركات اليابانية أقيمت قبل إصلاحات الميجي، وكان عدد العناوين التي تطبع في اليابان في القرن 17 و 18 يصل إلى 600 عنوان سنويا في مختلف الموضوعات. وفي المقابل أكد أن العالم العربي كان يغط في سبات عميق بعد أن عم الانحطاط وتراجعت الحضارة الإسلامية وتحجر التعليم في تدريس المختصرات والشروح وغابت عنه علوم كانت مزدهرة في وقت ما، هذا دون إغفال الركود الاقتصادي نتيجة تهميش العالم الاسلامي للتجارة الدولية وتفشي الأمية والخرافة. وأفاد أن الاصلاح لم يفرض على اليابان فهم من سعوا إليه سعيا إراديا لتفادي الهيمنة الغربية، ومن الأخطاء التي دأبنا على سماعها أن البعثات الطلابية إلى الدول الغربية تزامنت مع بعتاث المغاربة في عهد الحسن الأول والحال أن البعثات اليابانية بدأت قبل إصلاحات الميجي بعقد من الزمن أي 20 سنة قبل أن يتولى الحسن الأول الحكم. وعن المعتقدات اليابانية أكد أعفيف أنها تتكون من ثلاثة مكونات ليست منها ذات شرائع سماوية، والمكون الأول هو ديانة الشينطو وهي ديانة تأسست بشكل طبيعي في المجتمع الياباني لايعرف لها مؤسس وتتوفر على كتاب مقدس، وهي أقرب ما تكون إلى الديانات البدائية في افريقيا وبعض الدول الإسلامية، تجمع بين الاعتقاد في الأرواح وتقديس الأشياء. والمكون الثاني هو البودية، وهي تنسب الى بودا الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وانتقلت من الهند الى الصين، والمكون الثالث هو الكونفوشيوسية وهي ليست بدين ومؤسسها كونفوشيوس عاش في القرن الخامس قبل الميلاد لم يدع إلى إنشاء دين جديد بل كان يسمي نفسه بالمبلغ ويمكن تصنيف أداء هذا المؤسس ضمن خانة المصلحين الإجتماعيين أو الفلاسفة. وخلص أعفيف الى أن اليابان وبعض الدول العربية أقدموا على عملية التحديث وقد نجحت التجربة في اليابان وتعثرت في البلدان العربية، نجاح التجربة في اليابان لها أسباب موضوعية أولها أن اليابان كانت مهيأة للتحديث ولتحقيقه لمستوى عال من التنمية البشرية والاقصتادية خاصة التعليم إضافة الى أن اليابان تستمتع بوضع خاص بحيث لم تثر شهوة المستعمرين الغربيين لضعف مواردها الطبيعية.